أصل القضية … إستراتيجية الجسر والمورد: كيف يعيد التنوع الثقافي تشكيل السودان بعد حرب الكرامة؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

بينما يقترب السودان من تحقيق النصر في حرب الكرامة، تبرز الحاجة المُلحّة إلى التفكير فيما بعد الحرب، وما يتطلبه بناء السودان الجديد. لا يتمثل التحدي فقط في إعادة بناء البنية التحتية المادية، بل في صياغة هوية وطنية شاملة تعكس التنوع الثقافي العميق، و تحقق الوحدة الوطنية، و تضمن العدالة الاجتماعية و الاقتصادية. هنا، تبرز “استراتيجية الجسر و المورد” كأداة رئيسية لاستخدام الموارد الثقافية و الاقتصادية لتحقيق هذا الهدف و تعزيز المصالحة الوطنية.
دور الثقافة في تعزيز الوحدة الوطنية بعد الحرب:
السودان يزخر بتنوع ثقافي فريد من نوعه، يمتد عبر العديد من الأعراق، اللغات، والعادات. هذا التنوع يمكن أن يكون جسرًا قويًا لإعادة بناء الهوية الوطنية بعد الحرب. على سبيل المثال، شهدت العديد من الدول مثل رواندا، استخدام الثقافة و الفن كأدوات للمصالحة الوطنية بعد الصراعات. في رواندا، تم استغلال المسرح و الفنون الشعبية كوسيلة لمعالجة جراح الإبادة الجماعية و تحقيق وحدة اجتماعية مستدامة.
في السودان، يمكننا توظيف الفنون، التراث الشعبي، و الموسيقى التقليدية كأدوات لتقريب الفئات المتنازعة، ما يتيح لنا بناء جسور جديدة بين المجتمعات المختلفة. من خلال تعزيز الفهم المتبادل بين المجموعات العرقية و الدينية يمكن أن تصبح الثقافة أساسًا لتحقيق مصالحة حقيقية تدوم لعقود.
الجسر و المورد – تطبيق إستراتيجي لتحقيق الوحدة:
إستراتيجية الجسر و المورد ليست مجرد رؤية ثقافية، بل هي إطار استراتيجي يمكن من خلاله استغلال الموارد الاقتصادية و الثقافية لتحقيق الوحدة الوطنية. على سبيل المثال، يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية في مناطق النزاع من خلال برامج تنموية تركز على البنية التحتية الثقافية، مثل بناء مراكز ثقافية تعليمية تجمع بين الشباب من مختلف الفئات العرقية لتعزيز التفاهم المتبادل.
كما أن دعم الصناعات الثقافية المحلية يمكن أن يخلق فرص عمل تعزز التماسك الاجتماعي والاقتصادي، حيث يصبح الاقتصاد المتنوع موردًا يعزز وحدة المجتمعات. على سبيل المثال، في جنوب أفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، تم تعزيز صناعة السياحة الثقافية التي لعبت دورًا في إعادة توجيه الهوية الوطنية.
الثقافة كأداة للمصالحة الوطنية:
في المجتمعات التي تعرضت للنزاعات، يمكن أن تلعب الثقافة دورًا مركزيًا في معالجة الانقسامات وإعادة بناء الثقة. السودان اليوم بحاجة إلى مصالحة وطنية شاملة تشمل مختلف الأطراف السياسية و الاجتماعية.
استراتيجية الجسر و المورد يمكن أن تسهم بشكل كبير في هذا المجال من خلال تعزيز التراث المشترك. في الحقيقة، التاريخ السوداني مليء بأمثلة على التعايش السلمي بين المجموعات المختلفة، مثلما كان يحدث في ظل الممالك السودانية القديمة.
يمكن استثمار تلك القصص والنماذج في بناء ذاكرة جماعية جديدة تعيد توجيه الصراع نحو مصالحة بناءة. برامج العدالة الانتقالية التي تستفيد من التراث الثقافي لتعزيز الحوار بين المجتمعات، كما في كولومبيا بعد اتفاق السلام، يمكن أن تُطبق في السودان لتحقيق نفس الهدف.
تحديات و فرص ما بعد النصر:
بينما يقدم النصر في حرب الكرامة فرصة تاريخية لإعادة بناء السودان، فإن التحديات لا تزال كبيرة. التحدي الأكبر هو كيفية تحويل النصر العسكري إلى سلام مستدام. السودان بحاجة إلى مشروع وطني يتجاوز الانقسامات العرقية والسياسية ويعزز الوحدة الاجتماعية من خلال العدالة والتنمية.
استراتيجية الجسر والمورد تقدم حلاً واعدًا للتغلب على هذه التحديات، من خلال توظيف الموارد الثقافية والاقتصادية لتعزيز التماسك الوطني. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحات مؤسسية تعزز المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار.
النصر في حرب الكرامة قد يكون نقطة تحول في تاريخ السودان، ولكنه لا يمثل نهاية التحديات. النجاح الحقيقي يكمن في تحويل هذا النصر إلى سلام دائم يقوم على المصالحة و الوحدة الوطنية.
استراتيجية الجسر والمورد تتيح للسودان الفرصة لإعادة بناء هويته الوطنية من خلال استغلال موارده الثقافية و الاقتصادية. الثقافة ليست مجرد موروث، بل هي جسر قوي يمكنه توحيد الشعب السوداني و تحقيق مستقبل مستدام.
إن كانت الحرب قد وحدت الشعب على المدى القصير، فإن الثقافة، بالتوازي مع التنمية الاقتصادية المتوازنة، يمكن أن تضمن استدامة الوحدة على المدى الطويل.
أصل القضية النصر ليس فقط في ساحة المعركة، بل أيضًا في تحقيق تنمية شاملة تعيد بناء السودان بيد أبنائه و بأدواته الخاصة.