مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … الإمارات: من صناعة الأحداث إلى السقوط في فخ الطموحات .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في رمال السياسة المتحركة للقرن الأفريقي، تحاول الإمارات أن تقف في السودان على أرض لكن دائما مايكون موطئ قدمها هش، فقد استخدمت القوة العسكرية الخشنة ثم لما تبين لها الفشل تحركت إلى أدوات ناعمة كدعم الاستقرار السياسي في السودان على الطريقة الإماراتية إن جاز لنا التعبير. لكن، وسط هذا الحراك، هل تسير الإمارات حقًا نحو استراتيجيات مدروسة أم أنها تخوض مغامرة غير محسوبة؟ و كيف يُفهم الدور الإماراتي في ضوء تحركاتها الإقليمية و أصابع الاتهام التي تشير إليها كأحد مهندسي “الربيع العربي” منذ ٢٠١١ و حتى ٢٠١٨ في الخرطوم؟

الإمارات و “الربيع العربي”: البيدق في لعبة أكبر
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، لم يكن اسم الإمارات بعيدًا عن الساحة. يُنظر إلى أبوظبي على أنها داعم رئيسي لتغيير الأنظمة في دول عربية عديدة، سواء بدعم مباشر أو بتحريك حلفاء إقليميين. لكن، هل كانت الإمارات فاعلًا رئيسيًا أم مجرد أداة في أيدي قوى أكبر؟ ما تكشفه الأحداث أن الإمارات قد تكون بيدقًا تحركه المصالح الدولية أكثر مما هي صانع للأحداث. هذه القراءة غير التقليدية تفتح نافذة لفهم أعمق لأدوار القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث يتحرك الجميع داخل لعبة أكبر تعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة.

مأزق الرهان العسكري في السودان: القوة التي لا تُشترى
في السودان، تكرر الإمارات رهاناتها الخاسرة، بدءًا من الميليشيات المسلحة وحتى الرهان على النخب السياسية. تدخلت في الأزمة السودانية عبر دعم الفصائل المسلحة، غير أن ما لم تدركه أبوظبي أن السودان، بجيشه الوطني وتاريخه الطويل في مقاومة التدخلات الخارجية، ليس ساحة سهلة للاعبين الخارجيين. على مر السنوات، أثبت السودانيون أن ولاءهم للوطن أولًا، وأن محاولات فرض الوصاية عليهم من الخارج لن تنجح، سواء جاءت في صورة دعم مالي أو عسكري. هذه الإرادة الوطنية الراسخة تجعل السودان كيانًا فريدًا في المنطقة، مقاومًا للتأثيرات الخارجية مهما بدت قوية.

الضغط الإقليمي: شراء صمت الجيران وترويض الاتحاد الأفريقي

أدركت الإمارات أن القوة العسكرية لن تحقق أهدافها في السودان، فتحولت إلى استراتيجية الضغط السياسي عبر جيرانه. أصبحت ساحات لمناورات أبوظبي في محاولة لإحكام قبضتها على السودان. حتى الاتحاد الأفريقي، المؤسسة التي يفترض بها حماية السيادة الأفريقية، وُضع في موضع الصمت عبر النفوذ الإماراتي المالي. لكن هل هذه الضغوط ستأتي بالنتائج المرجوة؟ أم أن السودان سيبقى عصيًا على هذه المحاولات كما كان عصيًا على غيرها؟

الديمقراطية والحكم المدني كأداة ناعمة: هل يُشترى الولاء الوطني؟
في ظل الفشل العسكري و السياسي، تراهن الإمارات على ان الشعب السوداني يريد الحكم المدني ، و تكرر محاولات لبناء نفوذ عبر المساعدات. لكن هنا يكمن التحدي الأكبر: هل يمكن للمال أن يشتري ولاء شعب؟ السودان ليس فقط دولة، بل هو مجتمع مبني على قيم وطنية و ثقافية عميقة لا يمكن شراؤها بالأموال. الشعب السوداني الذي قاوم الاستعمار و خرج منتصرًا في انتفاضاته الشعبية، لن يرضخ لمشاريع تسعى لفرض أجندات خارجية مهما كانت مُغلّفة بوعود اقتصادية. والشعب قال كلمته في حرب الكرامة الممولة من الإمارات فهل سمعت الإمارات صوت الشعب (شعب واحد، جيش واحد )

ما بعد المغامرة: هل تراجع الإمارات حساباتها؟
إذا كانت الإمارات تسعى بالفعل لتحقيق نفوذ طويل الأمد في السودان، فعليها إعادة النظر في استراتيجياتها. لا يمكن للإمارات أن تتجاهل الإرادة الشعبية السودانية أو أن تفترض أن الحلول المستوردة الممزوجة بخيانة (تقدم) و (قحت)ستنجح، في الوقت الذي فشلت فيه الحلول العسكرية. المطلوب هنا هو فهم عميق للسياق السوداني بكل تعقيداته، و التفاعل مع إرادة الشعب لا محاولة قمعها أو تجاوزها. على أبوظبي أن تدرك أن السودان ليس ساحة للتجارب السياسية و الاقتصادية، و أن استقرارها في المنطقة يعتمد على تبني نهج يحترم سيادة الدول و كرامة شعوبها.

دروس من الماضي و استشراف للمستقبل

إن المتابع للحراك السياسي السوداني يدرك أن القوة الحقيقية تكمن في الشعب. هذا الدرس الذي كان يجب أن تستوعبه الإمارات بعد سنوات من التدخلات غير المجدية في المنطقة. ربما تكون الإمارات قد نجحت في شراء ولاءات في أماكن أخرى، لكن في السودان، المعادلة مختلفة. الولاء هنا للوطن و المصالح الوطنية لا تُباع و لا تُشترى. على الإمارات، و غيرها من القوى الإقليمية و الدولية، أن تدرك أن مستقبل السودان يُكتب بأيدي أبنائه، و أن أي مغامرات خارجية لا تراعي هذا الواقع ستنتهي بالفشل.

رسالة للامارات : السودان لا يُشترى
درس ليس بالمجان ستتعلمه الامارات من السودان ،و هو أنه دولة ذات سيادة، و شعبه يتمتع بوعي سياسي و تاريخ طويل من النضال. و أن محاولة فرض أجندات خارجية، سواء عبر السلاح أو المال، لن تكون إلا مغامرة غير محسوبة. الإمارات، إن أرادت النجاح، عليها أن تتعلم من دروس الماضي و أن تحترم خصوصية الشعوب. و ما لم يحدث هذا، ستظل أبوظبي رهينة لأخطائها السابقة، تتخبط في محاولات غير مجدية لبناء نفوذ على أرض صلبة لا تقبل الحلول المستوردة.
أصل القضية : السودان وطن سيادته راسخة بإرادة أبنائه، لا تهتز و لا تُساوم و كل مغامرة خارجية مصيرها الزوال أمام صمود شعبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى