مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … الإمارات و رقعة المصالح الدولية .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في عالمٍ شديد التعقيد كالعلاقات الدولية، تتشابك المصالح بطرق غير ظاهرة للعيان. قد تبدو الإمارات في مقدمة المشهد السوداني، كما هو الحال في عدد من الدول العربية والأفريقية، لكن المتأمل العميق يدرك أن وراء هذا المشهد خيوطًا خفية تحرك الفاعلين. هل الإمارات حقًا اللاعب الأساسي؟ أم أنها مجرد بيدق يُحركه لاعبٌ أكبر على رقعة المصالح الدولية؟
الإمارات خطت خطوات جسورة، متجاوزة المواثيق والأعراف الدولية، لتغتصب سيادة السودان. لكن الحقيقة التي تلمع بين ثنايا هذا التدخل تكشف عن أن الإمارات ليست إلا قناعًا قانونيًا يخفي خلفه لاعبًا أكبر. هذا التساؤل يتطلب منا البحث عمن يُمسك بالخيوط ويدير اللعبة من خلف الكواليس، ولماذا تواصل الإمارات هذا المسار حتى أصبحت رهينة للقرارات الخارجية.

من يحرك خيوط اللعبة؟
إمعان النظر في الوضع السوداني، لا سيما منذ اندلاع “حرب الكرامة”، يُظهر أن هناك لاعبًا خلفيًا يمسك بزمام الأمور، يعرف السودان وشعبه جيدًا، ويستخدم هذه المعرفة كسلاحٍ للضغط على الدولة. الإمارات في هذا السياق ليست إلا واجهة لهذا المخطط، تدار بيدٍ ماهرة تستند إلى دراسات متخصصة في علم الاجتماع السلوكي، الذي يُحرك الشعوب ويستغل مواطن ضعفها.

الشعب السوداني: السلاح الخفي
الشعوب دائمًا هي قلب الصراعات، إما لدعم الأنظمة أو لإسقاطها. في السودان، شعار “شعب واحد، جيش واحد” جسد وحدة الصف بين الشعب وجيشه منذ بداية الصراع. ولكن اليوم، يطرح السؤال نفسه: أين صوت الشعب الآن؟
الإمارات لعبت دورًا في تقديم مليشيا الدعم السريع كبديل للشرعية السودانية، مسوقةً لهذه المليشيا على أنها ممثلة للشعب السوداني. لكن هذه الفكرة ولدت في ظل غياب صوت الشعب الحقيقي، مما أتاح لهذه المليشيا المجال لتقديم نفسها كحكومة بديلة، سواء في الداخل أو ككيان يعمل في المنفى تحت رعاية الإمارات. هذا الصمت الشعبي سمح بتغوّل الفاعلين الخارجيين وتفتيت الشرعية الوطنية.

استراتيجيات الفاعل الخفي عبر التلاعب بالسلوك الشعبي:
الواضح أن هذا اللاعب الخفي الذي يقف خلف الإمارات لا يعتمد فقط على القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل يستخدم أدوات نفسية واجتماعية أكثر تعقيدًا. استغلال السلوك البشري للشعوب وتوجيهه لتحقيق مصالح خارجية ليس بجديد، فقد رأينا ذلك يحدث في دول الربيع العربي. سواء في مصر أو ليبيا أو سوريا، كانت الشعوب تُستغل لخدمة مصالح قوى خارجية، والسودان ليس استثناءً.

إلى أين يتجه السودان؟
السودان الآن يقف على مفترق طرق خطير، والتحديات التي تواجهه تفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة:
١. سيناريو الفوضى المستمرة: استمرار الصراع بين الحكومة ومليشيا الدعم السريع سيزيد من تفتت الدولة ويقودها نحو الانهيار الكامل.
٢. سيناريو الحكومة الموازية: نجاح مليشيا الدعم السريع في بسط سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد، وتشكيل حكومة موازية مدعومة من الإمارات، مما يعيد رسم ملامح الشرعية.
٣. سيناريو الحل السياسي: الدخول في مفاوضات تحت الضغط الدولي، لكن بقاء النفوذ الخارجي والفاعل الخفي سيساهم في استمرار حالة التبعية والضعف.

كيف يمكن للسودان الخروج من أزمته؟
أمام هذه السيناريوهات القاتمة، يحتاج السودان إلى تبني استراتيجية قوية ترتكز على استقلال القرار الوطني واستغلال موارده بشكل ذكي. استراتيجية الجسر والمورد، التي تعتمد على استخدام الموارد السودانية كأداة للمساومة والنفوذ، قد تكون الحل الناجع.
السودان يمتلك كنوزًا طبيعية هائلة، من أراضٍ زراعية خصبة إلى النفط والمعادن. هذه الموارد تجعله هدفًا للتنافس الدولي، لكن بدلاً من أن يكون فريسة سهلة، يمكن للسودان أن يتحول إلى لاعب مؤثر إذا أحسن استخدام هذه الموارد في بناء اقتصاده وتعزيز مكانته السياسية.

أصل القضية: كيف يستعيد السودان سيادته؟
السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن للسودان أن يستعيد قراره الوطني في ظل هذا التدخل الخارجي المكثف؟ وكيف يمكن للشعب السوداني أن يستعيد صوته الذي أُسكت في خضم هذه الصراعات؟
هذه الأسئلة تستدعي تفكيرًا عميقًا وحلولًا عملية. يبقى الأمل معقودًا على قدرة السودانيين على الاتحاد واستغلال مواردهم بما يخدم وطنهم، بعيدًا عن تدخلات القوى الخارجية.
صراع السودان اليوم ليس مجرد نزاع داخلي أو إقليمي، بل هو جزء من لعبة أكبر تُحاك على مسرح السياسة الدولية. وفي حين أن الإمارات تبدو وكأنها الفاعل الأساسي، إلا أن وراء الأكمة ما وراءها. الإمارات تستمر في تغولها، والسودان يقول لها : “هذا أثر فأسك؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى