مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … الجسر والمورد: عندما تصبح الاستراتيجية فنا لردع العدوان .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في عالم السياسة، الحروب ليست مجرد معارك نارية، بل هي لعبة معقدة من الأوراق المحروقة والمكاسب الخفية. وحين تُفرض على دولة معركة لم تخترها، فإن الردّ الذكي لا يكون فقط بالمدفع، بل بعقلٍ قادرٍ على تحويل التهديد إلى فرصة، والمأزق إلى ممرٍّ استراتيجي. وهذا بالضبط جوهر استراتيجية “الجسر والمورد” التي تمثل طريق السودان إلى التكامل المستدام، حيث لا تُكتفى بالردع التقليدي، بل يتم استثمار كل مورد متاح بطريقة غير متوقعة.

الوشق وصيد الفرائس المتداخلة:
في الأدبيات السياسية، لا تقتصر المواجهة على اللاعب المباشر، بل تشمل بيئته، حلفاءه، ومصادر قوته. كما أن الوشق، ذلك المفترس الصامت، لا يطارد فريسته عبثًا، بل يختار هدفًا يؤدي إلى انهيار النظام البيئي لعدوه، وهو ما يجعل السودان في موقع يسمح له بتطبيق ذات التكتيك في صراعه الحالي، عبر توظيف أدوات غير تقليدية تحقق الردع دون استنزاف مباشر.

الأدوات غير التقليدية في الاستراتيجية السودانية:
١. الهجوم الاقتصادي العكسي
●تحويل الضغط الاقتصادي إلى سلاح هجومي، عبر إعادة توجيه الموارد السودانية بطرق تجعل تحالفات العدو مكلفة وغير مستدامة.
●استغلال موقع السودان كممرٍّ تجاري حيوي لإعادة تشكيل حركة البضائع والموارد، مما يضعف قدرة الدول المعادية على الاستفادة من شبكاتها الاقتصادية.
٢. الهندسة الديموغرافية الذكية
●إعادة التوازن السكاني في المناطق الحدودية بطريقة تزيد من النفوذ السوداني في فضاء العدو، بدلًا من السماح باستغلالها كخاصرة رخوة.
●دعم المجموعات الإثنية والقبلية التي تتضرر من سياسات الأنظمة المعتدية، ما يعزز تأثير السودان في الداخل الإقليمي.
٣. حرب المعلومات وإعادة توجيه السردية
●ليس كافيًا أن يكون السودان على حق، بل يجب أن يُحسن رواية قضيته عالميًا. يمكن أن تتحول البيانات الاستخباراتية إلى أدوات ضغط دبلوماسي واقتصادي ضد المعتدين.
●فتح قنوات إعلامية تستهدف الرأي العام في الدول المعتدية نفسها، مما يخلق تضاربًا داخليًا في مواقفها الرسمية.
٤. المناورة الدبلوماسية بالتحالفات المتقلبة
●الضغط عبر تحالفات ذكية، تجعل من أي خطوة عدوانية على السودان مغامرة مكلفة.
●التفاعل مع القوى الدولية وفق سياسة “الفرصة مقابل الموقف”، حيث يتم مقايضة النفوذ السوداني بامتيازات استراتيجية تحقق التوازن المطلوب.
ه. الحرب السيبرانية واستهداف الأنظمة الحرجة
●استخدام الحرب السيبرانية لإضعاف الأنظمة المالية والمصرفية للدول المعتدية، مما يجعل تكاليف العدوان عليها أكبر من مكاسبها.
●توظيف التكنولوجيا لتعطيل خطوط الإمداد الحساسة، مما يحدّ من القدرة اللوجستية للعدو دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.

انعكاسات هذه الأدوات على ميزان القوى:
إن توظيف هذه الأدوات غير التقليدية يفرض معادلة جديدة، حيث تتحول المواجهة من صراع مباشر إلى استنزافٍ محسوب للخصوم. تصبح الخرطوم فاعلًا لا يقتصر على الدفاع، بل يُعيد هندسة المشهد الإقليمي وفق مصالحه. فالسودان لا يحتاج إلى تدمير مطارات أنجمينا وأم جرس بقدر ما يحتاج إلى جعلها غير ذات جدوى.

أصل القضية : من الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي
في السياسة كما في الطبيعة، لا ينتصر الأقوى عضليًا، بل الأكثر قدرة على التحكم في بيئة الصراع. إن “الجسر والمورد” ليست مجرد رؤية دبلوماسية، بل هي فلسفة في تحويل الأزمة إلى منصة للتمكين، حيث يصبح السودان مركزًا فاعلًا، لا مجرد طرف في صراع مفروض عليه.
وكما يختار الوشق فرائسه بحكمة، فإن السودان يمتلك الآن فرصة لاختيار نوعية معاركه، وأدواته، وجغرافيته، بل وحتى توقيت انتصاره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى