أصل القضية … السودان العاصفة: هل بدأ تشكّل حلف إقليمي يصفع إسرائيل؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

بين ركام المدن المحترقة في السودان وصوت الرصاص في الخرطوم ودارفور وكردفان، تتشكل ملامح مواجهة ليست محلية فقط، بل إقليمية ودولية. معركة الجيش السوداني ضد مليشيا الدعم السريع ليست مجرد نزاع على السلطة، بل أصبحت – دون تصريح – جزءًا من صراع إستراتيجي أوسع، تتقاطع فيه خطوط النار بين قوى تسعى لتفكيك الدولة السودانية من جهة، و شعوب وجيوش تسعى لصون السيادة من جهة أخرى.
لكن، وسط هذا الصراع، هل نحن أمام بداية لتشكل حلف إقليمي شعبي/سيادي يصفع مشروع إسرائيل لتفكيك المنطقة؟
المعركة في السودان: أكثر من مجرد حرب أهلية
السودان يُقطّع بخناجر إقليمية، أبرزها دعم الإمارات السافر لمليشيا الدعم السريع، في محاولة لتحويل السودان إلى كيان ممزق تديره “الكانتونات”، كنسخة مكررة من النموذج الليبي أو الصومالي. هذه ليست صدفة. إنها هندسة فوضى تخدم مصالح تل أبيب بالدرجة الأولى، و التي ترى أن السودان الموحد، بسيادته و جيشه، هو تهديد طويل الأمد لمشروعها في أفريقيا و البحر الأحمر.
لكن المفاجأة الكبرى، التي لم تحسب لها تل أبيب وحلفاؤها حسابًا، جاءت من الشعب السوداني ذاته. لم يخرج الشعب ليحتمي بجيشه فقط، بل أعلن بصوت واحد: “شعب واحد جيش واحد”.
في لحظة تاريخية نادرة، تماهى الخط الفاصل بين المدني و العسكري، و تحوّل الجيش إلى تعبير عن السيادة، لا مجرد طرف في صراع داخلي.
هذه ليست حالة وطنية فقط؛ إنها تصدٍّ مباشر لمخطط إسرائيلي إماراتي مدعوم دوليًا.
هل تتشكل نواة حلف جديد؟
ما جرى في السودان قد يكون بمثابة “الصدمة الارتدادية” التي كشفت ضعف جبهة التفكيك. فالمقاومة الشعبية والعسكرية لمشروع التقسيم، وتكامل الخطاب الوطني بين الجبهة الداخلية والدولة، يعيد إلى الأذهان نموذج الحلفاء الإقليميين في وجه مشاريع الاحتلال و الهيمنة.
في مصر، الضغط الدولي لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء يواجه غضبًا مكتومًا، بدأ يتصاعد في الأوساط الشعبية و النخبوية. النظام قد يساير الضغوط، لكن الشارع – شأنه شأن السودان – يعي جيدًا أن هذا التهجير هو استيطان مقنّع، و مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.
في الأردن، يرفض الشارع “الوطن البديل” ويقاوم محاولات تمرير صفقة القرن بوجهها الجديد، في الوقت الذي يضبط فيه النظام خطواته بحذر.
في السعودية، يظهر تيار شعبي – و إن كان بصوت منخفض – يزداد حساسيته تجاه أي تطبيع مع إسرائيل، خاصة مع تزايد وتيرة القصف على غزة، و وضوح نوايا التهجير الجماعي للفلسطينيين.
ما يجمع هذه الدول الثلاث بالسودان، رغم اختلاف الأنظمة و السياسات، هو شيء واحد:
وعي شعبي متصاعد، و وجود مؤسسات سيادية (كالجيش السوداني و المصري) ترفض أن تكون جسورًا لمرور المشروع الإسرائيلي الناعم.
إسرائيل: كيف تلقت الصفعة؟
إسرائيل التي كانت تراقب بهدوء تفكك الدولة السودانية، فوجئت بما لم يكن في الحسبان:
جيش يقاتل، و شعب يصمد، وتحالف ضمني بينهما يرفض السقوط في فخ الفوضى.
ليست إسرائيل وحدها من ارتبك. واشنطن نفسها اضطرت لإعادة تموضع خطابها.
لقد كانت تأمل في “تركيع السودان” عبر بوابة حرب أهلية تشعلها أموال الخليج و تغض عنها القوى الكبرى الطرف. لكنها، حتى أبريل 2025، لم تنجح.
أصل القضية: ما بعد السودان؟
إذا كان السودان هو “الاختبار الأول”، فإن صموده هو “السابقة”.
نحن لا نتحدث فقط عن انتصار جيش على مليشيا، بل عن انبعاث محتمل لنموذج جديد من التحالفات الشعبية السيادية.
هذا النموذج لا يعبّر عنه الحكام وحدهم، بل تصوغه إرادة الشعوب، و تدافع عنه جيوش وطنية واعية بمخاطر التفكيك.
نعم، حلف جديد بدأ يتشكل.
قد لا يُعلن في بيانات رسمية.
قد لا يُتوّج باتفاقيات.
لكنه واضح في الميدان:
في كل هتاف شعبي،
في كل طلقة دفاع عن الوطن،
و في كل رفض لتمرير مخطط إسرائيل الكبرى بأدوات عربية.