
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها السودان، تبرز قوى جديدة تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني، مستندة إلى رؤى وأيديولوجيات متباينة. هذه القوى ليست مجرد فاعلين محليين، بل هي جزء من معادلة إقليمية ودولية معقدة، حيث تتشابك المصالح وتتصارع القوى على النفوذ والموارد.
والسؤال الأهم: إلى أين يمضي السودان؟ ومن يمسك بخيوط اللعبة؟
١. هندسة التفكير: بين الطموح والسيطرة
المجموعة التي نحن بصدد تحليلها لا تتحرك بعشوائية، بل تخطط بذكاء لتشكيل واقع جديد، سواء عبر القوة الناعمة أو الصدام المباشر. فهمها للسلطة يقوم على إعادة تعريف النفوذ، ليس فقط عبر السياسة، بل عبر الاقتصاد، الإعلام، والعلاقات الدولية.
تستند طريقة تفكيرها إلى:
• استراتيجية الاستنزاف: إنهاك الدولة وإعادة ترتيب المشهد لصالحها.
• التحالفات المرنة: لا تعادي الجميع، بل تخلق تقاطعات مصلحية تضمن لها البقاء.
• إعادة تعريف الشرعية: استبدال النظم التقليدية بنظم بديلة تضمن الولاء.
٢. الجيوأمن السوداني: هل نحن أمام إعادة ترسيم للحدود الناعمة؟
السودان ليس مجرد دولة، بل بوابة جيوسياسية تربط بين إفريقيا والعالم العربي، وتحتضن موارد تكفي لإشعال الحروب أو تحقيق النهضة. هذه المجموعة تفهم ذلك جيدًا، وتسعى إلى إعادة توجيه البوصلة لصالحها.
لكن السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يشكل وجودها تهديدًا للأمن القومي، أم أنها فرصة لإعادة هيكلة التوازنات؟
• إذا نجحت في فرض أجندتها، فإن السودان سيشهد تحولات جذرية في علاقاته الخارجية وخريطته الاقتصادية.
• إذا واجهت مقاومة شديدة، فقد تتحول إلى عنصر تفكيك داخلي يعمّق الأزمات.
٣. الأمن القومي والمجتمعي: معركة السيطرة على الهوية والموارد
ما تفعله هذه المجموعة لا يقتصر على تحركات سياسية أو عسكرية، بل يمتد إلى إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي، عبر مفاهيم جديدة للولاء والانتماء. إذا تمكنت من زرع خطابها، فإن السودان قد يواجه موجة جديدة من الاستقطاب، حيث يصبح الانتماء للمجموعة أهم من الانتماء للدولة.
الخطر الحقيقي هنا ليس فقط في السيطرة على الحكم، بل في خلق واقع يجعل أي بديل مستحيلاً، مما يؤدي إلى انهيار مفهوم الدولة نفسها.
٤. المجتمع الدولي: بين الاحتواء والاستغلال السؤال المحوري هنا: كيف سيتعامل العالم مع هذا التوجه الجديد؟
• القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا، أوروبا): ستبحث عن مداخل للاستفادة من هذا التغير، سواء عبر الدعم أو الاحتواء.
• الدول الإقليمية (مصر، إثيوبيا، دول الخليج، تركيا) : ستحاول التأثير لتحقيق مكاسب استراتيجية، سواء عبر الشراكة أو العرقلة.
• الشركات متعددة الجنسيات : ستراقب المشهد، بحثًا عن فرص لنهب الموارد تحت غطاء الاستثمار.
٥. إلى أين يمضي السودان؟
السيناريوهات الممكنة
• سيناريو الصعود : إذا تمكنت هذه المجموعة من فرض نفسها، فإن السودان سيدخل مرحلة جديدة من الحكم بسمات غير تقليدية، حيث قد تتحول إلى لاعب رئيسي في المنطقة.
• سيناريو الفوضى : إذا اصطدمت بالمؤسسات التقليدية والمجتمع الدولي، فقد يتحول السودان إلى بؤرة صراع مفتوح، يكون فيها الاقتصاد والمجتمع هما الضحايا الرئيسيون.
• سيناريو الاحتواء : إذا نجحت القوى الوطنية في استيعاب هذا التيار ودمجه ضمن معادلة تضمن استقرار الدولة، فقد يتحول إلى عنصر قوة بدلاً من تهديد.
٦. كيف نواجه القادم؟ رؤية استباقية للحفاظ على السودان
• إعادة بناء الهوية الوطنية بحيث تكون الدولة أقوى من أي تيار أو مجموعة.
• التحالفات الذكية مع الفاعلين الإقليميين والدوليين لحماية المصالح الوطنية.
• تمكين المجتمع المدني والإعلام المستقل لضمان بقاء السودان دولة للجميع، لا حكراً على تيار أو أيديولوجيا.
• بناء مؤسسات أمنية قوية ومرنة تستطيع التكيف مع التغيرات دون أن تتحول إلى أداة بيد أي جهة.
أصل القضية: من يكتب المستقبل؟
السودان اليوم أمام مفترق طرق تاريخي، حيث تتحرك قوى عديدة في الخفاء والعلن لصياغة واقع جديد. لكن السؤال الحاسم: هل نترك الآخرين يكتبون مستقبل السودان، أم نبدأ بكتابته بأيدينا؟
المستقبل ليس مجهولًا، بل تصنعه قرارات اليوم.