مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … الفساد يغذي الفوضى: انهيار الأمن وتفويت فرص السلام .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

تخيّل مدينة بأكملها تسقط تحت رحمة الفوضى، لا أحد آمن، الجميع في حالة ترقب. و لكن خلف هذا المشهد القاتم، هناك عدوٌ خفي، يتسلل بين الجدران بلا صوت، يتغذى على كل فرصة ضائعة، وكل مشروع انهار قبل أن يولد. اسمه الفساد. إنه ليس مجرد عملية سرقة أو اختلاس، بل قوة شيطانية تدفع بالفوضى في كل زاوية، و تنتزع الأمن من جذوره.

الفساد كوحش لا يُقهر: شريك الجريمة في كل حادثة
تخيّل أن كل رصاصة طائشة وكل جريمة تقع، ليس لها سبب إلا ذلك الوحش الذي يغذيها، وهو الفساد. الأمن لم ينهَر بسبب قلة الموارد أو ضعف الكفاءات فقط، بل بسبب الفساد الذي يُحوّل مؤسسات الأمن إلى سوقٍ سوداء، حيث تُباع المعلومات و تُشترى الحماية، و يُترك المواطن أعزلًا في وجه العواصف.
عندما تفر الفوضى في الشوارع، و عندما تنتشر العصابات، فأعلم أن الفساد يهمس خلف الكواليس، يدير المشهد بكفاءة مخيفة. السؤال هنا ليس “لماذا نعيش في هذا الخوف؟”، بل “كيف سمحنا للفساد بأن يأخذ هذا الحيز الهائل من حياتنا؟”. لقد تم تحرير الأراضي، نعم، لكن تحرير العقول ما زال بعيدًا عن متناولنا. المدن المحررة تبدو كأشباح تائهة بلا خطط للإعمار و كأن الفساد ألقى عليها لعنة البقاء في الفوضى.

تغييب الوعي الوطني: الخسارة الحقيقية في حرب الكرامة
في هذا المشهد المروع، يغيب ما هو أهم من الحجر و البناء: الوعي الوطني. هنا يدخل الفساد بكل ذكاء، ليملأ الفراغ. إذا لم يكن هناك وعي، فماذا ينتظرنا؟ أمة بلا وعي هي كجيش بلا قائد، تائهة، مشوشة، وتُقاتل بلا هدف. الفساد يعرف هذه الحقيقة جيدًا، ولهذا يعمل على تعميق هذا الغياب، يغلق المدارس، يقطع أصوات الإعلام الصادق و يترك الشعب غارقًا في ظلام الشائعات.
ما الفائدة من تحرير أرضٍ إذا لم نحرر العقول؟ بينما نحن في هذه الفوضى، الفساد يضحك في الخلفية، يمضي قدمًا في مهمته الشريرة: تحويل الشعب إلى قطع متفرقة، لا تعرف كيف تقاوم و لا تفهم كيف تتحد. الرسالة الحقيقية هنا ليست في بناء الجسور أو تعبيد الطرق، بل في بناء وطن داخل كل فرد منا، وطن لا يستطيع الفساد أن يخترقه.

الإشاعات: ذراع الفساد الأقوى في نشر الفوضى
و في ساحة المعركة تلك، تلعب الإشاعات دورًا لا يقل خطورة عن الرصاص. هي أسلحة الفساد الصامتة، التي تقتل الروح قبل الجسد. ما أسهل أن ينتشر خبر كاذب، و ما أصعب أن نصلح الدمار الذي يسببه! الفساد لا يحتاج إلى الكثير من الوقت ليزرع بذور الشك بيننا، يكفيه خبر ملفق، يكفيه تعليق عابر على وسائل التواصل الاجتماعي. و هكذا، تتحول الكذبة إلى حقيقة و تتحول الأمة إلى قطع متناثرة من الخوف و عدم الثقة.

الحرب على الفساد ليست بالسلاح فقط:
هنا تأتي المفاجأة ، الحرب على الفساد لا تبدأ من مكاتب السلطة، ولا من منصات المحاكم. تبدأ من كل فردٍ منا، من كل عقلٍ قرر أن يرفض الأكاذيب، من كل شخص يؤمن بأن الوطن أكبر من الفوضى، وأن الفساد ليس قدرًا محتومًا.
في هذه الحرب، سلاحنا ليس الرصاص، بل الفهم. الفساد لا يستطيع أن يقاوم مجتمعًا واعيًا، يدرك حقيقته و يعرف كيف يواجهه. المعركة ليست فقط في الشوارع، بل في عقولنا. إذا أردنا بناء المستقبل، علينا أن نبدأ من الداخل. علينا أن نكون جنودًا للوعي نحارب الجهل و الإشاعات بسلاح الحقيقة.

أصل القضية : الأمل يولد من الفوضى
في كل فوضى، هناك فرصة. الفساد يغذي الفوضى، لكنه لا يستطيع أن يغلق الباب أمام الأمل. إذا استعدنا وعينا الوطني، إذا بنينا جسور الثقة بيننا، يمكننا تحويل الفوضى إلى نقطة انطلاق جديدة. الفساد يمكن أن يسقط، لكنه لن يسقط إلا إذا قررنا نحن إسقاطه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى