أصل القضية … المقاومة الشعبية: زئير الأرض ووهج الإعمار .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في سِفر الأوطان، هناك لحظات مفصلية تقرر مصير الشعوب. لحظات تقف فيها الأمة على مفترق طرق، إما أن تنهض كالأسد الجريح، أو تتلاشى في سجلات المنسيين. السودان اليوم يقف عند لحظة كهذه، وها هو يكتب تاريخه بمدادٍ من صمود، وإرادة فولاذية، وعزم لا يُكسر.
في هذه اللحظة، لا تتحرك وحدها القوات المسلحة في ميادين الوغى، بل يقف خلفها، كتفًا بكتف، شعبٌ صقلته المحن، وألهمته الشدائد، فانبثقت منه المقاومة الشعبية كقوة لا تُقهر، ظهيرٌ شعبيٌ يدافع، ويبني، ويحرس التراب بالدم، ويعيد الحياة إلى الأرض التي حاولت العواصف اقتلاعها.
المقاومة الشعبية: حين يصبح الشعب جيشًا:
لم تعد المقاومة الشعبية مجرد فكرة ثانوية تُذكر على الهامش، بل صارت رأس الرمح في ملحمة السودان الجديد. لم تعد تُختزل في بندقية تحرس، بل امتدت إلى معول يبني، وعقل يخطط، ويد تصون، وسواعد تُنهض البلاد من تحت الركام.
إنها الجيش حين يُحيط به الوطن كله، والدرع الذي لا يتصدع، والأساس الذي تبنى عليه الدولة، والدليل القاطع على أن الأمم لا تموت إن حملها شعبها على أكتافه، وإن كانت العواصف أقوى من الجدران، فإنها أضعف من الجذور.
حين تخوض القوات المسلحة معاركها، فهي لا تقاتل وحدها. خلفها، في الأزقة، في القرى، في السهول، في المدن، يقف المقاومون الشعبيون، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، مسلحين بعشق الأرض، متحصنين بيقين النصر، متسلحين بإيمان لا يلين بأن السودان سيظل حرًا شامخًا، رغم كيد الكائدين.
قوة ناعمة بحجم التاريخ:
العالم اليوم لا يُدار فقط بالقوة الصلبة، بل بالقوة الناعمة التي تُعيد تشكيل السياسات، وترسم خرائط المصالح، وتعيد تعريف المعادلات الإقليمية والدولية. والمقاومة الشعبية في السودان ليست مجرد مجموعات تحمل السلاح، بل هي رسالة وطنية عابرة للحدود، تعيد تقديم السودان كقوة فاعلة في محيطه، لا كدولة منكفئة على جراحها.
فحين تنهض المقاومة بإعادة إعمار الطرق، وترميم المشافي، وتشغيل محطات الكهرباء، وردم الفجوات التي خلفتها الحرب، فإنها تبعث برسالة واضحة للعالم: السودان باقٍ… السودان قادرٌ… والسودان ليس ساحة نزاع، بل ساحة نهوض.
هذه الصورة تعيد تشكيل العلاقات الخارجية للسودان، فتخلق تحالفات قائمة على الاحترام، وتفرض واقعًا جديدًا يفرض على العالم أن يعيد حساباته. فالدول لا تُحترم بضعفها، بل بقدرتها على النهوض وسط العواصف، وبإرادتها في صنع مستقبلها بيديها.
المعركة الكبرى: البنية التحتية سلاح المستقبل
إن المعركة الحقيقية لا تقتصر على خطوط القتال، بل تمتد إلى ما بعدها. فكل حرب تُخاض على الأرض، تُحسم في النهاية في ميدان التنمية. والمقاومة الشعبية اليوم لا تُقاتل فقط، بل تبني.
إنها تدرك أن النصر الحقيقي ليس في دحر العدو فقط، بل في أن تنهض الدولة من تحت الركام أسرع مما تستطيع الفوضى إسقاطها.
الطريق الذي يُعاد رصفه اليوم، ليس مجرد طبقات من الإسفلت، بل هو شريان اقتصاد، وطريق عبور نحو الاستقرار.
الجسر الذي يُرمَّم، ليس مجرد كتل خرسانية، بل هو عقدة مواصلات تُوحّد السودان، وتعيد له لحمته الوطنية.
المحطة الكهربائية التي تستعيد نشاطها، ليست مجرد أنوار تُضاء، بل هي بوابة نحو ازدهار اقتصادي واستثماري، يفتح للسودان أبوابًا كانت موصدة لعقود.
إن المقاومة الشعبية تحرر الأرض من العدو، ثم تحررها من الفوضى، ثم تحررها من التبعية، ثم تحررها من الفقر والتخلف. إنها ليست مجرد حالة طارئة، بل هي الفكرة التي يجب أن تصبح نهجًا، والمبدأ الذي يجب أن يتحول إلى ثقافة، ليكون كل سوداني مقاومًا بطريقته، كل في موقعه، وكلٌ بسلاحه، سواء كان سلاحًا يحمي، أو فكرة تُلهم، أو يدًا تعمّر.
أصل القضية : حلمٌ السودان شعاره “سوا بنقدر”
*(بأملنا وبعملنا وبالمحنة السودان يبقى جنة)*، لسنا بحاجة إلى معجزات، فالمعجزات يصنعها البشر حين يؤمنون بأن المستحيل مجرد فكرة واهية. والسودان اليوم ليس في مرحلة البحث عن بطل، فقد أدرك أن البطل هو المجموع… هو الشعب… هو المقاومة الشعبية التي أصبحت أكبر من مجرد تكوين، وأعظم من مجرد مرحلة، وأخلد من أن تكون مجرد حدث عابر في تاريخ السودان.
السودان اليوم لا يطلب عطفًا، ولا ينتظر معونات، ولا ينحني للرياح.
إنه يكتب تاريخه الجديد بدمائه، بسواعده، بأفكاره، بتلاحمه.
إنه لا يقاتل فقط من أجل بقائه، بل ينهض من أجل مجده.
المقاومة الشعبية ليست مجرّد رد فعل على أزمة، بل هي التي تعيد تعريف السودان، لا كدولة ناجية، بل كدولة ناهضة، لا ككيانٍ يتشبث بالحياة، بل كأمة تُعيد تشكيل مستقبلها بإرادةٍ لا تُهزم.