أصل القضية .. حرب الشائعات: كيف تعيد إستراتيجية (الجسر و المورد) بناء الوعي و حماية الحقيقة .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في عالمنا المعاصر، تزداد الحرب الخفية التي تُشن عبر الأثير، حيث تُستخدم الشائعات كأداة لتفكيك المجتمعات و إضعاف الروابط الاجتماعية. خاصة في ظل التحديات التي يواجهها السودان، يصبح الحديث عن “حرب الشائعات” أكثر أهمية من أي وقت مضى. الشائعات ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي قنابل موقوتة تهدف إلى زرع الفتنة و تدمير الثقة بين أفراد المجتمع، و هو ما يجعلنا بحاجة إلى أدوات فعّالة للرد.
لكن كيف يمكن لمجتمع مثل السودان، الذي مر بتجارب مريرة من الحروب و الصراعات، أن يواجه هذه الحرب غير المعلنة؟ الإجابة قد تكون في العودة إلى ما هو أصيل، إلى ما يميزنا كأمة: مواردنا الثقافية. إنها ليست مجرد تاريخ أو تراث نذكره في المناسبات، بل هي القوة الحقيقية التي يجب أن نقف عليها، خاصة في مواجهة محاولات زعزعة استقرارنا الداخلي.
هنا تأتي استراتيجية الجسر و المورد، وهي ليست مجرد فكرة نظرية، بل أداة حيوية يمكن أن تُعيد تشكيل مشهدنا الاجتماعي و السياسي بشكل جاد و مؤثر. تقوم هذه الاستراتيجية على بناء الجسور بين المجتمعات عبر توظيف الموارد الثقافية المشتركة، بحيث تصبح أداة لترسيخ الوعي الجماعي وحماية الحقيقة من التضليل.
كيف يمكن إذًا لهذه الاستراتيجية أن تساهم في التصدي لحرب الشائعات؟
أولاً، من خلال تعزيز الهوية الوطنية وتأكيد أسسها الثقافية التي تجمعنا. عندما نستعيد قوتنا الثقافية، نتمكن من خلق شبكة من الوعي المشترك تحصننا من محاولات تقسيمنا. فمن خلال الحكايات الشعبية، والفلكلور، والفنون، والتقاليد التي تربطنا كمجتمع واحد، يمكننا أن نعيد بناء جسر من الثقة بين أفراد الوطن.
ثانيًا، هذه الاستراتيجية تساعد في تمكين الأفراد من الوصول إلى المعرفة الحقيقية و المعلومات الدقيقة. في الوقت الذي تنتشر فيه الشائعات وتغذيها وسائل التواصل الاجتماعي، تصبح الحاجة إلى تفعيل آليات إعلامية قائمة على الحقيقة ضرورة ملحة. ينبغي أن تُصبح الثقافة أداة للتنقية و التحقق من المعلومات، بحيث نتمكن من فك طلاسم كل محاولة لتشويه الحقائق و توجيه المجتمع نحو الأهداف السامية.
لكن لا يمكن لهذه الإستراتيجية أن تحقق نتائج إيجابية إلا إذا ارتبطت بإرادة شعبية قوية تتعاون في نشر الوعي. فكل فرد في المجتمع، من الأجيال الجديدة إلى كبار السن، عليه دور في بناء هذا الجسر الثقافي. لن يكون هناك استقرار حقيقي ما لم ندرك أن الفتنة تأتي غالبًا من غياب الفهم المشترك. و هنا، تأتي أهمية العمل المشترك بين المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية في توفير مصادر موثوقة وتحقيق تكامل بين الأجيال في نشر الحقيقة.
لا يمكن أن يكون الحديث عن حماية الحقيقة بعيدا عن الفهم العميق لأصل القضية. إذا كانت حرب الشائعات اليوم هي الوجه الجديد للتهديدات التي تواجه السودان، فإن الحل يكمن في العودة إلى جذورنا، إلى ثقافتنا، و إلى قدرتنا على بناء جسر من الثقة و المصداقية بين جميع أطياف المجتمع. نحتاج إلى استراتيجية جادة، مثل الجسر و المورد، لنعيد بناء الوعي، نحصّن أنفسنا ضد التضليل و نعيد للحقائق مكانتها وسط هذا البحر المتلاطم من المعلومات.
أصل القضية يكمن في إدراكنا أن ثقافتنا هي سلاحنا الأقوى في زمن الشائعات، و أنه من خلالها يمكننا بناء السودان الذي نريده، مستقرًا ومتينًا، بعيدًا عن أي محاولات للتهديد أو التفرقة.