أصل القضية … في مهب الأطماع الدولية: لعبة الأمم في السودان و تحديات السيادة وسط التنازع الإقليمي .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

لا يمكن النظر إلى ما يحدث في السودان اليوم دون إدراك أن المشهد مليء بالتحولات المصيرية التي تهدد وحدة البلاد و مستقبلها. التوترات السياسية و الاقتصادية تشتعل، و التدخلات الإقليمية و الدولية تتزايد بشكل يعكس صورة قاتمة عن قادم الأيام. في هذا السياق، تترقب الأنظار إعلان مجموعة (صندل) عن تشكيل حكومة جديدة في غرب السودان بدعم أوروبي و رعاية إماراتية. لكن هذا الإعلان، بدل أن يكون علامة أمل لاستقرار السودان، يحمل في طياته مصالح أجنبية خفية، ما يطرح تساؤلًا حقيقيًا: هل حقًا يتم تشكيل حكومة جديدة لخدمة السودان أم أن هذه خطوة نحو تنفيذ أجندات خارجية؟
لعبة تبادل الأدوار: بين (صندل) و (حمدوك):
ما يثير الدهشة هو الحديث المتكرر عن انقسامات حقيقية بين مجموعة صندل و مجموعة حمدوك. الحقيقة أن هذه الانقسامات هي مجرد واجهة، فهما لا يتصارعان كما يدعي البعض بل يتبادلان الأدوار وفق خطة مسبقة بتوجيه إماراتي، تتلاقى مصالح الطرفين لتحقيق الأهداف الأوروبية و الأمريكية في السودان، ما يهدد استقراره و يحيله إلى ساحة للنفوذ الأجنبي. هنا يبرز السؤال الجوهري: لماذا يصر البعض على أن السودان يجب أن يكون ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى؟ و هل حقًا هناك فرصة لبناء حكومة مستقلة بعيدًا عن هذه المصالح؟
تحركات الجيش السوداني: ما وراء العلاقات مع روسيا و مصر:
و في خضم هذه الفوضى السياسية، تأتي تحركات الجيش السوداني لتدافع عن مصالحه الإستراتيجية. زيارة وزير الخارجية السوداني إلى موسكو كانت خطوة استباقية لحماية السودان من المخططات الخارجية. الاتفاق غير المعلن مع روسيا لإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، مقابل دعم جوي روسي، يمثل جزءًا من التحركات السودانية لحماية أمنها الوطني. و في نفس الوقت، نجد أن مصر، التي تشعر أن مصيرها مرتبط بمصير السودان، تدخل على الخط، داعمةً إجراءات الدفاع الجوي السوداني في خطوة تهدف للحفاظ على استقرار المنطقة.
هل ستكون هذه التحالفات كافية لحماية السودان، أم أن الحل يكمن في بناء قوة داخلية قادرة على مواجهة التحديات؟
السيناريوهات المتوقعة: معركة الفاشر و تحركات الميليشيات:
الأوضاع في الفاشر تبدو مرشحة لمواجهة كبرى، مع استعداد الجيش السوداني لبناء قاعدة جوية جديدة، و ذلك تحسبًا لأي تصعيد عسكري محتمل. و مع وصول الطائرات الروسية، قد يشهد السودان تحولًا في موازين القوى لصالح الجيش. و لكن، لا تقتصر التحديات على الجيش النظامي فقط، فالميليشيات المسلحة التي ما زالت تنشط في مناطق مثل (الدالي و المزموم) تمثل تهديدًا متزايدًا، خصوصًا مع احتمالية تسرب عناصر متمردة من جنوب السودان إلى الشمال.
هل ستتمكن الحكومة السودانية من فرض السيطرة على هذه المناطق، أم سيظل النزاع محتدمًا بين الأطراف المختلفة؟
المعادلة السياسية في السودان: ما بين التقسيم و السيادة:
الباحثة (أماني الطويل) التي تتابع بدقة التطورات في السودان، تحذر من خطورة ما يحدث. فإعلان حكومة في غرب السودان، المدعومة من الخارج، لن يكون إلا بداية لتقسيم البلاد إلى كيانات ضعيفة يسهل السيطرة عليها. و رغم أن هذه الحكومة قد تكون مجرد أداة سياسية في يد القوى الأجنبية، فإن سيطرتها على الأرض ستكون محدودة جدًا ولن تستطيع فرض نفوذها على القوات المحلية مثل الدعم السريع. و لكن تبقى التساؤلات: ما الذي ستحققه هذه الأطراف من تقسيم السودان؟ و هل ستكون هذه التحركات مجرد مرحلة انتقالية نحو بناء دولة سودانية قوية، أم خطوة نحو تقسيم نهائي؟
أصل القضية: الوطنية السودانية في مواجهة الأطماع الدولية
اليوم، يقف السودان على مفترق طرق حاسم، ويجب أن تكون خياراته مدروسة بعناية. الحلول الخارجية لم و لن تكون هي الحل. السودان بحاجة إلى إرادة وطنية قوية، تقف في وجه الأطماع الإقليمية والدولية، و تحافظ على سيادته ووحدته. الحل يجب أن ينبع من الداخل، و من الشعب السوداني الذي يمتلك القدرة على إعادة بناء وطنه.
فكما يقول المثل : “الدافع لهجوم الذئب، انعدام دفاع الخراف!”
السودان يحتاج اليوم إلى وحدة وطنية، لا إلى أداة لتنفيذ مخططات خارجية. فما زال في يده القرار، و على الشعب السوداني أن يحمي بلاده من مصير التفكك و التقسيم. السودان يجب أن يبقى للسودانيين، بلا أيدي خارجية تعبث بمُقدَّراته.