مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … كينيا والمشهد الجيوسياسي: لعبة النفوذ ورعاية حكومة المنفى لمليشيا الدعم السريع في قلب التوازنات الإقليمية .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في خطوة تثير الكثير من التساؤلات، دخلت كينيا مسرح التوازنات الإقليمية والجيوسياسية من باب غير متوقع، عبر رعايتها لمشروع حكومة منفى تقودها مليشيا الدعم السريع. هذه الخطوة، التي تبدو للوهلة الأولى مجرد مناورات سياسية عابرة، تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية عميقة، وتشكل سابقة قد يكون لها تأثيرات طويلة الأمد على السودان وعلى المنطقة بأسرها.
ما يهمنا هنا هو قراءة هذا الحدث من منظور وطني سوداني يُقدّر العلاقات الدولية والمواثيق التي تقوم عليها، والتي من المفترض أن تحترم سيادة الدول واستقرارها. نحن أمام موقف يتطلب منا، كسودانيين، أن نعيد ترتيب أوراقنا في مواجهة ضغوط خارجية تهدد استقرار وطننا، وأن نلجأ إلى قيمنا الوطنية وتراثنا العريق للدفاع عن سيادتنا وحقوقنا.

الرسالة المركزية: السودان في قلب لعبة النفوذ:
إن ما تقوم به كينيا عبر دعم حكومة المنفى لمليشيا الدعم السريع ليس مجرد حدث عابر في سياق العلاقات الإقليمية، بل هو انعكاس لتنافس القوى الكبرى على النفوذ في شرق إفريقيا. كينيا التي لطالما كانت وسيطًا في النزاعات الإقليمية، تجد نفسها اليوم في قلب لعبة خطيرة تخلط بين الأمن والسياسة، بين الشرعية الدولية والمصالح الضيقة.
هنا يتجلى التحدي الأكبر: هل السودان مجرد ساحة لتصفية الحسابات، أم أنه قوة إقليمية قادرة على حماية سيادته من أي تدخل خارجي؟ الإجابة عن هذا السؤال تبدأ من إدراكنا بأن احترام المواثيق الدولية هو ليس فقط حق مكتسب، بل واجب وطني يجب أن ندافع عنه بكل قوة. نحن كسودانيين لدينا تاريخ طويل في احترام العلاقات الدولية والتمسك بالقوانين التي تحكمها، ومن هنا يجب أن نبدأ في تعزيز موقفنا على الساحة الإقليمية والدولية.

الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي: أين صوت الشرعية؟
في هذا المشهد المربك، نجد الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي يقفان في موقف متناقض. فمن جهة، نجد أن الاتحاد الإفريقي، الذي أُسس ليحمي سيادة الدول ووحدة أراضيها، يلتزم صمتًا غريبًا إزاء هذه الخطوة الكينية، التي تشكل اختراقًا واضحًا لمبادئ الاتحاد. ومن جهة أخرى، نجد المجتمع الدولي يتعامل مع هذا الحدث بنوع من التجاهل أو اللامبالاة، وكأن السودان لم يعد جزءًا من النظام الدولي الذي تحكمه قوانين واضحة.
لكن هذا التجاهل ليس مجرد صدفة. إنه مؤشر على أن السودان يجب أن يتعامل بحذر مع هذا الوضع الجديد. علينا أن نرفع صوتنا عاليًا ونطالب الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي باحترام المواثيق الدولية التي تضمن سيادتنا. الصمت هنا ليس خيارًا، بل هو تواطؤ مع المخاطر التي تهدد وطننا.

المواثيق الدولية: حينما تتعرض السيادة للابتزاز:
لطالما كانت المواثيق الدولية هي الدرع الذي يحمي حقوق الدول ويحفظ سيادتها. اليوم، وفي ظل هذا التحول الجيوسياسي، نجد أن هذه المواثيق تتعرض للتآكل تحت وطأة المصالح الإقليمية والدولية. دعم كينيا لحكومة منفى لمليشيا مسلحة ليس مجرد تهديد للسودان، بل هو سابقة تهدد بنسف المبادئ الأساسية التي بنيت عليها العلاقات الدولية.
إن السودان، الذي لطالما التزم بهذه المواثيق، يجد نفسه اليوم أمام معركة للحفاظ على هذه القيم. ليس فقط دفاعًا عن حقوقه كدولة، بل دفاعًا عن النظام الدولي ككل. هذا هو التحدي الحقيقي: أن نحافظ على قيمنا الوطنية ونحمي سيادتنا من أي محاولة لابتزازنا أو التلاعب بنا.

انعكاسات على السودان: أزمة وطنية تهدد النسيج الاجتماعي:
بالنسبة للسودان، فإن هذه الخطوة الكينية تحمل في طياتها تهديدًا عميقًا. إنها ليست مجرد حركة سياسية، بل هي أزمة وطنية تمس جوهر هويتنا وسيادتنا. دعم مليشيا مسلحة تسعى لتكوين حكومة منفى يهدد وحدتنا الوطنية ويزعزع استقرارنا الداخلي.
ولكن في ظل هذه الأزمة، يجب أن نتذكر أن السودان لم يكن يومًا ضعيفًا. نحن أصحاب تاريخ عريق، نمتلك إرثًا ثقافيًا واجتماعيًا قويًا يمكنه أن يكون صمام الأمان في هذه اللحظة الحرجة. القيم الوطنية هي السلاح الأقوى في مواجهة هذه التحديات، ويجب أن نستغل هذه الأزمة لتعزيز وحدتنا، وتوحيد صفوفنا في مواجهة أي محاولة لتمزيق نسيجنا الاجتماعي.

الخروج عن المتوقع: عندما يتحول التحدي إلى فرصة
قد يبدو الوضع معقدًا، وقد يعتقد البعض أن السودان يمر بأزمة يصعب تجاوزها. لكن الرسالة الحقيقية التي يجب أن نفهمها هي أن هذه اللحظة قد تكون فرصة فريدة لتعزيز مكانتنا في المنطقة. قد يكون الدعم الكيني لحكومة منفى خطوة في لعبة النفوذ، لكن بإمكاننا تحويل هذا التحدي إلى فرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا الوطنية.
السودان ليس دولة هامشية في هذه المعادلة، بل هو دولة لها وزنها في المنطقة، ولها من القيم والموارد ما يجعلها قادرة على التصدي لأي تدخل خارجي. في هذه اللحظة الفارقة، يجب أن نستغل الأزمة لبناء استراتيجيات جديدة قائمة على احترام سيادتنا وتعزيز مكانتنا الإقليمية.

أصل القضية: السودان وسيادته في مواجهة التحديات
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد اختبار لكينيا أو الاتحاد الإفريقي، بل هو اختبار لمدى قدرة السودان على الحفاظ على سيادته واستقلاله في ظل ضغوط خارجية تهدد أمنه واستقراره. التحدي الذي نواجهه الآن ليس فقط تحديًا سياسيًا، بل هو تحدٍ وطني يمس كل سوداني.
علينا أن نتحد في مواجهة هذه التحديات، وأن نعيد اكتشاف قوتنا الوطنية وقيمنا العريقة. السودان، الذي لطالما كان نموذجًا في احترام العلاقات الدولية والمواثيق، يجب أن يظل كذلك. هذه ليست مجرد أزمة، بل هي فرصة لنعيد بناء مكانتنا في المنطقة، وأن نظهر للعالم أن السودان دولة تحترم سيادتها وتحمي حقوقها بكل فخر وكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى