أصل القضية .. من التشافي إلى التحالف: مستقبل العلاقات السودانية-المصرية .. بقلم/ محمدأحمد أبوبكر

في زمن يموج بالتحديات الجيوسياسية، تبرز الدبلوماسية الطبية بين السودان ومصر كأداة غير تقليدية تعيد صياغة أبعاد العلاقات الثنائية. في القاهرة، حيث تتكثف الجهود الدبلوماسية، تشكل الدبلوماسية الطبية ركيزة مهمة ، في تعاون يخدم الأبعاد الإنسانية أولًا، ويعزز التحالفات الإقليمية ثانيًا، كل ذلك في إطار “استراتيجية الجسر والمورد” التي تسعى لتحويل الأزمات إلى فرص.
مع تدفق السودانيين إلى مصر هربًا من أزمات الداخل، لم يكن هذا التعاون مجرد استجابة إنسانية، بل تطور إلى مورد استراتيجي سياسي يتيح للسودان ومصر معًا تعزيز نفوذهما في المنطقة. هنا، يبرز التحالف الطبي كقناة دبلوماسية مرنة، تجمع بين الرعاية الصحية والتأثير الجيوسياسي، ما يُعيد تعريف التحالفات وفقًا لمتطلبات جديدة تفرضها الضرورات الأمنية والسياسية.
الدبلوماسية الطبية: وسيلة غير تقليدية لخلق التحالفات
ما يجعل الدبلوماسية الطبية بين البلدين جديرة بالتحليل هو خروجها عن الأطر الدبلوماسية التقليدية. فقد انتقلت من كونها مبادرة إنسانية لتصبح وسيلة فعالة لتعزيز التعاون الاستراتيجي. بينما تستقبل القاهرة الآلاف من السودانيين، تحولت الخدمات الطبية التي تُقدم لهم إلى أداة لربط المصالح السياسية والاقتصادية بين البلدين. بدلاً من انتظار الحلول الدبلوماسية التقليدية، استخدم البلدان الدبلوماسية الطبية كوسيلة لتوطيد التحالفات، ومراكمة رصيد من التعاون في ميادين غير متوقعة.
في هذا السياق، نجد أن السودان يعتمد على مصر ليس فقط كداعم صحي، بل أيضًا كشريك استراتيجي في مشهد إقليمي معقد. فمن خلال هذا التعاون الطبي، يتمكن السودان من تعميق علاقاته مع القاهرة، وهو ما يخدم مصالح البلدين في ظل ما تمر به المنطقة من اضطرابات سياسية وأمنية. هذا التعاون غير التقليدي يجسد بوضوح “استراتيجية الجسر والمورد” التي تدعو لاستغلال الفرص الصغيرة لصياغة تحالفات كبيرة.
الأبعاد الجيوسياسية والجيوأمنية: تحالفات صحية أم سياسية؟
من خلال قراءة متعمقة في هذه الشراكة، يمكن تلمس أبعاد جيوسياسية واضحة. مصر، التي تُعد بوابة الشمال الأفريقي، تدرك أن استقرار السودان جزء لا يتجزأ من استقرارها، خصوصًا في ظل الأزمات الإقليمية. وبالتالي، تبدو القاهرة وكأنها تضع أقدامها على أرض أكثر صلابة من خلال هذا التحالف الطبي. لكن في الواقع، الأمر يتجاوز الصحة ليصل إلى تعزيز الأمن الإقليمي، حيث تستفيد مصر من هذا التعاون لضمان استقرار جارتها الجنوبية وحماية مصالحها الاستراتيجية.
بالنسبة للسودان، الذي يعاني من ضغوط داخلية وخارجية، يجد في مصر حليفًا يمكن الاعتماد عليه لتخفيف أعباء المرحلة الانتقالية. الدبلوماسية الطبية، إذًا، ليست مجرد أداة لتوفير الخدمات الصحية، بل قناة لتمكين السودان من تعزيز موقعه الجيوسياسي. مع تزايد التحديات، تصبح هذه الشراكة أحد الحلول الممكنة لاستعادة توازن السودان وتعزيز دوره الإقليمي، فيما تستفيد مصر من هذا التعاون لتوسيع نفوذها وضمان عدم تدهور الأوضاع في جارتها الجنوبية.
الدبلوماسية الطبية كجسر لخلق الاستقرار: تحويل الأزمات إلى موارد
ما يميز هذه الشراكة السودانية-المصرية هو قدرتها على تحويل الأزمات إلى موارد استراتيجية. فالسودان، في ظل أوضاعه الاقتصادية والسياسية المعقدة، يجد في مصر حليفًا مستعدًا لتقديم الدعم في مجال حيوي كالصحة، وهي خطوة تتجاوز الطابع الإنساني. بل إن هذا التعاون يعكس طموحًا أعمق لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية. الدبلوماسية الطبية هنا ليست مجرد حل مؤقت، بل هي جسر لإرساء دعائم الاستقرار الإقليمي.
في الوقت نفسه، تستفيد مصر من هذه الشراكة ليس فقط عبر تعزيز نفوذها، بل عبر تقديم نفسها كقوة إقليمية تعتمد على أسلوب غير تقليدي في توطيد علاقاتها مع السودان، مستندة إلى مقاربة “الجسر والمورد” التي تقوم على تحويل التحديات إلى أدوات تعاون واستثمار سياسي مستدام. هكذا، يتمكن البلدان من بناء تحالفات تتجاوز المفاهيم التقليدية للدبلوماسية، وتعتمد على الإبداع في استغلال الموارد المشتركة.
الدبلوماسية الطبية والهوية السودانية: أصالة القضية
الدبلوماسية الطبية بين السودان ومصر تمثل مثالًا حيًا على كيفية استثمار الدول في مجالات غير تقليدية لتقوية تحالفاتها الإقليمية، والحفاظ على استقرارها الداخلي والخارجي. هذه الشراكة تعكس الهوية السودانية في السعي لتجاوز التحديات، والتركيز على القيم الوطنية في تعزيز التعاون مع الجيران. مصر، التي تلعب دورًا محوريًا في استقرار السودان، تضع نفسها كشريك استراتيجي، فيما يعتمد السودان على هذا التعاون كجزء من رؤيته لتحقيق الاستقرار الداخلي واستعادة موقعه الإقليمي.
يبقى أصل القضية واضحًا: استغلال الدبلوماسية الطبية كجسر لتعزيز التحالفات، وكمورد استراتيجي لبناء مستقبل أكثر استقرارًا للبلدين. هذا التعاون يعكس رؤية استراتيجية شاملة تنطلق من الاحتياجات الإنسانية لتصل إلى تحقيق مصالح سياسية وأمنية، بما يخدم الطرفين في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة. عبر هذا التحالف، يمكن للسودان ومصر تقديم نموذج فريد في تحويل الأزمات إلى فرص، وفي استخدام الوسائل غير التقليدية لبناء شراكات دائمة ومستدامة.