مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … من الخيانة إلى الصمت: كيف أجهزت (قحت) بنسختيها على حلم السودان عبر وثيقتيها؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في ساحات النضال السوداني، بدأت حكاية حلم جمع الملايين تحت شعار “تسقط بس”. كانت هذه الكلمات تُردد بلهفة كما لو كانت المفتاح السحري لباب الحرية. و لكن، بينما كان الشعب يتطلع إلى النور، كانت الأيادي الخفية تعمل على إغراق السودان في ظلامٍ دامس. و اليوم، و بعد مرور السنوات، نرى كيف تحولت قوى الحرية و التغيير (قحت) من راعية لآمال الشعب إلى مقصلة أجهزت على هذه الآمال عبر وثيقتيها في نسختيها الأولى و الثانية.

حين سقط الحلم مع “تسقط بس”:
رفعت قحت (المركزي) راية “تسقط بس”، و كان الهدف واضحًا؛ الإطاحة بالنظام الذي خنق البلاد لعقود. تسللت الآمال إلى قلوب السودانيين، و تم تصوير لحظة السقوط كميلاد جديد للوطن. لكن، ما إن سقط النظام حتى اكتشفنا أن السقوط الأكبر كان ينتظرنا؛ سقوط السودان في فوضى لا متناهية. الشوارع المليئة بالهتافات تحولت إلى شوارع مليئة بالخوف و الضياع.
لقد افتقدت (قحت) المركزي إلى الخطة. وبدل أن تقود الشعب نحو بر الأمان، قادته إلى هاوية مليئة بالفراغ السياسي و الأزمات الاقتصادية. تمزقت الأحلام تحت وطأة سوء الإدارة، و كأن السودان لم يُسقط النظام بل أسقط نفسه في دوامة لا تنتهي من الأزمات.

“تسكت بس”.. خنجر في ظهر الشعب:
في مرحلة لاحقة، أتت النسخة الثانية من قحت؛ “الكتلة الديمقراطية”، و لكن هذه المرة كان الشعار “تسكت بس”. وكأن الشعار الأول لم يكن كافيًا لإخماد الأمل، فجاء الشعار الثاني ليُحكم القبضة على عنق الشعب. مع “تسكت بس”، لم يتم فقط إسكات صوت الثورة، بل أُسكت حق الشعب في العدل و الحرية.
ما حدث تحت راية “تسكت بس” هو استبدال صوت النضال بالتوافقات السياسية المريبة. هنا تم تغييب الحقيقة الكبرى: أن الثورة لم تكن فقط لإسقاط نظام، بل لإحياء وطن. و لكن بدلاً من ذلك، رأينا تسويات هزيلة و تنازلات مخزية، و النتيجة كانت تخلي قحت عن كل ما قامت من أجله الثورة.

الخروج عن المتوقع – الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد:
و الآن نأتي إلى المفاجأة: الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد. قد يظن الكثيرون أن النهاية قد كُتبت، لكن ما خفي أعظم. الرسالة هنا واضحة: إن السودان يحتاج إلى إعادة تحديد الأولويات. لم تعد اللعبة اليوم حول من يحكم، بل حول كيف يُحكم. الشعب السوداني لم يُخلق ليُقاد بالشعارات الرنانة، بل برؤية وطنية نابعة من مصلحة السودان و أبنائه.
لم تعد المسألة في إسقاط أو إسكات، بل في تمكين الشعب من تقرير مصيره. السودانيون لم يخرجوا للميادين ليعيشوا الخيبة، بل ليبنوا مستقبلهم بيدهم. لقد حان الوقت لرفض الحلول السطحية والرهانات السياسية التي لا ترى أبعد من مكاسب قصيرة الأجل.

السودان الذي نستحقه – بُنيانٌ يقوم على القيم الوطنية
ما نستحقه ليس مجرد تغيير في الوجوه، بل بناء وطن على أسس جديدة. وطن يُدار بالعقل و الحكمة، و ليس بالمؤامرات السياسية. في عمق التراث السوداني، نجد القيم التي يجب أن نعود إليها: الكرامة، الحرية، العدالة. هذه القيم هي التي يمكن أن تبني سودانًا جديدًا، سودانًا لا يعتمد على الشعارات الفارغة بل على خطط عملية لإصلاح جذري.
إن هذا المقال ليس فقط نقدًا لما حدث، بل دعوة إلى التفكير فيما يجب أن يكون. السودان ليس للبيع، و أحلام السودانيين ليست مادة للمساومة. علينا أن نعيد رسم مستقبلنا بأيدينا، بعيدًا عن المؤامرات والنخب التي أسكتت صوت الشعب تحت ذرائع سياسية.

أصل القضية: الحلم لم يمت، لكنه ينتظر من يعيده للحياة
إذا كان هناك شيء واحد يجب أن نأخذه من هذا المقال، فهو أن الحلم لم يمت. نعم، تعثرت المسيرة، و لكن الأمل لا يزال حيًا. السودان لن يبنى بشعارات “تسقط بس” أو “تسكت بس”، بل بإرادة أبناءه الحقيقيين. الإرادة التي لا تستسلم للخيانة أو الصمت، بل تصر على بناء وطن يُعبر عن طموحات شعبه و يُكرم تضحيات شهدائه.
السودان هو ملك الشعب، و مستقبل الشعب لا يُبنى إلا بالشعب و جيشه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى