
🛩️ إشارة القرآن الكريم في قوله تعالى {وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ} كانت مؤشراً بارزاً لما سترتكز عليه معادلات القوة العسكرية مستقبلاً ، وقد ألهم ذلك سيد القادة وقائد السادة عليه الصلاة والسلام ، فحثَّ أمته على الرَّمي قائلاً: (ألا إن القوة الرَّمي ، ألا إن القوة الرَّمي ، ألا إن القوة الرَّمي) ، وقال: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً) ، وتوارث أجدادنا في بلاد الأنبياء قديماً فنون الرَّمي حتى عُرِفوا بين الناس باسم رُماة الحدَق ، وقد هجرت الجيوش في تسليحها كلما عدا الرَّمي ، وباتت منذ قرنين عاكفةً على تطوير قدراتها في الرَّمي ، وما عادت القوة العسكرية تُقاس إلا بالقدرات في الرَّمي ، وكانت القذائف Shells والصواريخ Missiles هي أحدث ما وصلته التكنلوجيا من ابتكارٍ في الرمي حتى جاءت المُسيَّرات Drones فنافست وسبقت ما كان قبلها.
🛩️ كان الأصل أن ترمي عدوَّك قبل أن يصل إليك ، ومنذ زمانٍ مضى تقدَّمت أساليب الرَّمي لأن تضرب عدوك قبل أن يراك ، واليوم بات الأمر بأن ترمي عدوك بمجرد تفكيرك فيه على أنه عدو ، وقبل أن يبدأ في مهاجمتك ، وحتى دون أن يعرف من الذي ضربه وكيف فعل ذلك … والمُسيَّرات اليوم أصبحت برِّية وبحرية (عائمة أو غاطسة) وجوية وفضائية ، وقد أدى دخول المُسيَّرات في الحروب إلى تحييد كثيرٍ من القدرات العسكرية التقليدية الضخمة إزاءها ، فأغلى حاملة طائرات USS Gerald Ford والتي تتجاوز تكلفتها سبعة عشر مليار دولار ، أصبح بالإمكان تحييدها ببضعة مُسيَّرات لا تتجاوز تكلفتها بضعة عشراتٍ من آلاف الدولارات ، وبذلك تغيَّرت موازين القوة في الحروب ، وتبعها في ذلك تغيُّر موازين القوى العالمية ، وانخفضت تكاليف الحروب للمهاجم دون المدافع ، وهو ما جعل جيوشاً متواضعة القدرات المالية تجابه وتفوق في قدراتها القتالية دولاً متخمةً بالمال والعتاد.
🛩️ شهدت الطائرات المقاتلة بدون طيار Unmanned Combat Aerial Vehicles – UCAVs تطوراً مذهلاً خلال العقود الأخيرة ، حيث أصبحت من أبرز الأدوات العسكرية في القرن الحادي والعشرين ، وتعتمد هذه الطائرات على تقنيات الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذاتية لتنفيذ المهام القتالية والإستطلاعية بدقة عالية ، ويرجع تاريخ الطائرات بدون طيار إلى عام ١٩٣٧ حين طورت الولايات المتحدة طائرة N2C-2 ، وتلتها بريطانيا بطائرة تدريبية بدون طيار Queen Bee ، وكانت إسرائيل أول من استخدم الطائرات بدون طيار بشكل واسع في حرب ١٩٧٣ لعمليات الاستطلاع ، وأمريكا هي أول من استخدمت طائرتها Predator قتالياً خلال التسعينيات في حروب البلقان وأفغانستان.
🛩️ تجمع الطائرات المقاتلة بدون طيار بين عدَّة تقنيات متقدمة تشمل:
1️⃣ أنظمة التوجيه الذاتي التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للقيام بمهام بدون تدخلٍ بشري مباشر.
2️⃣ أجهزة استشعار متقدمة تشمل الكاميرات الحرارية والرادارات والمستشعرات الكهروضوئية.
3️⃣ أنظمة اتصال آمنة لنقل البيانات والتحكم بالطائرة عن بُعد.
4️⃣ تقنيات التسلح الذكية مثل الصواريخ الموجهة والقنابل الصغيرة القابلة للتوجيه بدقة.
🛩️ تعتبر أحدث الطائرات بدون طيار في السوق اليوم طائرة بيرقدار TB2 التركية (٥-٦ مليون دولار) والتي تتميز بقدرتها على التحليق لمدة 24 ساعة متواصلة وتحمل أسلحة دقيقة التوجيه ، وطائرة MQ-9 Reaper الأمريكيه (١٦ مليون دولار) وهي قادرة على تنفيذ هجمات دقيقة وتحمل حمولة كبيرة من الأسلحة ، وطائرة Wing Loong 2 الصينية (٢-٣ مليون دولار) المصممة لمهام استطلاعية وقتالية مع تكلفة أقل مقارنةً بنظيراتها التركية والغربية.
🛩️ الطائرات بدون طيار الشبحية Stealth Drone تتمتع بتقنيات متقدمة تُمكِّنها من التخفِّي عن أنظمة الرادار بسبب التصميم المائل والخامات التي تمتص إشارات الرادار ، أما الطائرات بدون طيار الفرط صوتية Hypersonic Speed Drone فهي التي لديها القدرة عل الطيران بسرعات تتجاوز بأضعاف سرعة الصوت (الفرط صوتية) لاعتمادها على تصميم مقاوم للحرارة الناتجة عن الاحتكاك ، إذ تبلغ سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت (5 Mach ماخ) ، ومن أبرز الدرونات الشبحيات طائرة RQ-170 Sentinel الأمريكية ، وطائرة S-70 Okhotnik الروسية ، وطائرة CH-7 الصينية ، ومن أبرز الدرونات الفرط صوتية طائرة X-51 Waverider الأمريكية ، وطائرة Glide Vehicle الانزلاقية.
🛩️ سعر الطائرة الشبحية أو الفرط صوتية يتراوح بين مبلغ ١٠ الى ٥٠ مليون دولار ، وقد يتجاوز سعر الدرون الواحدة مبلغ ١٠٠ مليون دولار ، بينما إنشاء مصنعٍ كاملٍ للمُسيَّرات بمستوى رفيع يُكلِّف حوالي ٥٠ الى ١٠٠ مليون دولار ، وهو بلا شك استثمار مربح جداً ، وعلى درجة عالية من الأهمية الوطنية ، وواجب الدولة في حثّ وتشجيع وتحفيز القطاع الخاص الوطني على الاستثمار في هذا المجال وفق قوانين تحفظ حقوق المستثمرين وسيادة الدولة ومصالحها الوطنية ، ولا شك أن خير أسلوبٍ لذلك هو ابتدار شركة مساهمة عامة يكون لهيئة التصنيع الحربي فيها العدد الأكبر من الأسهم بما لا يقل عن ٤٠% ، على أن يتم طرح بقية الأسهم للاكتتاب العام ، وعلى مثل ذلك يجب أن تقوم هيئة عامة لتطوير البحث العلمي والتكنلوجي في شتى المجالات مشاركةً مع القطاع العام ، فلا يمكن تطوير الدولة دون شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص ، ومن الإعداد السليم لما استطعنا من قوة هو الإبداع في حشد كل الطاقات والإمكانات الوطنية المتاحة والابتكار في فنِّ توظيفها على أفضل وجهٍ ممكن.
🛩️ عصر الجيوش التقليدية قد مضى إلى غير رجعة ، وحروب اليوم رقمية وجينومية وسوبرانية وتكتونية ، وما تفعلة نبضةٌ كهروميغناطيسية قد يفوق تأثير القنبلة النووية ، والسودان بلدٌ شاسع المساحة ودون موانع طبيعيةٍ تحدُّ مع ستُّ دولٍ غير مستقرة ، مع إطلالةٍ على ساحلٍ شاسعٍ يتنافس عليه العالم ، وفوق ذلك فهو يكتظ بثرواتٍ طبيعيةٍ قلَّما اجتمعت في بلدٍ واحد ، ويذخر بتاريخٍ احتوى كل الحضارة الإنسانية لعدة قرون ، ويستحيل حمايته وتأمينه في عالم اليوم بأساليب القرون الوسطى .. وأبرز ما أتاحته الثورة الرقمية والكمومية أن اللاحقين بأدواتها بإمكانهم أن يبزُّوا من قدحوا زنادها ، إذ كلما يستطيع الإنسان تخيُّله بشكلٍ كاملٍ فبالإمكان تحقيقه ، فالخيال هو أفُق الأبتكار والإبداع ، والعِلمٌ والعزمُ هما وسيلة إدراك ذاك الأفق ، ونيلُ الثريَّا منوطٌ بالهِمّة ، وليس السودان بحاجةٍ لتسوُّل الأشقاء أو الأصدقاء ، فما يتم تبديده بالسياسات الخرقاء وسوء الإدارة ناهيك عن الفساد … أكثر من كافٍ لإنشاء مدينةٍ رقميةٍ شاملةٍ يكون في قلبها شتى ضروب البحث العلمي ، والأرض يرثها الصالحون قِيَماً ورؤيةً وفكراً وعِلماً وعَملاً ، والله يحكم لا مُعقِّب لحكمه وهو سريع الحساب.
٤ ديسمبر ٢٠٢٤م