مقالات الرأي
أخر الأخبار

الآثار القانونية علي المصارف جراء الحرب – مستشار قانوني عبد القادر مصطفي الحاج علي

إن المصارف كغيرها من قطاعات الدولة السودانية تأثرت كثيرا جراء الحرب الحالية، و تمثل هذا الضرر في كافة أنشطة المصارف و في هذه الورقة نتناول بعض الآثار القانونية المترتبة علي المصارف أثناء و بعد توقفها و نتناول ذلك إجمالاً في النقاط التالية:
أولاً: الجمعيات العمومية للمصارف
أصحاب الأسهم هم مُلاك المصارف و يتخذون قراراتهم في ادارة المصرف عبر جمعيتهم العمومية التي تنعقد كل عام أو كلما اقتضت الضرورة ذلك، و حيث أن الحرب تُشارف علي نهاية عامها الثاني لا شك أن انعقاد هذه الجمعيات واجهتها كثير من الصعوبات الشئ الذي أدّي الي تعطل كثير من أعمال المصارف، و المعروف أن الجمعيات العمومية للمصارف رغم أنها تُعقد وفقاً لما عليه العمل في قانون الشركات السوداني إلا أنها كذلك تلتزم بموجهات و قرارات بنك السودان المركزي و قرارات الهئية العليا للرقابة علي شركات التأمين و المصارف إعمالاً لنصوص قانون تنظيم العمل المصرفي.
نُجمل الصعوبات التي تواجهها الجمعيات العمومية للمصارف فيما يلي:
– صعوبات الانعقاد و ذلك لتواجد المساهمين خارج السودان أو في مناطق حرب أو في مدن و قري متفرقة بالمناطق الآمنة.
– صعوبات الاتصال و ذلك لانقطاع خدمات الهاتف و الإنترنت عن كثير من الفئات التي أشرنا إليها أعلاه.
– للأسباب أعلاه لم تتمكن كثير من المصارف من إجازة ميزانياتها السنوية لصعوبة إعدادها بواسطة الإدارات التنفيذية، و بالتالي عدم عرضها علي مجالس الإدارات و لا الجمعيات العمومية و لا بنك السوداني المركزي كشرط أساس لاعتمادها بصورة نهائية، و من ثم إيداعها بملف المصرف لدي مسجل عام الشركات و استخراج أورنيك الشركات الخاص بالإيداع السنوي الشئ الذي يجعل المصرف مستوفياً لمطلوبات القوانيين المنظمة لأعماله و بالتالي يتمكن من مواصلة أعماله بصورة قانونية صحيحة.
– بعدم اكتمال ملف المصرف سيتضرر المصرف كثيراً في تعاملاته الداخلية و الخارجية، و إن تفهم الجميع الوضع داخلياً فلا شك أن العالم الخارجي لن يتفهم الوضع و لابد من معالجة ذلك بالتواصل بين مُلاك الأسهم، و مجالس الإدارات، و بنك السودان المركزي و المسجل التجاري العام لإيجاد حل لأعداد هذه الميزانيات و إجازتها و إصدار و تعديل المنشورات التي تنظم عمل إعدادها.
– إن إكمال الإيداعات السنوية للمصارف يجعلها مستوفية للمطلوبات الخارجية، و هي من الشروط الواجبة للتعامل مع المراسلين الخارجيين و جهات التمويل الدولية، و البنك الدولي، و لجنة (بازل) للرقابة المصرفية، و هيئة المحاسبة و المراجعة للمؤسسات المالية (الايوفي) و غيرها من مؤسسات.
– عدم تمكن المصارف من زيادة رؤوس أموالها و ذلك لصعوبة الحصول علي عدد كافٍ من المساهمين في مكان واحد لأخذ مثل هذه القرارات الهامة.

ثانياً: مجالس الإدارات

مجالس الإدارات هي الجهة المنوط بها إدارة المصرف و ذلك بوضع السياسات اللازمة للإدارة التنفيذية، و كذلك إصدار القرارات فيما يليها من مهام بمساعدة لجانه المتخصصه وفقاً للائحة تأسيسه أو بموجب قانون تنظيم العمل المصرفي و المنشورات المنظمة له، و نتيجة لهذه الحرب واجهت مجالس الإدارات صعوبات خاصه بها اضافة لما ذكرناه سابقاً و تمثل ذلك في:

– عدم التمكن من الاجتماعات المباشرة و عند الحاجة لذلك مما صعب فرص اتخاذ قرارات سريعة تواكب تغيرات الموقف في الحرب.

– عدم التأكد من أوضاع المصارف علي الطبيعة مما صعب مهمة اتخاذ قرارات مصيرية لإنقاذ المصرف وفقاً لما عليه الحال.

ثالثاً: الإدارة التنفيذية
الإدراة التنفيذية للبنك وقع عليها العبء الأكبر في تحمل نتائج الحرب و تحملت اتخاذ قرارات مصيرية استجابة للظروف، و تعاملت مع واقع ضرب مقار المصارف و هدمها، و كذلك سرقة الأموال، و توقف المخدمات التي تقدم الخدمة للجمهور،و فقدان كافة مستندات المصرف الشئ الذي أفقد المصارف ذاكرتها اضافة إلي صعوبة الوصول الي مبانيها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و نجمل بعض الصعوبات التي واجهت المصارف فيما يلي:
– كيفية معالجة المخدمات لاستعادة المعلومات و بداية العمل من جديد.
– التعامل مع مطالبات عملاء البنوك بسحب الأموال و التصرف في ودائعهم.
– الاستخدام الأمثل للعنصر البشري من الموظفين و العمال.
– إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أصول و أموال تم الوصول اليها.
– البحث عن مقر جديد لبداية العمل.
كل هذه الأعمال أصبحت تحتاج الي تعامل قانوني و لائحي مختلف عما كان عليه العمل قبل الحرب، حيث جعلت هذه الصعوبات و غيرها مدراء عموم المصارف أمام خيارات و قرارات صعبة بعضها يحتاج إلي تحمل مسئولية شخصية لاتخاذها و تباينت المصارف في اتخاذ مثل هذه القرارات كل مصرف حسب الظروف المتاحة له.
رابعاً: الضمانات المصرفية
تواجه الضمانات المصرفية التي قدمها عملاء المصارف ضمانا لمنحهم عمليات مصرفية بموجبها تواجه عدد من المخاطر القانونية تتمثّل في:
– فقدان تلك الضمانات لقيمتها السوقية مما يجعلها لا تغطي المبالغ المضمونة بهذه الرهونات.
– تلف الضمانات المنقولة جراء الحرب اما عن طريق السرقة أو التدمير أو عدم العناية و الإشراف.
– فقدان العقود الموقعة بين المصرف و عملائه علما بأن هذه العقود هي التي توضح حجم مبالغ الرهن و الجهة المضمونة بهذا الرهن و كذلك بقية الشروط الاخري التي تحكم العلاقة التعاقدية بين المصرف و عملائه .
– انتهاء فترة التأمين لهذه الضمانات بمرور اكثر من عام علي التامين حيث ان غالبية المصارف يكون تأمينها لمدة عام او أقل و لا شك أن الحرب سوف تعطي شركات التأمين الحق بعدم السداد حتي في حاله شهادات التأمين المستمرة.
– فقدان الثقة لدي جهات التمويل الخارجية في الضمانات المصرفية السودانية من حيث قيمة هذه الضمانات و كفاءتها مما يوقف أي تمويل مستقبلي للمصارف أو الشركات السودانية.
خامساً: العلامات التجارية
كثير من المصارف لها علامات تجارية مسجلة و مودعة نماذجها لدي مسجل العلامات التجارية (مثل علامات التطبيقات المصرفية و نماذج الأعمال الاخري) ، و فقدان هذه المستندات سيصعب مهمة الحصول عليها و فقدان السجلات الخاصة بهذه العلامات سينشئ جدلاً قانونياً حال قيام جهات أخري محاولة تسجيل تلك العلامات و هنا لا بد من انشاء ملفات جديدة بالتنسيق مع مسجل العلامات التجارية و براءات الاختراع.
سادساً: التعثّر المصرفي
رغم المعالجات التي اتخذتها المصارف و البنك المركزي حول التعثر وقت الحرب إلا أن هذا التعثر في حالة عدم السداد أو المماطلة فيه سيكون سلوك كثير من عملاء المصارف و تحت ذرائع كثيرة جداً منها علي سبيل المثال فقدانهم للمشاريع التي تم تمويلها سواء كانت مصانع أو معدات أو حتي سلع تجارية للصادر، و الدافع للعملاء في هذا هو فقدهم حقيقة لهذه السلع، و كذلك استغلال البعض لكثير من الثغرات القانونية الخاصة بنظرية الظروف الطارئة و كثير من نصوص قانون المعاملات المدنية التي تنظم العلاقة التعاقدية بين المصارف و العملاء، أضف إلي ذلك أن المصارف فقدت كافة الشيكات المصرفية المقدمة للسداد و كذلك مستندات الضمانات.
إضافة لما أشرنا اليه أعلاه نجد أن هذه الضمانات فقدت أو نقصت قيمتها بحيث أصبحت لا تساوي شيئاً مما يفقد المصارف وسائل الضغط التي كانت تستغلها لاسترداد الديون المتعثرة و إذا ما أصرت المصارف علي استرداد هذه المبالغ فقد يلجأ عملائها الي خيارات قانونية منها علي سبيل:
١/ تصفية الشركات في حال أن التمويل المصرفي ممنوح لشركة و قانون الشركات السوداني مع تشدده في تصفية الشركات، إلا ان الظروف الماثلة لا شك و أنها تساعد في تصفية هذه الشركات و المصارف موعدة بمثل هذه الدعاوي بصورة كبيرة جداً.
٢/ الإفلاس: الإفلاس أيضاً سيكون واحد من الخيارات التي سيلجأ اليها الأفراد أو اسماء الأعمال للحيلولة دون سداد أموال البنوك التي تم التمويل عليها و سيصبح من السهل جدا علي كل شخص أن يثبت إفلاسه بواقع الحرب و المحاكم ستأخذ بمثل هذه الدفوع لأنها أخذت علماً قضائياً بالحرب و تداعياتها.
سابعاً: ملفات المصارف طرف المحاكم و النيابات
إن الضرر الأكبر القانوني الذي وقع علي المصارف هو فقدانها للملفات المفتوحة و المقيدة لدي المحاكم و النيابات الشئ الذي يضعها أمام واقع لا تُحسد عليه، و إن معالجة مثل هذا الوضع لاشك سيكون صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً، و لا بد من تكوين اللجان بالتنسيق مع السلطة القضائية و النائب العام لبحث السبل الكفيلة لمعالجة هذا الوضع.
ثامناً: وضع العاملين بالمصارف
هذا الملف و الخاص بقضايا العمل و العمال لا يختلف باي حال من الاحوال عن المشاكل و الصعوبات التي اشرنا اليها أعلاه ، فكل مصرف عالج مشاكل عامليه بصوره تختلف عن الآخر فمنهم من ان ابقي علي العاملين و منهم من منحهم إجازات دون اجر و بعضها قام بفصلهم هذه الاجراءات لاشك ستولد وضعا قانونيا صعبا و سيفتح الباب امام مئات دعاوي العمل و كذلك دعاوي التعويض و حتي التي المصارف كان وضعها القانوني سليم ستحتاج الي ان تدافع عن نفسها ما يفقدها مالا و جهدا ووقتا هي أحوج ما تكون اليه لبناء نفسها و الانطلاق من جديد .
تاسعاً: ماهي المعالجات
لا بد من إحداث تغييرات كثيرة في عدة مجالات لتلافي آثار الحرب أثناء استمرارها و بعد توقفها باذن الله تعالى، و بعض هذه الجوانب التي لا بد أن يشملها التغيير و التعديل هي:
– جوانب قانونية؛ فلا بد من تعديل عدد من القوانيين مثل قانون الشركات، و قانون المعاملات المدنية، و قانون العمل و قانون تنظيم العمل المصرفي و قانون بيع الأموال المرهونة للمصارف لمعالجة الآثار القانونية علي المصارف اثناء الحرب و بعدها.
– إصدار قوانيين جديدة بإلزامية الأرشفة الإلكترونية و حفظ البيانات و تنويع مصادر التامين لها حيث أن أموال البنوك و الشركات العامة يجب حمايتها لصالح جميع اصحاب المصلحة من مساهمين و مودعين و عاملين و جمهور المتعاملين معها .
– إصدار منشورات جديدة و تعديل بعض منشورات تنظيم العمل المصرفي و المنشورات الداخلية للمصارف لمعالجة أوجه القصور فيها و ايجاد حلول لمشاكل ظهرت نتيجة الحرب.
– البحث عن ضمانات أخري غير الضمانات العقارية، و الضمانات التأمينية و الضمانات الصادرة من شركات التامين.
عاشراً :التوصيات
حاولتُ في هذه الورقة البحث عن المشاكل التي واجهت المصارف اثناء الحرب أو بعد نهايتها، و لا أقول أني قد أحطتُ بكل جوانب الموضوع و لكن جهد المقل ليضيف عليه كل حادب علي مصلحة الوطن من عنده ما يراه مناسباً، و هذه الورقة و صاحبها خاضعة للجرح و التعديل عليها و غايتها في النهاية الإصلاح ما استطاعت، و إن كان ثمة توصيات فيمكن إيجازها فيما يلي:
١/ الجلوس مع مسجل عام الشركات لانعقاد الجمعيات العمومية عبر التقنيات الحديثة، و إيجاد سبل ووسائل لمعالجة نقل الأسهم من شخص لآخر و كذلك معالجة ملفات البنوك طرفه و تسهيل وسائل إكمال الملفات للمصارف.
٢/ تكوين اللجان اللازمة لمتابعة السلطة القضائية و النيابة و ذلك لإيجاد حلول لما فقد من ملفات طرفهم.
٣/ متابعة سوق الخرطوم للأوراق المالية و أسواق المال لوضع الأسس اللازمة لبداية العمل في السوق الأولية، و الثانوية و ذلك بتسهيل مطلوبات رفع رؤوس الأموال و تيسير شروط الاكتتابات الجديدة أو طرح أسهم لمصارف و شركات عامة.
٤/ اضطلاع بنك السودان المركزي بقيادة ورش و تكوين لجان لاستيعاب ما استجد في الحرب من مخاطر قانونية واجهت أو ستواجه المصارف بعد انتهاء الحرب.
٥/ علي اتحاد المصارف دور كبير في حماية مصالح المصارف و هو رأس الرمح في إيجاد الحلول لهذه المخاطر القانونية و غيرها من مخاطر تواجة المصارف.
٦/ علي الإدارات القانونية بالمصارف و مستشاريها تكوين لجانهم و دفوعهم، و عليهم يقع العبء الأكبر لدرء هذه المخاطر و يجب الاستعداد منذ الآن لمقابلة طوفان من الدعاوي القانونية في المجالات المدنية و الجنائية و قضايا العمل و العمال.
٧/ الجهات الحكومية أيضاً يجب عليها تسهيل و تيسير إكمال الاجراءات التي ستُتخذ لإجازة قوانين جديدة أو تعديل قوانين أخري.

مستشار قانوني عبدالقادر مصطفي الحاج علي
مدير الإدارة القانونية/بنك تنمية الصادرات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى