
في موضوع سابق اشرنا الى تطوير الصناعات العسكرية واهميتها ومساهمتها في الدخل الإجمالي وضرورة عسكر الاقتصاد بناءا علي تقديرات اقتصادية تساهم في الاقتصاد كما ان مفهوم الدفاع عن الدولة يشمل الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية. ويبقى مفهوم الحد الكافي للإنفاق موضع جدل في أية دولة ديمقراطية لا تعمل به في تطوير اقتصادها . صنّف آدم سميث (أحد آباء اقتصاد السوق الحر) مهمة الدفاع عن المجتمع بأنها إحدى أهم مهام الدولة، وعدّها مبررًا للضرائب المعقولة. إذ تتصرف الحكومة بالنيابة عن الشعب لتضمن أن القوة العسكرية قادرة على الدفاع عن الدولة.
يشير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI لبيانات مذهلة يمتلكها عن الإنفاق العسكري لكل دولة، وفقًا لأبحاثه، كانت كل من الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والسعودية أكثر خمس دول إنفاقًا عام 2019، إذ أنفقت ما نسبته 60% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
ازداد حجم الإنفاق العسكري الأمريكي في 2019 بنسبة 5.3% ليصل إلى 732 مليار دولار. وزادت الصين حجم إنفاقها العسكري بنسبة 5.1%، والهند بنسبة 6.8% وروسيا 4.5%، وخفضت السعودية إنفاقها العسكري بنسبة 16%. فالصين باعتبارها ثاني أكبر دولة منفقة، شهدت ميزانية الدفاع الصينية زيادة مطردة، مما يعكس نفوذها العالمي المتنامي وجهود التحديث العسكري. وتشير التقديرات إلى أن الإنفاق السنوي يتجاوز 250 مليار دولار. الهند في ظل التحديات الأمنية الإقليمية، كانت ميزانية الدفاع الهندية في ارتفاع، حيث تجاوزت 70 مليار دولار. وكان التركيز على تحديث قواتها المسلحة والاعتماد على الذات في الإنتاج الدفاعي .
أن الإنفاق العسكري المتصاعد والمتعاظم في معظم البلدان، صار يشكل عبئاً يرهق كاهل موازنات الدول، الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وعائقاً للتنمية الإقتصادية في هذه الدول إن تخصيص الموارد المالية للدفاع يشكل جانباً بالغ الأهمية للأمن القومي ويعكس الأولويات الاستراتيجية لأي بلد .
لذاك اختلفت المفاهيم وهنالك مفهوم جديد أطلقه بعض دعاة النظرة الإيجابية، في الولايات المتحدة خصوصا إلى الإنفاق العسكري من حيث تأثيره المحفز للنمو الإقتصادي، نقصد به مفهوم ما يسمَّى (الكينزية العسكرية)والتي تشير ان زيادة الانفاق علي الدفاع يؤدى الى خلق وظائف جديدة وزيادة الطلب في الاقتصاد ويحفز النشاط الاقتصادي بزيادة الإنتاج والدخل .
هنالك تعريفات مختلفة لمفهوم الإنفاق العسكري. يتناوله البعض من منظور ضيِّق حيث يختصره بتلك (الموارد المكرَّسة للدفاع في الموازنة العامة للدولة) ، وبأنه (جزء من الإنفاق العام للدولة، تقوم به من أجل الدفاع عن نفسها في حالة تعرُّضها لخطر خارجي، أو لمواجهة خطر واقع عليها فعلاً، أو لتسخير قوتها العسكرية لتحقيق أهداف توسعية) كما أشار د. طلال محمود كداوي، الإنفاق العسكري الإسرائيلي 1965 – 1990. هذا التعريف لا يأخذ في الحسبان مختلف أوجه الإنفاق المرتبط بالأغراض العسكرية، وإنما يركز فحسب على الإنفاق الوارد في الموازنة العامة للدولة. كما أنه لا يتضمَّن الأنشطة المدنيَّة التي تقع ضمن موازنة الدفاع، كمشاريع الأبنية الأساسية وأعمال الإغاثة. وإذا ما أخذ بهذا المفهوم للإنفاق العسكري فإنه سيكون مضللاً ولا يعبر عن حقيقة هذا الإنفاق، لأنه سيكون في الغالب أدنى مما هو في الواقع، وسيجعل مقارنته مع الإنفاق العسكري في الدول الأخرى غير دقيقة.
في المقابل تري بعض الدول خاصةً التي ما زالت تنمو اقتصاديًا التركيز على الإنفاق العسكري والتخلي عن الإنفاق على أولويات هامة أخرى. تملك كثير من الدول جيشًا قويًا ولكنها لا تملك بنيةً تحتيةً عامةً، مثل المستشفيات والطرق والمدارس. وتعد كوريا الشمالية أهم مثال على ما يفعله التركيز الزائد على الإنفاق العسكري بمقومات حياة عامة الشعب.للحفاظ علي دولة قوية ذات شأن وسط الدول تكمح أطماع الدول الأخرى .
مقارنة بالانفاق العسكري يتطور الاقتصاد العسكري ليساهم فى إنعاش كثير من اقتصاديات الدول وسد الإنفاق العام والمساهمة فى الدخل القومي فالاقتصاد العسكري الإسرائيلي يعد نموذج في انعاش الإنتاج الحربي في مجمل الناتج القومي الإجمالي و الصناعات الحربية الإسرائيلية تسهم إسهاماً كبيراً في توازن الميزان التجاري إذ تزيد الصادرات العسكرية على 25% من قيمة إجمالي الصادرات وتستوعب هذه الصناعات أكثر من 25% من قوة العمل .
ينمو الاقتصاد العسكري في العالم بصورة مستمرة نتيجة للإنتاج الكبير للصناعات التي يتم إنتاجها سنويا من قبل العاملين في هذا القطاع، نظرا لحاجة الجيوش إلى مختلف أنواع العتاد العسكري للقيام بدوره، سواء في مجال الحرب أو السلم. كما أن تركيب وتشغيل هذه المؤسسات الصناعية العسكرية يتطلب تشغيل القوى العاملة والمدربة التي ترتبط أعمالهم بإنتاج الطائرات والمقاتلات والدبابات ومختلف أنواع الأسلحة التي تستخدمها الجيوش في حروبها بدءا من الرصاصة ومرورا بالطائرات وانتهاء بالغواصات والصواريخ العملاقة عبر القارات.وطائرات بدون طيار وغيرها وهذه الصناعات العسكرية هي جزء من منظومة الاقتصاد العسكري الذي يستوعب اليوم آلاف، وملايين، من الطاقة البشرية العاملة في مختلف المجالات .
فالأمن القومي هو الشغل الشاغل لأي دولة ذات سيادة. وهو الأساس الذي تقوم عليه سلامة ورخاء مواطنيها. إن التفاعل بين الأمن القومي والمسؤولية المالية مسألة معقدة ومتعددة الأوجه. يتطلب منا فهماً دقيقاً للفوائد للإنفاق العسكري والتحول الى النظرة الإيجابية لخلق فرص عمل بتوفير وظائف جديدة في مجالات التصنيع والبحث والتطوير والخدمات اللوجستية وتعزيز الابتكار بالاستثمار في التكنولوجيا العسكرية وتطوير تقنيات جديدة تستخدم في مجالات مدنية مثل الاتصالات والرعاية الصحية والمساهمة في إعادة بناء النية التحتية مثل الطرق والجسور مما يعود بالنفع علي الاقتصاد المحلي ويساهم جانب الانفاق العسكري في زيادة الإنتاجية الوطنية من خلال دعم الصناعات المحلية وتعزيز قدراتها ويشجع علي الاستثمار الأجنبي والمحلي الذي يساهم في تعزيز الامن والاستقرار
يجب تخصيص جزء من الميزانية العسكرية للابتكار التكنولوجي الذي يستخدم في القطاعات المدنية والتعاون مع القطاع الخاص بتشجيع الشراكات بين الحكومة والشركات الخاصة لتعزيز الإنتاجية وتطوير المنتجات الجديدة وتوفير برامج تدريبية للجنود السابقين لتحسين مهاراتهم وتمكينهم من الانخراط في سوق العمل المدني ودعم تطوير الصناعات الجديدة المرتبطة بالدفاع مثل تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة . وان نعزز من الصناعات الدفاعية المحلية لنقلل من الاعتماد علي الواردات للوصول الى امتلاك صناعات عسكرية قوية صالحة تصدير الأسلحة والتكنولوجيا التي تزيد في الدخل القومي ، فالجيش السوداني له من التجارب الناجحة وله من الكفاءات والمهارات التى تعزز من الصناعات الدفاعية وتجعلها تساهم في الاقتصاد السوداني.