البحوث والدراسات
أخر الأخبار

التعليم العالي في السودان: تحديات الجامعات في ظل حرب أبريل 2023 .. بقلم/ د.غادة الهادي يوسف أحمد

مع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، وجدت الجامعات السودانية نفسها في مواجهة لحظة حاسمة، حيث كان الطلاب يستعدون للامتحانات في نهاية الفصول الدراسية الفردية. إلا أن الصراع أثّر تأثيرًا مدمرًا على العملية التعليمية؛ توقفت الدراسة، و تضررت البنية التحتية، و اضطر العديد من الطلاب و أعضاء هيئة التدريس إلى النزوح القسري مما أثر سلبًا على استقرار العملية التعليمية. في ظل هذا الظرف الاستثنائي واجهت مؤسسات التعليم العالي في السودان العديد من التحديات التي سنتطرق لها في هذه المساحة مع إعطاء بعض الحلول للمساهمة في وضع خارطة طريق لتجاوز تلك التحديات.

■ التحديات التي واجهت الجامعات السودانية:

بعد أكثر من عام و نصف على اندلاع الحرب، تمكنت بعض الجامعات من استئناف الدراسة، لكنها فقدت عددًا كبيرًا من طلابها الذين التحقوا بجامعات خارج السودان. و من أبرز العوائق التي واجهت الجامعات السودانية:

ضعف التعليم الرقمي: لم تتمكن الجامعات من تبني التعليم عن بُعد بفاعلية مما أدى إلى انقطاع العديد من الطلاب عن الدراسة .

فقدان الموارد المالية: تسبب ارتفاع الرسوم الدراسية، نتيجة الشراكات التي عقدتها الجامعات السودانية مع نظيراتها في الدول المضيفة في زيادة العبء المالي على الطلاب و أولياء امرهم.

ضياع الفرص التعليمية: فقد عدد كبير من الطلاب فرصهم في مواصلة دراستهم الجامعية و أصبحوا عرضة للوقوع في دائرة المجهول.

الاحتيال في المنح الدراسية: استغلال حاجة الطلاب للمنح الدراسية بأسعار ميسّرة، و وقوعهم ضحايا لعمليات النصب والاحتيال من بعض الجهات التي تدعي عملها في مجال تقديم الخدمات التعليمية.

■ غياب دور الجامعات في المصالحة و بناء السلام المجتمعي

كان من الممكن أن تلعب الجامعات دورًا محوريًا في عمليات المصالحة و بناء السلام المجتمعي في ظل كارثة الحرب الدائرة في وطننا اليوم. و ذلك من خلال:

إطلاق مبادرات للحوار المجتمعي: تعزيز التعايش السلمي بين الطلاب من خلفيات مختلفة.

تقديم برامج تدريبية متخصصة: تهيئة الطلاب للانخراط في عمليات إعادة الإعمار و التنمية بعد الحرب.
■ استراتيجيات مقترحة لإنقاذ التعليم العالي في السودان:
على الرغم من التحديات الكبيرة، لا يزال هناك مجال لاتخاذ إجراءات فعالة تساهم في تجاوز الأزمة و إعادة بناء النظام التعليمي على أسس أكثر استدامة، و منها:

1. تعزيز التعليم الرقمي: يمكن الاستعانة بكليات الحاسوب لدراسة حلول تقنية عملية قابلة للتطبيق و تطوير منصات تعليمية مرنة تتيح للطلاب مواصلة تعليمهم عن بُعد.

2. إعادة هيكلة الجامعات: وضع خطط لاستيعاب الطلاب النازحين داخليًا و خارجيًا و الاستفادة من التجارب الدولية في إدارة الجامعات في أوقات الأزمات.
3 . تأمين الدعم المالي: البحث عن تمويل مستدام من المنظمات الدولية و القطاع الخاص لدعم العملية التعليمية و تخفيف الأعباء المالية على الطلاب.
4.تعزيز الشفافية و الرقابة: وضع آليات لحماية الطلاب من عمليات الاحتيال المتعلقة بالمنح الدراسية الوهمية.

5. بناء شراكات استراتيجية: التعاون مع جامعات خارجية لتوفير برامج انتقالية مرنة تسهّل على الطلاب السودانيين مواصلة دراستهم دون تعقيدات بيروقراطية .

6. الاستفادة من المنصات التعليمية المجانيةمثل : Coursera و EdX و FutureLearn لدعم العملية التعليمية وتوفير فرص التعلم عن بُعد للطلاب السودانيين.

7. توظيف منظور إدارة الأزمات و الكوارث: اعتماد خطط طوارئ مرنة، و تدريب الكوادر الأكاديمية و الإدارية على إدارة الأزمات لضمان استمرارية التعليم في حالات الطوارئ. و الاحتفاظ بسجل عن الدروس المستفادة التي مرت بها الجامعات في ظل هذه الحرب لدعم رصيد المعرفة للتعامل مع مثل هذه الازمات مستقبلًا.

■ دور المنصات الرقمية في دعم الجامعات السودانية:

يمكن للجامعات السودانية الاستفادة من المنصات التعليمية الدولية مثل:
.
Coursera) وEdX ) و FutureLearn ) ليس فقط لتوفير المحتوى التعليمي و لكن أيضًا لدعم البنية التحتية الفنية للجامعات. يُمكن عقد شراكات مع هذه المنصات لتوفير برامج تدريبية للأساتذة و الطلاب وتسهيل الوصول إلى المحتوى الأكاديمي العالمي. كما يُمكن استخدام أدوات مثل : Microsoft Teams & Google Classroom لتوفير بيئة تعليمية مكتملة تدعم المحاضرات المباشرة و المسجلة.

خاتمة: هل يمكن إنقاذ الجامعات السودانية؟

إن مستقبل التعليم العالي في السودان يعتمد على مدى قدرة الجامعات على التكيف مع الواقع الجديد والاستفادة من الفرص المتاحة لإعادة بناء نظام تعليمي مستدام ومرن. لا يزال الوقت متاحًا أمام الجامعات السودانية لتبني استراتيجيات مبتكرة تضمن استمرارية التعليم وتخفف من آثار الحرب على الأجيال القادمة. التحدي كبير، لكنه ليس مستحيلًا إذا ما توفرت الإرادة و الرؤية الواضحة للمضي قُدُمًا.

د. غادة الهادي يوسف أحمد
استاذ مساعد / تخصص دراسات الكوارث و التنمية الريفية المستدامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى