مقالات الرأي
أخر الأخبار

الجزيرة أبا .. حرب الميــاه بديلاً عن “لغــة الرصاص” !!

تقرير اخباري: مركز الخبراء العرب
لم يكن أكثر العاملين بدوائر الرصد و التقصي يعتقد أن الحرب التي طال أمدها بالسودان ستكون آثاراها و مضارها الإنسانية متجاوزة لمربع ميدان المعارك بمسارح عملياتها المختلفة إلى مناطق أخرى و بسلاح جديد غير متعارف بمناطق القتال و الاشتباك.

السلاح الجديد الذي دخل في أدوات الحرب هو “سلاح المياه” و إغراق المناطق الآمنة بديلاً عن (لعلعة) الرصاص و طيران المسيرات و قاذفات القنابل، فقد حملت الانباء الواردة من ولاية النيل الابيض و منطقة (الجزيرة أبا) على وجه التحديد و الدقة صرخات أبنائها التي بات الفيضان هو العامل الأكثر تهديداً لحياتهم بسبب إغلاق قوات الدعم السريع لبوابات خزان (جبل أولياء) حتى بات “الهاشتاق “الأشهر بوسائط التواصل الإجتماعي ممثلا في العبارة الصادمة “دعوة للخروج من السودان و البحث عن وطن آخر”.

و نشرت تقارير إعلامية عدد مقدرة من نداءات الاستغاثة طالبت من خلالها بضرورة إدراك الموقف من خطر الغرق الذي تمضي وتيرته متصاعدة يوماً بعد الآخر، سيما بعد أن خلف الوضع الكارثي حوجة عاجلة للتدخل السريع لتلافي المخاطر التي تسبب فيها الفيضان من أمراض الكوليرا و الملاريا و ظهور التماسيح و غيرها من المخاطر.

و أظهرت مقاطع مصورة نشرها ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي خروج نهر النيل الأبيض عن مجراه و اجتياحه أجزاء من مدينة (الجزيرة أبا)، و كتب ناشطون تعليقا على الأمر “الجزيرة أبا تستغيث، و تواجه المدينة خطر الغرق بكميات المياه العائدة جنوباً من خزان جبل أولياء لأول مرة منذ عقود يقف المختصون من مهندسين وفنيين عاجزين عن فعل شيء بعد أن أضافت مليشيا التمرد (قوات الدعم السريع) بوابات الخزان إلى الأعيان المدنية التي تحتلها بوضع اليد.

و في سياق متصل، قام والي ولاية النيل الأبيض، عمر الخليفة عبد الله، بزيارة المناطق المتأثرة بالفيضان في الجزيرة أبا، بما في ذلك منطقة (الجاسر) و الأحياء السكنية و كلية الشريعة و القانون بجامعة الإمام المهدي.  وبحسب وكالة السودان للأنباء اطمأن الوالي على التدخلات التي قامت بها الفرق الهندسية التابعة لوزارة البني التحتية.
و نبهّت أحزاب و قوى سياسية إلى ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ تلك المناطق من خطر الفيضان، حيث أصدرت (هيئة شئون الأنصار) بياناً ممهور بتوقيع الأمين العام (عبدالمحمود أبّو) قال فيه إن مدينة (الجزيرة أبا) تتعرض لكارثة الفيضان بسبب إغلاق قوات الدعم السريع لخزان جبل أولياء مما عرض سكان الجزيرة للخطر.

و ناشد البيان الذي تحصل عليه “مركز الخبراء العرب” الجهات المسئولة و المنظمات الدولية و على رأسها الأمم المتحدة و منظماتها ذات الاختصاص و منظمات العون الإنساني و الخيرين لنجدة (أبا) و إنقاذها من الغرق، و طالب البيان القوات المسيطرة على الخزان بالسماح لمسئولي الريّ والخبراء و الفنيين أن يقوموا بفتح الخزان.

و أفادت المتابعات أنه ومع تدفق المياه، تزايدت أعداد النازحين من المناطق المتضررة، لا سيما من منطقة (الجبلين). في ظل غياب البنية التحتية الصحية، تفشى وباء الكوليرا بسرعة، حيث تجاوزت الحالات المحجوزة في المستشفى (100) حالة مما ينذر بكارثة صحية واسعة النطاق.

و تجاوزت المياه حي “غار الإمام المهدي” و اتجهت نحو حي “الإنقاذ الغربي”، لتغمره بالكامل، بما في ذلك كلية الآداب و مدرسة (السلمابي). كما اقتربت من حي “بني هلبة” تاركة السكان في مواجهة مأساة النزوح و الدمار.

و حملّت قطاعات واسعة من مختلف فئات “الرأي العام “داخل ولاية النيل الأبيض مسؤولية مايحدث في الجزيرة لقوات الدعم السريع التي تعمدت إغلاق منافذ المياه بخزان جبل أولياء، و قالوا أن ما يحدث في الجزيرة أبا يعيد إلى الأذهان مأساة أخرى تتمثل في استخدام العنف ضد المدنيين في دارفور و يبدو أن المياه تقوم بالمهمة التي لم تستطع الأسلحة وحدها تنفيذها.

و حظيت منتديات (الجزيرة أبا) بوسائط التواصل الاجتماعي بحراك مكثف أكد من خلاله المدونون، إن اسم المنطقة الذي يختزن في الذاكرة الوطنية السودانية “رمزية المقاومة و الصمود” منذ أيام الثورة المهدية، تواجه اليوم مأساة مركبة تحمل بين طياتها معاناة إنسانية واجتماعية وسياسية. فالجزيرة أبا التي أبهرت العالم ببطولات أبنائها في وجه الاستعمار، تقف اليوم غارقة تحت مياه النيل الأبيض دون أن تجد من ينقذها أو ينتشلها من براثن كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وكانت قوات الدعم السريع قد اغلقت في وقت سابق خزان جبل أولياء بإحكام، في خطوة تعكس استغلال موارد الطبيعة كأداة في الحرب في الوقت الذي يرى فيه مختصون ان رفض هذه القوات فتح الخزان قد أدى إلى ارتفاع منسوب مياه النيل الأبيض بشكل غير مسبوق، مما أغرق المناطق الواقعة على ضفتيه وان منطقة الجزيرة أبا أصبحت اليوم تغرق من الجهتين، الشرقية والغربية.

وحسب إحصائيات أولية رصدها “مركز الخبراء العرب ” فأن المياه غمرت عدد من الأحياء غرقا كاملا كمنطقة كرش الفيل الزراعية، وألحقت أضرار كبيرة في المشروعين الزراعيين الشرقي والغربي، ووصول المياه إلى أحياء الإنقاذ، زغاوة، الطيارات، الزيادية، وأطراف حي أرض الشفاء، وبعض المدارس التي تأوي الوافدين ” النازحين ” الذين فروا من الموت في مناطق الحرب إلى الجزيرة أبا ويواجهون الآن الموت للمرة الثانية بسبب الفيضان والكوليرا، مما إضطرهم للخروج من مناطق الفيضان بالجزيرة إلى المناطق الآمنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى