
يشهد السودان تحولات متسارعة على المستوى السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي، و قد كان للحرب التي دارت رحاها مؤخرًا تأثيرٌ عظيم بشكل مباشر على كل هذه المستويات في المحيطين المحلي و العالمي …و ذلك بدوره ألقى بظلاله على تشكيل الرأي العام. فالأحداث الجارية الآن سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو واقع الحرب، تسهم في تشكيل وعي المواطن السوداني و توجيه آرائه و اتجاهاته. و قد حدثت في الآونة الاخيرة أحداث مهمة قفزت بها الحكومة السودانية فوق مهابة الحدث و خرقت بها جدار التحدي. من تلك الأحداث تنظيم امتحانات الشهادة السودانية في معظم الولايات الآمنة و بعض الدول الخارجية التي تعيش فيها جالية سودانية معتبرة، و هذا حدث استثنائي تم في ظروف بالغة التعقيد و في ظل تحديات داخلية شائكة و تكالب دولي مباشر معلن أو غير معلن لدعم عدوان ميلشيا الدعم السريع على البلاد. هذا الحدث كان خطوة عظيمة جدا يجب أن تقدم عليها الحكومة السودانية فهي بذلك تحدث عن نفسها من تمكنها من إدارة العملية التعليمية التي تأثرت بالحرب و تأخر تنظيمها مما أدى الي اختلال و تراكم دفعات الطلاب المرشحين لأدائها و هذا ألقى بظلاله على التعليم العالي على كل الصعد، كما أن هذه الخطوة كان لا بد منها لتستعيد الحكومة زمام المبادرة في استقامة العمل الإداري في معظم الوزرات في ظل انتصارات متوالية تحققها القوات المسلحة وهي بذلك تعلن بصورة غير مباشرة أن السودان قد أفاق من صدمة عدوان الميلشيا و أن حكومته قادرة في أداء مهامها.
إن الناظر الي مآلات الواقع الداخلي الآن يرى اجتهاد مكونات قوى الحرية و التغيير ممثلة في مجموعة (تقدم) في تثبيط همة الدولة عن هكذا خطوة لتثبت للعالم عجز الدولة السودانية عن استطاعتها في انفاذ واجباتها الملقاة على عاتقها و قد دارت آلتها الاعلامية في محاولة تعطيل قيام الامتحانات لكنها لم تفلح، و كان لتصميم الحكومة السودانية و ترتيبها لتمام تنظيم امتحانات بهذه الطريقة أثرًا في إقامتها و قد مرت أيامها دون أحداث معيقة تذكر تؤثر علي سلامة الامتحانات و سريتها و سلامة الطلاب على الرغم من هذه الخطوة كانت مخاطرة -في تقديري- أنها حسبت من قبل منظريها بدقة، فإن حدث خلل أمني مثلًا و أصيب أي مركز امتحان و من فيه فإن ذلك كان سيمثل خسارة أرواح و ممتلكات و فقدان لثقة المواطن في الحكومة و القوات المسلحة، و هي خسارة كانت ستؤثر على كل شئ مما ينعكس علي القضية المحورية؛ و هي العدوان الميليشي علي البلاد.
ان هذا الانجاز اثبت بما لايدع مجالاً للشك ان في السودان دولة ممثلة في حكومته تستطيع إدارة شأن مواطنيها..رغم العدوان الذي تدعمه دولٌ يهمها أن يقوض نظام الحكم في السودان، و في ذلك رسالة لكل المجتمع الدولي أن السودان إنما يعاني من تكالب داعمي الميلشيا عليه بدعمهم المتواصل لها. لكن و رغم كل هذه التحديات لا زالت الدولة تقوم بدورها في جوانب متعددة في ظل هذه الظروف بالغة التعقيد.
إن قيام الحكومة السودانية بتنظيم امتحانات الشهادة هو حدث ضخمٌ يحسب لها بحسبان التحديات التي كانت تعيقه …كما أنه حدث عامٌ لو استطاعت الدولة استغلاله إعلاميًا لشكلت رأياً عاماً إيجابياً يدعم الدولة و قواتها المسلحة لتحقيق تمام الانتصار علي الميلشيا. و هنا تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في تقديم هذا الأمر و تناوله بالعرض و التحليل مما يؤثر بشكل كبير في توجهات الرأي العام. و يمكن لوسائل الاعلام إن تستخدم بعض لغة عاطفية متزنة تصطحب فيها فيها هذا الحدث بهدف التأثير على مشاعر السودانيين، و توجيهم للالتفاف حول الدولة ممثلة حكومتها و جيشها مما يؤدي إلى سلامة النسيج الداخلي كله و اتفاقه على هدف واحد. و يرى الكاتب أن لأداء امتحانًا الشهادة السودانية أثر عظيم في تشكيل الرأي العام باعتباره حدثا عاماً له ما بعده و يتمثل ذلك في عدة نقاط منها تغير المواقف السياسية، قد يؤدي هذا الحدث إلى تغير جذري في المواقف السياسية للمواطنين، فهو يبثهم طمأنينة إلى سلامة إمكانية و موقف الحكومة السودانية مما يعزز ثقة المواطن فيها و يسهم في تغيير مواقفه السياسية
ويسهم هذا الحدث في رتق النسيج الاجتماعي بحمايته من الانقسامات الداخلية لأنه ارتبط بقضية لها أهميتها في سلامة آراء الناس، كما أن إنفاذ الحدث يسهم زيادة الوعي عمومًا بما يدور في السودان و يلفت انظار المجتمع إلى تمكن الدولة من إدارة عملية تنظيم الامتحانات في ظل هذه التعقيدات الدولية و المحلية. إن إلقاء الضوء على هذا الإنجاز و عكسه للمواطن يسهم في زيادة اهتمام المواطن بقضية الوطن الآن، و يدفعه الى المشاركة في الحياة السياسية و الاجتماعية.
و خلاصة الأمر أن الأحداث العامة في السودان لها تأثير مباشر على الرأي العام. و تنظيم امتحانات الشهادة السودانية باعتباره حدثًا عامًا هو من العوامل التي تؤثر في تشكيل و توجيه الرأي العام و من المهم أن يكون المواطن السوداني واعياً بهذه الاحداث و تأثيراتها و أن يسعى إلى الحصول على المعلومات من مصادر موثوقة، و أن يشارك في الحوار العام بشكل بناء.