مقالات الرأي
أخر الأخبار

المصالح الإستراتيجية المشتركة بين السودان و جنوب السودان .. بقلم/ زهير عبدالله مساعد

تعتبر العلاقات بين السودان و جنوب السودان أحد أبرز الأمثلة على التعقيد التاريخي و السياسي في منطقة القرن الإفريقي، فمنذ انفصال جنوب السودان عن السودان في عام 2011، مرت العلاقات بين البلدين بتقلبات عديدة تتراوح بين التوترات و النزاعات إلى فرص التعاون و التبادل الدبلوماسي.

تشير العديد من الدراسات إلى أن العلاقات بين البلدين سهلة التُعزيز من خلال تطوير مجالات التعاون المتعددة، بما في ذلك الأمن، التجارة، الطاقة، والثقافة. إن التبادل الدبلوماسي بين الحكومتين هو عنصر أساسي في هذا السياق، يسهم في تعزيز الثقة و بناء جسور من التواصل.

تسعى كل من الخرطوم و جوبا إلى تحقيق استقرار سياسي و اقتصادي، من خلال فهم المصالح المتبادلة و تطوير استراتيجيات التعاون يمكن للسودان و جنوب السودان أن يخطوا خطوات هامة نحو بناء مستقبل مشترك يسوده الأمن و الاستقرار.

أحد أهم المنافع المشتركة هو النفط. جنوب السودان يمتلك احتياطات نفطية كبيرة، لكن معظم خطوط أنابيب النفط تمر عبر السودان. لذا، فإن التعاون في هذا القطاع ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل هو أيضًا مسألة استراتيجية. على سبيل المثال، في السنوات التي تلت الانفصال، كانت هناك أوقات تم فيها استئناف ضخ النفط عبر السودان بعد فترات من التوقف بسبب النزاعات. هذه العمليات لم تعزز فقط العلاقات الاقتصادية، بل ساعدت أيضًا في توفير الإيرادات اللازمة لكلا البلدين. عندما يتعاون البلدان في إدارة هذه الموارد، يمكنهما تقليل التوترات الاقتصادية و تعزيز الاستقرار.

و بالحديث عن التعاون الأمني، فإن كلا الدولتين يعانيان من تهديدات أمنية مشتركة، بما في ذلك الجماعات المسلحة التي قد تنشط على الحدود، لذا فإن التعاون في مسائل الأمن الحدودي يصبح أمرًا حيويًا. على سبيل المثال، تم الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لمراقبة الحدود، مما ساعد في تقليل النزاعات الحدودية و تعزيز الأمان للسكان المحليين.

علاوة على ذلك، فإن التجارة تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز العلاقات بين البلدين. هناك إمكانية كبيرة لتبادل السلع، مثل المنتجات الزراعية والموارد الطبيعية. على سبيل المثال، فالسودان يصدير الحبوب و المنتجات الزراعية إلى جنوب السودان، و المواد الغذائية و السلع الاستهلاكية. هذا التبادل لا يعزز فقط الاقتصادات المحلية، بل يساهم أيضًا في بناء علاقات ثقة بين الشعبين.

في الجانب الثقافي، تعتبر الروابط الاجتماعية والثقافية مهمة أيضًا. هناك تاريخ طويل من التفاعل بين القبائل و الشعوب في كلا البلدين. يمكن أن تسهم الفعاليات الثقافية و الفنية في تعزيز الفهم المتبادل بتنظيم مهرجانات مشتركة وفعاليات ثقافية لتعزيز التواصل.

هناك فرصة كبيرة لتطوير البنية التحتية المشتركة من خلال تطوير مشاريع الطرق والسكك الحديدية على تعزيز حركة البضائع و الأشخاص، يسهل التجارة و التواصل بين البلدين، علي أن تكون هذه المشاريع مدفوعة بالاستثمارات المشتركة و فرصة للقطاع الخاص من كلا البلدين التعاون في تطوير هذه البنية التحتية.

المهددات التي تهدد المصالح المشتركة، مثل التدخلات الخارجية والأطماع الإقليمية، التي قد تسعى لاستغلال النزاعات بين البلدين لصالحها. هذه التدخلات تؤدي إلى تفاقم الخلافات، و يعرقل جهود التعاون ويزيد من التوترات.
تتأثر العلاقات بين السودان وجنوب السودان بعدد من العوامل الخارجية التي قد تشكل تهديدًا على استقرار هذه العلاقات ، تتنوع هذه العوامل بين الأطماع الإقليمية والدولية، والتدخلات السياسية، مما يزيد من تعقيد الوضع القائم نذكر علي سبيل المثال

1. الأطماع الإقليمية
تسعى بعض الدول في المنطقة إلى توسيع نفوذها عبر دعم إحدى الدولتين على حساب الأخرى يدخل السودان وجنوب السودان في صراع بالوكالة، حيث تدعم بعض الدول إحداهما لأغراض استراتيجية خاصة بها. هذا النوع من التدخل يؤدي إلى تفاقم التوترات بين البلدين.

2. التدخلات الدولية
تعتبر قضايا مثل حقوق الإنسان، والنزاعات المسلحة، والموارد الطبيعية محاور اهتمام للعديد من القوى الدولية. تتدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية للسودان وجنوب السودان تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان أو تحقيق السلام، ولكن هذه التدخلات قد تؤدي في بعض الأحيان إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها.

3. التنافس على الموارد
تتعدد الموارد الطبيعية في كلا البلدين، مثل النفط و المعادن. لذا، فإن التنافس على استغلال هذه الموارد يرفع من وتيرة الصراعات بين الدولتين، خاصة إذا كانت هناك تدخلات من دول أخرى تسعى للاستفادة من تلك الموارد.

4. الاستقطاب السياسي
قد تستخدم الأطراف الخارجية استراتيجيات الاستقطاب السياسي لتأجيج الخلافات بين السودان و جنوب السودان، يساعد في تعقيد إمكانية التوصل إلى حلول سلمية، من خلال دعم فصائل معينة أو جماعات مسلحة تتسبب هذه الأطراف في تفاقم الأوضاع و زيادة حدة النزاع.

تدخل المصالح الخارجية و الأطماع في العلاقات بين السودان و جنوب السودان يشكل تهديدًا لاستقرار هذه العلاقة. لذا، فإن تعزيز الوعي المحلي و الدولي حول أهمية التعاون الإقليمي و التفاهم المتبادل قد يسهم في تقليل تأثير هذه التهديدات. يتطلب الأمر جهدًا مشتركًا من كلا الحكومتين و المجتمع الدولي لإيجاد حلول سلمية تدعم الاستقرار و التنمية المستدامة في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى