مقالات الرأي
أخر الأخبار

النزاع في السودان و تأثيره على الأمن القومي و الاقتصاد بدولة جنوب السودان … بقلم/ دكتور محمد حسن فضل الله

النزاع في السودان له تأثير عميق على الأمن القومي و الاقتصاد في دولة جنوب السودان بحكم الروابط الجغرافية والاقتصادية و الاجتماعية بين الدولتين. على الصعيد الأمني، أدى النزاع إلى تدفق اللاجئين إلى جنوب السودان، مما شكل ضغطاً على الموارد المحلية و زاد من التحديات الأمنية، حيث تصاعدت المخاوف من انتشار المجموعات المسلحة أو انتقال النزاعات عبر الحدود. أما اقتصادياً فإن النزاع عطل التجارة الثنائية، و أثر سلباً على قطاع النفط، الذي يعتمد عليه اقتصاد جنوب السودان بشكل كبير، حيث تمر أنابيب النفط عبر السودان لتصدير الإنتاج. هذا التداخل يجعل استقرار السودان أمراً حيوياً لاستقرار جنوب السودان و نموه الاقتصادي. النقاط أعلاه تحول أن تسلط الضوء على أبرز تأثيرات النزاع على جنوب السودان.

أولاً: تأثير النزاع على الأمن القومي بدولة جنوب السودان:
1- النزاع في السودان قد يؤدي إلى تصعيد التوترات حول المناطق الحدودية المتنازع عليها مثل (أبييي).
2- انتشار الصراع قد يدفع الطرفين إلى تعزيز وجودهما العسكري في هذه المناطق مما يزيد احتمالات المواجهات.

3-في جنوب السودان توجد عدة حركات عسكرية أو متمردة، تتباين في قوتها و تأثيرها على المشهد السياسي والعسكري في البلاد. تعود أصول هذه الحركات إلى النزاعات العرقية والصراعات على الموارد والسلطة بعد استقلال جنوب السودان عام (2011).

أبرز هذه الحركات تشمل:
●الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة (SPLA-IO) بقيادة (رياك مشار)، و هي أكبر الحركات المعارضة للحكومة. تأسست عام (2013) بعد اندلاع الحرب الأهلية نتيجة الخلافات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة. و تستند قوتها إلى دعم مجتمعات (النوير).
●الجبهة المتحدة لجنوب السودان (SSUF) بقيادة الجنرال (بول مالونغ) القائد العسكري السابق للجيش الشعبي لتحرير السودان. تأسست بعد إقالته من منصبه في (2017).و تطالب بإصلاحات سياسية و عدالة اجتماعية.
الحركة الوطنية الديمقراطية (NDM) بقيادة (لام أكول) و هو سياسي بارز في جنوب السودان. تأسست بعد انشقاقه عن الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة و حركته تدعو إلى تسوية سياسية شاملة.
●حركة جنوب السودان المتحدة (SSUM) بقيادة الجنرال (بيتر قديت) وهي حركة أصغر حجماً تركز على المصالح الإقليمية و العشائرية.
جبهة الإنقاذ الوطني (NAS) بقيادة الجنرال (توماس سيريلو)، وهو قائد سابق في الجيش الحكومي، تأسست في (2017) و تركز على مقاومة الحكومة بسبب اتهامات بالفساد و انعدام العدالة و تضم مقاتلين من عدة قبائل بما في ذلك (الباريا).
●مجموعة (كوبراتا) المتحالفة، و تشمل تحالفات بين مجموعات عسكرية صغيرة تسعى لتحقيق مكاسب محلية أو عشائرية.
4-في ظل اتهامات الخرطوم بمشاركة مقاتلين من جنوب السودان في صفوف قوات الدعم السريع قد يؤدى ذلك إلى إعادة الصدام المسلح بين هذه الحركات و القوات الحكومية مما يؤدي إلى تفاقم حالات عدم الاستقرار.
انتشار العنف: النزاع في السودان قد يؤدي إلى انتشار الميليشيات والعنف على طول الحدود المشتركة، مما يهدد استقرار جنوب السودان.
5- عدم الاستقرار في السودان قد يضعف التعاون الأمني بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة مثل مكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة.
حكومة جنوب السودان قد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع تداعيات الصراع السوداني داخلياً و إقليمياً مما يشتت جهودها لتحقيق الاستقرار.
6- الصراع في السودان قد يدفع القوى الإقليمية إلى التدخل لتحقيق مصالحها مما يعقد الوضع الأمني في جنوب السودان.

ثانياً: تأثير النزاع على قضية أبيي بين البلدين:

1- النزاع في السودان له تأثير عميق و مباشر على منطقة أبيي التي تُعتبر واحدة من أكثر المناطق حساسية بين السودان و جنوب السودان.
2- من أبرز صور تأثير النزاع تعليق المفاوضات حول وضع أبيي، و توقف أية مفاوضات بشأن الوضع النهائي لمنطقة أبيي مما زاد من حالة الغموض حول مصير المنطقة.
أسهم النزاع فى زيادة التوتر بين المجتمعات المحلية بين قبائل (الدينكا نقوك) المرتبطة بجنوب السودان و قبيلة (المسيرية) ذات الصلة بالسودان و ذات الارتباط المباشر بقوات الدعم السريع، و قد تتفاقم نتيجة لغياب آليات السلام مع تزايد الخوف من أن يتم استغلال المنطقة لتصفية حسابات سياسية أو عسكرية.
3-منطقة أبيي غنية بالنفط، و النزاع في السودان يهدد البنية التحتية النفطية و يؤدي إلى تقليص الإنتاج أو توقفه ما يؤثر على اقتصاد السودان و جنوب السودان معاً.
4- استمرار النزاع يعيق تنفيذ مشاريع التنمية في منطقة أبيي و يزيد من معاناة السكان المحليين الذين يعتمدون بشكل كبير على الموارد الطبيعية و الرعي.
5-تجدد القتال في السودان أدى إلى موجات نزوح جديدة، حيث فرّ العديد من السكان إلى مناطق أكثر أمانًاً، بما في ذلك أبيي، مما زاد الضغط على الموارد المحدودة في المنطقة و ساهم فى تدهور الأوضاع المعيشية و نقص الأمن الغذائي و الخدمات الأساسية كالتعليم و الصحة بسبب تصاعد النزاع و تراجع الاستقرار.
6- احتمال تصاعد العنف المجتمعي وفي ظل ضعف الدولة المركزية الفاعلة في السودان فهناك مخاوف من أن تتزايد النزاعات المحلية في أبيي على المياه و المراعي.
7-قوات حفظ السلام: بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في أبيي (UNISFA) تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على الاستقرار لكنها تواجه تحديات متزايدة في ظل تصاعد النزاع في السودان. فضلاً عن أن النزاع يعيد ترتيب التحالفات الإقليمية مما قد يؤدي إلى تدخلات تزيد من تعقيد وضع أبيي.
عموما الوضع في أبيي يظل مرهوناً بتطورات النزاع في السودان و استعداد الأطراف المعنية للعودة إلى الحوار لتحقيق تسوية شاملة.

ثالثاً: تأثير نزاع السودان على اقتصاد دولة جنوب السودان

1- بالتأكيد أن النزاع في السودان له تأثيرات متعددة على دولة جنوب السودان بسبب الروابط التاريخية القديمة؛ فالبلدان كانا من قبل دولة واحدة و توجد العديد من العلاقات الجغرافية و الاقتصادية و الاجتماعية.
من أكثر تأثيرات النزاع هي التأثيرات الاقتصادية؛ فجنوب السودان يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، و يصدر كل نفطه تقريباً عبر خطوط أنابيب تمر عبر الأراضي السودانية إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. أي اضطراب في السودان يؤثر على هذا الترتيب بشكل مباشر.

2- من التأثيرات كذلك تعطل البنية التحتية لنقل النفط، و من أهمها خطوط الأنابيب التي تمر عبر المناطق المتأثرة بالنزاع فأي هجمات على المنشآت أو خطوط الأنابيب قد تسبب توقف التدفق النفطي.
3- من أبرز التأثيرات كذلك زيادة تكاليف نقل والرسوم على البترول؛ فقد تلجأ الحكومة السودانية إلى زيادة الرسوم على نقل النفط لتعويض خسائرها الناتجة عن النزاع ما يضع ضغوطاً إضافية على اقتصاد جنوب السودان.
3- النزاع يؤدي إلى تفاقم المخاطر الأمنية على العاملين في قطاع النفط و على العمليات اللوجستية، ما يعطل الإنتاج و التصدير، و انخفاض تدفق النفط يؤدي إلى نقص الإيرادات في جنوب السودان مما يضعف قدرة الحكومة على تمويل مشاريعها و خطط التنمية.
4- في ظل استمرار النزاع قد يسعى جنوب السودان إلى بدائل لتصدير النفط، مثل بناء خطوط أنابيب جديدة عبر كينيا أو إثيوبيا لكن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً و استثماراتٍ كبيرة.
5- النزاع يؤدي إلى تعطيل حركة السلع عبر الحدود، مما يتسبب في ارتفاع أسعار المواد الأساسية في جنوب السودان فضلاً عن أن التجارة الحدودية غير الرسمية بين البلدين تضررت بسبب تدهورالأوضاع الأمنية و إغلاق المعابر الحدودية مما يحد من تدفق البضائع و السلع الأساسية مثل الغذاء و الوقود.
6- كثير من الشركات في جنوب السودان تعتمد على السلع السودانية مثل المنتجات الزراعية و المصنعة، مما يؤدي إلى نقص المعروض وارتفاع الأسعار.
7-النزاع أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من السودانيين الذين كانوا يعملون في جنوب السودان مما أثر على التبادل التجاري و الخدمات.
8-النزاع قد يدفع جنوب السودان للبحث عن بدائل لتصدير النفط، مثل إنشاء خطوط أنابيب عبر كينيا أو إثيوبيا، مما يُضعف الروابط الاقتصادية مع السودان. و يؤدى الى تقويض الثقة بين البلدين يؤثر على استثمارات مستقبلية محتملة في البنية التحتية المشتركة.
9- اللاجئون و النازحون: تسبب النزاع في السودان في نزوح مئات الآلاف من الأشخاص إلى جنوب السودان، مما يشكل ضغطاً على الموارد المحلية و الخدمات الأساسية المنهكة أصلاً مثل الغذاء و المياه والصحة. قد يؤدي تدفق اللاجئين إلى توترات محلية أو خطر تسلل عناصر مسلحة.
10- تدهور الأمن الغذائي: النزاع في السودان يعقد جهود توفير المساعدات الإنسانية في المنطقة مما يزيد من حدة الجوع و سوء التغذية في جنوب السودان.

خاتمة
لا شك أن النزاع في السودان يُعدّ من أبرز التحديات التي تواجه أمن و استقرار المنطقة بأسرها، فقد أثرت تداعياته بشكل عميق على جنوب السودان سواء على الصعيد الأمني من خلال انتشار النزوح العابر للحدود و تهديد تصاعد الأنشطة الإجرامية و الإرهابية، أو على الصعيد الاقتصادي عبر تعطيل التبادل التجاري و تفاقم الأعباء المالية لتلبية احتياجات اللاجئين. كما انعكست الأزمة على استقراره نتيجة للتوترات الاجتماعية والسياسية التي قد تُولدها تدفقات اللاجئين و تراجع فرص التنمية.
في ضوء هذه المعطيات، يصبح التعاون الإقليمي والدولي ضرورة مُلحّة لمعالجة جذور النزاع و ضمان التخفيف من تداعياته. و هذا يشمل تعزيز الجهود الدبلوماسية لدعم عملية السلام في السودان، و توفير الدعم الإنساني، و العمل على صياغة استراتيجيات تنموية مستدامة تُقلل من تأثيرات النزاع على أمن واقتصاد المنطقة. التحدي كبير لكنه ليس مستحيلاً إذا توحدت الإرادة السياسية و تم توجيه الموارد نحو السلام و التنمية المشتركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى