مقالات الرأي
أخر الأخبار

تأثير النزاع فى السودان على الأمن القومي المصرى .. بقلم/ لواء(م) د. سعد حسن فضل الله

النزاع في السودان يؤثر بشكل كبير على الأمن القومي المصري، نظراً للعوامل الجغرافية، و التاريخية، و الاقتصادية و السياسية التي تربط البلدين. و من أبرز التأثيرات:

١. تدهور الأمن الحدودي:

فاضطراب الأمن في السودان يجعل من منطقة الحدود منطقة هشة متوقع أن ينفتح المجال فيها المجال لنشاط جماعات مسلحة أو إرهابية يمكن أن تستخدم الحدود المصرية السودانية كنقطة عبور أو تمركز، لا سيما و أن مناطق سيناء في مصر تعد ذات أهمية استراتيجية كبرى، و سبق ان واجهت نشاطاً إرهابياً متزايداً في العقد الأخير خاصة بعد عام (2011) على يد الفرع المحلي لتنظيم “داعش”، و تعد من أبرز الجماعات الإرهابية في المنطقة التى تبنت عدداً من العمليات الكبرى ضد القوات الأمنية و المدنيين… هذا بالإضافة إلى جماعات أخرى مثل (أنصار بيت المقدس) التى كانت من الجماعات البارزة قبل انضمامها لتنظيم “داعش”. و سبق لهذه المجموعات استهداف القوات المسلحة و الشرطة من خلال هجمات على الدوريات العسكرية و مراكز الشرطة و تنفيذ تفجيرات انتحارية استهدفت منشآت عسكرية ومدنية.ومهاجمة البنية التحتية مثل خطوط الغاز و الطرق الرئيسية و اختطاف المدنيين خاصة من سكان سيناء أو العمال الذين ينفذون مشاريع تنموية.
و عادة ما يتزايد النشاط الإرهابي في سيناء بسبب الموقع الجغرافي، فسيناء تقع على الحدود مع إسرائيل و قطاع غزة ما يجعلها ممراً استراتيجياً و صعب المراقبة بسبب الطبيعة الصحراوية التى توفر بيئة مناسبة للاختباء و تنفيذ الهجمات.

و رغم الجهود الأمنية التي شنتها القوات المسلحة المصرية أبرزها العملية الشاملة “سيناء 2018″، إلا أن حالة الفراغ الأمني في الحدود بسبب النزاع لا سيما في المناطق التى تمتد من عمق دارفور و عبر (وداي الملك) و (المقدم) في الصحراء يمكن أن تمثل دافعاً مُغرياً للجماعات الإرهابية العابرة للحدود للدخول إلى مصر من جديد.

2/ تدفق اللاجئين و المهاجرين:
النزاعات أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان نحو الدول مصر، حيث تُقدر أعداد السودانين الذين لجئوا إلى مصر منذ بداية الحرب بعدد (570.000) لاجيء، و هذا يشكل ضغطاً على الموارد المحلية و البنية التحتية في المناطق الحدودية، و يزيد من مخاطر تسلل العناصر الإجرامية أو المتطرفة وسط المهاجرين.
من جانب ثاني ظلت مصر واحدة من مناطق الاتجار بالبشر و الهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا،و تعد ظاهرة مقلقة إذ تعتبر مصر واحدة من نقط العبور الي أوربا عبر العديد من الوسائل والاساليب منها:
●الهجرة البحرية عبر القوارب الصغيرة و قوارب الصيد القوارب المطاطية المكتظة، التى تنطلق عادة من الساحل الشمالي لمصر، خاصة من محافظات مثل كفر الشيخ و البحيرة و دمياط إلى الوجهات الرئيسية: إيطاليا، اليونان و مالطا.
● و منها النقل عبر السفن الكبيرة حيث يتم تجميع المهاجرين في نقاط سرية، ثم نقلهم إلى سفن شحن كبيرة قبالة الساحل.
●و منها الطرق البرية و الجوية حيث يتم الانتقال إلى دول جوار أوروبا عن طريق السفر بشكل قانوني إلى دول شمال إفريقيا (مثل ليبيا و تونس) عبر تأشيرات سياحية أو عمل، ثم التسلل إلى أوروبا عبر البحر أو عبر التأشيرات المزورة و استخدام الجوازات للمزورة أو الأوراق رسمية للحصول على تأشيرات مؤقتة و من ثم البقاء في أوروبا بشكل غير قانوني.
و تنشط في مصر في العادة شبكات محترفة تعمل على تنظيم الهجرة غير الشرعية، بدءاً من تجميع المهاجرين، و تأمين انتقالهم إلى الساحل و تنسيق العبور. وتتراوح تكلفة الهجرة بين 30,000 و70,000 جنيه مصري أو أكثر، اعتمادًا على الوسيلة و المخاطر.

3/ تهريب الأسلحة و المخدرات و الأنشطة الممنوعة دولياً:
تاريخياً ظلت منطقة الحدود بين السودان و مصر ممراً لتهريب الأسلحة و المخدرات من السودان إلى مصر عبر عدة طرق و وسائل تستغل الطبيعة الجغرافية للمنطقة و التوترات الأمنية و ضعف السيطرة الحدودية.
و يتم التهريب عادة بإنزال الأسلحة و المخدرات في ساحل البحر الأحمر بالسودان و النقل إلى مصر عبر الطرق البرية، و المسالك الصحراوية الوعرة، و عبر الحدود البرية الطويلة بين مصر والسودان خاصة في المناطق الصحراوية مثل صحراء النوبة فضلاً عن الطرق التقليدية للمهربين عبر شاحنات البضائع النقاط الجمركية الضعيفة أو الفاسدة تُسهل مرور هذه الشحنات.

4/ تحديات التعاون الأمني:

فغياب حكومة مركزية مستقرة في السودان يجعل من الصعب على مصر التنسيق مع السودان بشأن قضايا أمن الحدود مثل تبادل المعلومات الاستخبارية أو تنفيذ عمليات مشتركة لمكافحة الجريمة.

5 /الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية:

في مجال التجارة والاستثمارات: السودان يُعد شريكاً تجارياً مهماً لمصر، و النزاع يؤثر على حركة التجارة البينية، و الاستثمارات المصرية في السودان، بما في ذلك الزراعة و الصناعات و في مجال الأمن الغذائي فإن مصر تعتمد على استيراد اللحوم و بعض المنتجات الزراعية من السودان و اضطراب الأوضاع هناك يهدد الإمدادات.
عموما الواردات السودانية إلى مصر تأثرت بشكل ملحوظ بعد اندلاع الحرب في أبريل ()2023. علماً أن أهم السلع التي كانت تُصدرها السودان إلى مصر تشمل المواشي، الإبل، الفول السوداني، الصمغ العربي و المنتجات الزراعية الأخرى. إلا أن النزاع بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع أدى إلى تعطيل الإنتاج و النقل في العديد من المناطق و خاصة في دارفور و كردفان. بالإضافة إلى ذلك، فرضت قوات الدعم السريع حظراً على تصدير بعض السلع إلى مصر من مناطق سيطرتها مما زاد من تعقيد التجارة بين البلدين. و على الرغم من هذه التحديات، ما زالت مصر تعتمد على السودان كمصدر لبعض السلع الاستراتيجية مثل اللحوم حيث تغطي السودان ما يقرب من (10%) من احتياجات مصر من اللحوم.

6/ التأثير على مياه النيل:
دونما شك النزاع في السودان له تأثير كبير على الأمن المائي لمصر بالنظر إلى الارتباط الوثيق بين البلدين في نظام نهر النيل. يمكن تحليل هذا التأثير من عدة زوايا منها:
●التدفق المائي و مخاطر الانقطاع فالسودان يعد دولة مرور أساسية لتدفق مياه النيل إلى مصر. و استمرار النزاع قد يؤدي إلى تعطل عمليات إدارة المياه بسبب تضرر البنية التحتية للسدود و القنوات مثل خزان جبل أولياء و سد الروصيرص و خزان سنار، و في حالة امتداد النزاع شمالاً يبقي سد مروي هو الآخر ليس بعيداً عن دائرة التأثير فضلاً عن التهديد المحتمل على السد العالي الذى يعتبر شريان الحياة لمصر.
●النزاع قد يؤدي إلى عجز السودان عن التنسيق مع مصر بشأن تشغيل السدود المشتركة مما قد يؤثر على كميات المياه الواردة إلى مصر.

●مع تفاقم النزاع قد تتأخر مشروعات السودان المتعلقة بالري و السدود، مما يعزز فرص دول المنبع الأخرى (مثل إثيوبيا) للاستفادة بشكل أكبر من مياه النيل دون رقيب و هو ما يشكل تحدياً  إضافياً لمصر.

●تلوث المياه و انعدام الأمن الغذائي؛ فالنزاعات العسكرية قد تؤدي إلى تلوث المياه في المناطق المحيطة بالنيل مما يهدد بجعل المياه غير صالحة للاستخدام البشري أو الزراعي.

●مع تراجع الإنتاج الزراعي في السودان نتيجة للنزاع قد تضطر مصر إلى تعويض هذا النقص بالاعتماد على مواردها المائية بشكل أكبر لتلبية الاحتياجات الغذائية.

●تراجع العمل الإقليمي و الدولي المشترك: فالنزاع يقلل من فاعلية المبادرات الإقليمية للتعاون في إدارة موارد النيل، مثل مبادرة حوض النيل مما يؤثر ذلك على قدرة مصر والسودان على تقديم جبهة موحدة في مواجهة التحديات المائية المشتركة.

●النزاع في السودان يلقي بظلاله الثقيلة على التنسيق المشترك بين السودان و مصر بشأن قضية سد النهضة، و ذلك على عدة مستويات سياسية و أمنية، منها التأثير على العلاقات السياسية و منها ضعف التواصل الرسمي، فالنزاع الداخلي في السودان يعطّل مؤسسات الدولة و يضعف قدرة الخرطوم على اتخاذ قرارات استراتيجية أو المشاركة بفعالية في مفاوضات سد النهضة. و قد يؤدي إلى تراجع الأولويات. فالسودان المثقل بالصراع الداخلي قد يضع أزمة سد النهضة في مرتبة أقل أهمية مقارنة بالقضايا الداخلية مما يحدّ من جهوده المشتركة مع مصر. و منها تعقيد التحالفات؛ فالنزاع يفتح المجال لتغيرات في التحالفات الإقليمية، حيث قد تجد مصر نفسها وحيدة أو مضطرة للتعامل مع أطراف متعددة داخل السودان و منها التأثير على التعاون الأمني، فغياب الموقف الموحد قد يعطّل السودان عن دعم موقف مصر في مواجهة إثيوبيا ما يضعف جهود الضغط الإقليمي لتحقيق اتفاق عادل بشأن السد.
●و بلا شك فإن النزاع في السودان يقلل من قدرة السودان على تمثيل نفسه بفعالية في المحافل الإقليمية و الدولية، ما يترك مصر أمام تحديات أكبر للتفاوض مع إثيوبيا والتى قد تستفيد من الانشغال السوداني بصراعاته الداخلية، لتسرّع في تنفيذ خططها الخاصة بسد النهضة دون التزام قوي بمطالب السودان أو مصر.

● من جانب اخر فإن النزاع في السودان لا يضر فقط بقدرته على التنسيق مع مصر بشأن سد النهضة، بل يزيد من تعقيد الأزمة الإقليمية مما يضع مصر في موقف أصعب في مواجهة دول حوض النيل التي تدعم اتفاقية عنتيبي. فالنزاع يوفر فرصة لدول أخرى ،مثل إثيوبيا و أوغندا، لتعزيز تحالفاتها داخل حوض النيل، في ظل غياب السودان عن الساحة الإقليمية. وفي هذا الصدد فإن اتفاقية عنتبي الأخيرة قد تدخل إلى حيز النفاذ ويتم تشكيل المفوضية المقترحة في الاتفاقية لإعادة تقسيم مياه النيل و الموافقة على المشروعات الجديدة مما يؤثر و بشكل حاد على موقف مصر الرافض أصلاً للاتفاقية.

7/التأثير على الدور الإقليمي و الدولي:
فالسودان يلعب دوراً حيوياً في تحقيق الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، و في حالة انهيار الدولة السودانية يفتح المجال لتدخلات خارجية تؤثر على الأمن الإقليمي و المصري، مع التأكيد بأن وجود قوى إقليمية و دولية تسعى لاستغلال النزاع السوداني قد يشكل تهديداً مباشراً لمصر خاصة إذا استخدمت هذه القوى السودان كقاعدة لتحقيق أجنداتها في المنطقة.

ختاماً: النزاع في السودان يشكل تحديات خطيرة لمصر لكنه يمكن أن يمثل فرصة للدبلوماسية المصرية لتأكيد دورها الإقليمي. الاستقرار في السودان هو مصلحة مباشرة لمصر مما يدعو إلى استراتيجيات متوازنة تجمع بين التدخل الإنساني و السياسي.

لواء(م) د. سعد حسن فضل الله …استاذ العلاقات الدولية بأكاديمية الأمن العليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى