الصحيفة الإلكترونيةمقالات الرأي

حوادث تاريخية في دار جعل

حوادث تاريخية في دار جعل

بقلم : شيخ البلد عوض الكريم عبد الله

كانت مصر ولاية عثمانية يعين واليها السلطان العثماني، جاء محمد علي الألباني إليها وكانت في حالة اضطرابات، استطاع بدهائه أن يكون والياً عليها تابعاً للدولة العثمانية، رويداً رويداً استقل من العثمانيين فعلياً ويتبع لهم اسمياً علي أن يدفع لهم كل عام شيئاً من الأموال متفقاً.
نال محمد علي رتبة الباشاوية بعد أن صار خديوي مصر.
كان رجلاً داهية، واسع الطموح، فكر أن يبني امبراطورية له ولابنائه من بعده، ورأي أنه لا سبيل لها إلا بالمال والرجال، وهذان يتوفران في بلاد السودان، وأن رجاله عُرفوا بالشجاعة والصبر والكفاءة القتالية وأرضه عُرفت بالذهب والمعادن الأخري والحيوانات.
كانت بلاد السودان حينذاك عبارة عن ممالك وسلطنات تسودها الحروبات والنزاعات أكبرها سلطنة سنار التي كانت في أضعف حالاتها بسبب ما ذكرنا.
أما مملكة الجعليين فلم تكن أفضل حالاً من سنار فبعد حروب طويلة ومهلكة قُسمت المملكة الي قسمين شرق وغرب .
كان علي الشرق المك نمر وعاصمته شندي ،وعلي الغرب المك مساعد وعاصمته المتمة.
التقي بعض زعماء السودان بالخديوي محمد علي باشا وشجعوه علي غزو السودان، وصادف هذا رغبته في الأمر. كان قصد هؤلاء الزعماء الانتقام من خصومهم في السلطة وأن تؤول لهم هم .
أرسل محمدعلي باشا بعثة تحمل الهدايا لسلطان سنار، ظاهرها تمتين العلاقات وباطنها التجسس ومعرفة أحوال البلد الذي يريد أن يغزوه.
عادت البعثة واطّلع الباشا علي تقاريرها فلم يلبث أن عزم علي غزو بلاد السودان.

أعـدّ الباشا الكبير جيشين لتحقيق مآربه وأهدافه في السودان، الأول بقيادة ابنه اسماعيل باشا وعليه أن يسلك طريق النيل الي سناروالثاني بقيادة صهره محمد بك الدفتردار وعليه أن يسلك طريق الصحراء الي كردفان.
أوردت المصادر التاريخية أن جيش اسماعيل باشا يتكون من (٤٥٠٠) مقاتل مدججين بالأسلحة النارية وبعض المدافع والقوارب النيلية.
غادرالجيش مصر في سنة (١٩٢٠ م) وسار في طريقه المرسوم آمناً مطمئناً إلي أن أطلّ علي ديار(الشايقية).
كان الشايقية في حروب ومنازعات بين مكوكهم، وما إن أحسّوا بالخطر الدّاهم حتى اضطروا للاتحاد لمواجهته .
واجه (الشايقية) الجيش الغازي بشجاعة فائقة في عدة معارك حسمت ب(كورتي)، وكانت الكلمة الأخيرة للسلاح الناري ضد السلاح الأبيض، بعدها استسلم الشايقية للباشا وعقد مهم اتفاقاّ بموجبه انضموا للجيش وتحالفوا معه.
ثم تحرك الجيش هادئاً الي أن وصل بربر واستسلم (الرباطاب) و (الميرفاب).
أقـام إسماعيل باشا بجيشه في بربر وبعث لكل (المكوك) والشيوخ للحضور لمبايعته .
كان في جملة الحضور مك الميرفاب نصر الدين والشيخ بشير ود عقيد من زعماء الجعليين، ذكرت المصادر أنّهما كانا في خلافٍ شديدٍ مع المك نمر فما كان منهما إلا و أن أوغرا صدر الباشا تجاه المك نمر و أوعزا إليه أنه لن يُطيع ولن يسلّم ولعل هذا كان الشرارة الأولي للحادث الآتي.
وصلت رسائل الباشا للمكّين بالحضورإلي بربرفأرسل المك نمر ابنه لينوب عنه.
لم يقبل الباشا حضور الابن وأصرعلي حضورالمك نمر شخصيا فاضطر المك نمر والمك المساعد للحضورالي بربر.
لم يستقبل الباشا مك دار جعل استقبالاً يليق به، ولم يعامله معاملة (المكوك) وكل ذلك بسبب الوِشايات التي شحنت قلب الباشا الشاب تجاه المك نمر.

مكث الباشا زمناً في سنار، قـتل وصلب فيها سلطان سنار المستسلم (بادي) ظُلماً وعُلُوّاً و قيل أن المك نمر أحزنه ذلك وأقسم لئن عاد الي شندي لينتقمنّ للسلطان بادي .
عاد المك نمر الي دياره غضبان أسِفا مما وجده من الاستخفاف من الباشا -وهو من هو- عاهل الجعليين أهل العز والشرف.
في هذا الأثناء أرسل إسماعيل باشا الي والده الباشا الكبير فوجاً من الأسري السودانيين لتجنيدهم في الجيش المصري، وفي الطريق تعرض أهالي شندي والحلفايا للقافلة وانتزعوا الأسري ورجعوا الي شندي فرحين بالنصر.
أنهى إسماعيل باشا مهمته في السيطرة علي سنار واستعد للعودة الي مصر.
وفي طريق عودته وصل شندي في ديسمبر (١٨٢٢ م)، وحين وصوله استدعي المك نمر والمك المساعد وسارع بتأنيب المك نمر واتهامه بأنه السبب في اعتداء أهالي شندي علي قافلة الأسري الذاهبة الي مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى