مقالات الرأي

خطاب الفريق حميدتي الأخير بتاريخ 15مارس 2025.. قراءة من ضفة النهر الأخرى .. بقلم/ د. محمد حسن فضل الله

الجوانب الشكلية
1/بدا واضحًا أن الإضاءة غير احترافية، حيث كانت غير متوازنة، مما أدى إلى ظهور ظلال غير طبيعية على وجه حميدتي وخلفه. ولم يكن هناك تحكم جيد في درجة السطوع، مما جعل بعض أجزاء المشهد تبدو مظلمة أو غير واضحة، وهو ما يشير إلى أن التصوير قد يكون تم في ظروف إضاءة محدودة أو مرتجلة.
2/الخلفية لم تكن مدروسة جيدًا، وربما لم تكن متسقة مع رسالة الخطاب، مما أعطى انطباعًا بغياب التحضير الفني.

3/بدت ملامح الفريق حميدتي مرهقة، وربما أظهرت توترًا أو قلقًا، خاصة مع حركة عينيه وكثرة الرمش، مما قد يدل على إجهاد نفسي أو عدم راحة أثناء التسجيل. أما حركة اليدين فكانت محدودة، ما قد يكون مؤشرًا على ضبط النفس، لكنه أيضًا قد يعكس جمودًا أو فقدانًا للثقة. من جانب آخر، لم يكن هناك تماسك في لغة الجسد، حيث ظهرت لحظات من التردد أو التفكير أثناء الحديث، مما قد يشير إلى عدم الارتياح بالنص أو عدم التحضير الجيد.

4/ من حيث جودة التصوير والزوايا، بدا أن التصوير تم بكاميرا ذات جودة متوسطة أو ضعيفة مقارنة بخطابات رسمية سابقة، مما جعل الصورة غير حادة. كما أن زاوية التصوير لم تكن مثالية، حيث بدا المشهد مباشرًا دون عمق بصري، مما جعل الخطاب يبدو أشبه بتسجيل عفوي أو ارتجالي أكثر من كونه خطابًا رسميًا معدًا بعناية، مما أعطى انطباعًا بعدم الاعتماد على فريق إنتاج محترف.

محتوى و مضمون الخطاب

استغرق الخطاب 9 دقائق و 11 ثانية، و تناول النقاط الرئيسية التالية:

1/التأكيد على التواجد في الخرطوم: شدد على أن قواته لن تنسحب من العاصمة الخرطوم أو من القصر الجمهوري.

2/التحالفات السياسية و العسكرية: أعلن عن وجود تحالفات جديدة، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع لن تقاتل بمفردها في المرحلة المقبلة. كما رحّب بقائد الحركة الشعبية، عبد العزيز الحلو، و أعرب عن دعمه للدستور الجديد الذي يعالج قضايا كانت مسكوتًا عنها منذ الاستقلال.

3/توجيه انتقادات للجيش السوداني: اتهم الجيش بأنه أصبح “شماعة” للسياسيين، و زعم أن الجيش فقد 70% من طائراته الحربية، مؤكدًا أن قوات الدعم السريع ستنتصر و أن هذه ستكون “آخر الحروب”.

4/التهديد باجتياح مدن إستراتيجية مثل بورتسودان، عطبرة، شندي، مروي، الدبة و دنقلا، مشيرًا إلى أن قواته تستهدف من وصفهم بـ”المجرمين” و ليس سكان هذه المناطق.

5/انتقاد الدول الداعمة للقوات المسلحة: وجّه انتقادات للدول التي دعمت الجيش، بما في ذلك تلك التي تقدم الوجبات الجاهزة، محذرًا من أن هذه الدول ستدفع الثمن، و مؤكدًا عدم السماح بأن يصبح السودان بؤرة للإرهاب.

6/التأكيد على القدرات السياسية و العسكرية: أشار إلى أن قواته تمتلك تحالفات واسعة، مؤكدًا أن المرحلة القادمة ستكون مختلفة و أن القتال سيكون “من كل فج عميق”.

7/التهديد المباشر لقائد القوات المسلحة: وجّه تهديدات مباشرة للفريق عبد الفتاح البرهان مشيرًا إلى إمكانية الوصول إليه في مدينة بورتسودان.

8/انتقاد استغلال الدين في السياسة: شدد على ضرورة بناء دولة حديثة قائمة على المواطنة المتساوية، بعيدًا عن التوظيف السياسي للدين أو الأيدولوجيا.

9/التكرار اللافت لبعض الكلمات و العبارات: مما يعكس المحاور الأساسية للخطاب، ومن أبرز هذه الكلمات والعبارات: (الجيش – التحالفات السياسية و العسكرية- كينيا – القصر الجمهوري – الخرطوم- الدستور الجديد- تجارة الدين).

قراءة في الخطاب

1/جاء الخطاب متأخرًا عن وقته، حيث كان من المفترض أن يتزامن مع فعالية مؤتمر نيروبي، الذي كان من المتوقع أن يُنتج ميثاقًا سياسيًا وإعلانًا دستوريًا لتشكيل حكومة موازية.

2/ رغم أن الخطاب جاء بمناسبة إعلان حكومة سلام، إلا أن مضمونه انحرف بالكامل نحو الحرب و الصراع، متجاهلًا أي أفق سياسي للحل، مما قوّض فكرة “الحكومة المدنية” التي روّجت لها بعض القوى السياسية الداعمة له، ما يعكس غياب التوافق داخل هذا المعسكر.

3/ في مفارقة واضحة، اتهم الحكومة السودانية بالداعشية، بينما لجأ هو نفسه إلى تكفير الفريق أول ياسر العطا، في خطاب ديني متطرف يعكس عدم إدراكه للأسس الفقهية و الدينية مما يضعه في ذات الإطار الذي ينتقده.

4/ أخطأ الخطاب في استدعاء رمزية معركة بدر و ربطها بتأسيس قوات الدعم السريع، دون بناء سياق ديني واضح أو متماسك، مما أوقعه في تناقض بين رفضه لعلاقة الدين بالدولة من جهة، و استغلاله للرمزية الدينية من جهة أخرى.

5/ إعلانه أن قواته لن تنسحب من الخرطوم يعكس قصر نظر سياسي و عسكري، خاصة مع تقدم الجيش السوداني ميدانيًا، مما قد يجعله في موقف محرج إذا تغيرت موازين القوى على الأرض.

6/ تميز الخطاب بقدر كبير من العنصرية و التحريض، خاصة تجاه أهل الشرق و الشمال، مما يعمّق الفجوة بين الدعم السريع و المكونات السودانية، و يبرز ضعفًا في الخطاب السياسي، و يعزز حالة العزلة التي تعاني منها قوات الدعم السريع.

7/ افتقر الخطاب إلى الاتساق؛ حيث دعا للوحدة والسلام، لكنه هدد مناطق بأكملها بالحرب، و تحدث عن دعم الديمقراطية، لكنه أكد أن قواته لن تغادر الخرطوم، مما يعكس غياب الإستراتيجية الواضحة.

8/ ظهر حميدتي في خطابه متوترًا، و اتسم حديثه بالارتباك و الانفعال والتناقض الداخلي، مما يعكس الضغط الذي يواجهه حاليًا. لم يكن هناك توازن نفسي أو تسلسل منطقي واضح، بل قفز بين مواضيع مختلفة دون رابط قوي، كما لجأ إلى الهجوم الحاد على خصومه، في محاولة لتعويض موقفه الضعيف.

استنتاجات و توقعات

1/من الناحية العسكرية: يبدو إعلانه عدم الانسحاب من الخرطوم أو القصر الجمهوري كتصريح تحدٍ، لكنه قد يكشف عدم وجود إستراتيجية انسحاب أو خطة بديلة، مما يعني أن قواته عالقة في مواجهة مفتوحة رغم تزايد الضغوط عليها.

2/ استهداف سلاح الجو: حديثه عن فقدان الجيش 70% من طائراته الحربية يعكس مخاوفه من القوة الجوية المتبقية، مما يعني أن الدعم السريع لم يتمكن من تحييد الطيران بالكامل.

3/ محاولة رفع المعنويات: لم يعلن عن أي تقدم عسكري جديد، بل بدا الخطاب وكأنه محاولة لتعزيز معنويات قواته.

4/التحريض ضد مناطق محددة: قد يكون مجرد تهديد في إطار الحرب النفسية، لكنه قد يعكس أيضًا عجز قواته عن الاحتفاظ بمواقعها الحالية.

5/ الإعلان عن تحالفات جديدة: يشير إلى حاجته لدعم إضافي، مما يعكس ضعف موقفه العسكري.

6/غياب الإشارة إلى التقدم الميداني: يعكس أن قواته ليست في وضع هجومي قوي.

7/التمسك بالخرطوم: قد يكون بسبب عدم وجود خيار آخر و ليس من موقع قوة.

ختاماً:
يعكس الخطاب مزيجًا من التصعيد العسكري و التخبط السياسي؛ حيث حمل رسائل تحدًّ و تهديد، لكنه في الوقت ذاته أظهر حالة من القلق و الضغط. رغم محاولاته الظهور بموقف قوي، إلا أن التركيز على التحالفات وةالتهديدات دون إعلان تقدم ميداني واضح يشير إلى وضع دفاعي أكثر من كونه هجوميًا. كما كشفت التناقضات في الخطاب عن غياب إستراتيجية واضحة، مما يعكس تعثر مشروع قوات الدعم السريع و يطرح تساؤلات حول مستقبل الصراع في السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى