الصحيفة الإلكترونيةمقالات الرأي

رحمة العالمين وذِكرُهم بين المسطور والمنشور

اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
٣٠ مايو ٢٠٢٤م

{أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ}

⚛عام ١٩٢٢م تمكن العالم الروسي ألكساندر فريدمان Alexander Fridman من حلِّ معادلة تمدد الكون ، وعلى ذلك في ١٩٢٧م تمكَّن العالم البلجيكي جورج لوماتير George Lemaîtr من وضع نظريته حول تمدُّد الكون التي دعمها في عام ١٩٢٩م العالم الأمريكي إدوين هابل Edwin Hubble ، وبناءاً على ذلك في عام ١٩٣١م بنى جورج لوماتير رؤيته عن أن الكون كان منكمشاً في ذرة بدائية متناهية الصغر وعالية الكثافة وشديدة الحرارة -المتفرِّدة- Sigularity ، وانفجرت انفجاراً عظيماً Big Bang نتج عنه الكون ، وقد نجح العالمان رالف ألفر Ralph Alfer وجو جامو George Gamow عام ١٩٤٨م في شرح كيفية بدء عملية التخليق النووي الذي نشأت عنه العناصر ، ولازال العلم حائراً أمام الأسئلة الكبرى مثل .. كيف تفرَّدت المتفرِّدة؟ ، وما الذي فجَّرها؟ ، وماذا كان قبلها؟

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)

⚛الآيتين الكريمتين أعلاه تناولتا علم المناخ Climatology ، علم النبات Botany ، علم الزراعة Agronomy ، علم الغذاء Food science ، علم طبقات الأرض Geology ، علم الألوان Color Science ، علم نفس الألوان Color psychology ، علم الأحياء Biology ، علم الحيوان Zoology ، ..الخ ، وذكرت الآية أن خشية الله تتحقق لدى العُلماء ، والعلم هو حقيقةٌ ماثلةٌ عليها برهان ويمكن إثباتها في كل حين ، والخشية غير الخوف ، فالخوف هو اضطراب القلب وحركته ، بينما الخشية هي انجماعٌ وانقباضٌ وسكونٌ وخوفْ مقرونٌ بمعرفة ، ومع كامل احترامنا لمن يقسمون العِلم إلى شرعي وغير شرعي وهو المفهوم الذي ترتَّب عليه انتكاس الأمة بعد ريادتها الأمم .. نقول بأن من أوجد هذه العلوم هو الخالق وليس مُكتشفيها ، وأن ما يُسمُّونه الأفاضل من سلفنا ب(علم) التفسير هو مجرد خواطر ، وما يُسمونها الأحاديث في حقيقتها هي مجرد أقاويل ظنيَّة الثبوت إلا أن تقترن بحقيقةٍ دامغةٍ لا تقبل الدحض ، وما يُسمُونه بالناسخ والمنسوخ هو محض افتراءٍ على الكتاب المُحكم المُفَصَّل العزيز ، والفقه في جوهره وِجهات نظرٍ وأفكارٍ متباينةٍ حول شعائر وتشريعات ، والسِّيَرُ يجري عليها ما يجري على التاريخ وهو ما لا يصحُّ تصنيفه كعِلم ، وعليه فأسلافنا الأفاضل كما هو واضحٌ بجلاء ليسوا هم العلماء المقصودون في الآية الكريمة أعلاه ، وليس المقصود من ذلك التقليل من قدرهم أو تبخيس اجتهادهم المرتبط بحجم المتاح من المعرفة في زمانهم ، وإنما من الواجب إزالة ثوب القداسة عن هذه منتجاتهم الفِكرية ووضعها في إطارها الشرعي والعِلمي الدقيق.

{وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلࣰا}

⚛الطاقة المظلمة Dark energy تمثِّل ٦٨.٣% مما نعرفه من الكون ، والمادة المظلمة Dark matter تمثِّل ٢٦.٨% مما نعرفه من الكون ، وكلمة مظلمة Dark أي أن العِلم والعلماء حتى اليوم لا يعرفون عنها شيئاً سوى وجودها ، ونسبة ٤.٩% فقط من الكون تمثِّل الطاقة والمادة التي نعرفها من هذا الكون ، وفيما أن ٩٩% من مادة الكون التي نعرفها (من نسبة ال ٤.٩%) عبارة عن بلازما Plasma (هي الشكل الرابع من أشكال المادة والتي لم يعرفها الإنسان إلا أواخر القرن التاسع عشر) ، وهي باختصار غازات مُتأيِّنة أي قادرة على توصيل الكهرباء ، وهكذا فإن مبلغ المعرفة الإنسانية اليوم عن الكون تقل عن ٥% بكثير ، وقد كانت أقل من ١% حتى أواخر القرن التاسع عشر ، ويبقى أن ما نعرفه عن عالم الخلق أقل بكثيرٍ من ٥% فيما لا نكاد نعلم شيئاً عن عالم الأمر إلا بما جاء في الذكره الحكيم ونستشعره في قلوبنا.

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)

⚛المادة تتكون من ذرات ، والذرات تتكون من جسيمات والتي هي عبارة عن البرتونات ، والنيوترونات ، والإلكترونات .. وفيما تتكون البروتونان والنيوترونات من جسيمات أولية متناهية الصغر تُسمَّى الكواركات Quarks ، نجد أن الإلكترونات تتكون من جسيمات أولية متناهية الصغر تُسمَّى الليبتونات Leptons ، والكواركات واللبتونات هي فيرمونات Fermions ، والفيرمونات عبارة عن أوتار في حالة اهتزاز ، وأما البوزونات Bosons التي هي كذلك جسيمات متناهية الصغر تملأ الفاصل ما بين نواة الذرة ومداراتها التي تدور فيها الإلكترونات ، والفرق بين هذه الجسيمات الأولية متناهية الصغر يكون في درجة اهتزازها ، وشكل دورانها المغزلي Spining ، وقدرتها على التموضع بما يُكسِب الذرة قواها الأربعة (الجاذبية ، القوى النووية الصغرى ، القوى النووية الكبرى ، الكهروميغناطيسية) ، وقد أثبتت فيزياء الكم أن المادة دون الذرية لها خاصية مدهشة من حيث قدرتها على أن تأخذ طبيعة جسيمية ، بينما في أحيانٍ أخرى تأخذ طبيعة موجية ، ومن عجبٍ أنه عند مراقبة الالكترون يتصرف كجسيم ، بينما يتصرف كموجة عندما لا تجري مراقبته ، وسبحان الرقيب على كونه ، وتأملوا دِقة التعبير القرآني في كلمة الذرة والتي يشير فيها إلى البروتونات والنيوترونات والإلكترونات ومثقالها هو ما دونها من كواركات وليبتونات وبوزونات وفيرمونات وغيرها ، والمتدبِّر سيرى أن القرآن يشير إلى الذرة التي نعرفها بكلمة الحَبَّة وجمعها الحَبّ ، ولكم أن تتأملوا فلقُ الحَبِّ والنوى في إنبات النبات والإنشطار النووي ، وقد قال آينشتاين الكتلة طاقة مُكثَّفة، والطاقة كتلة مُشتَّتة ، فسُبحان من كتَّل الكُتلة وطوَّق الطاقة ، وهذه في حد ذاتها لاتزال جدليةٌ مُحتدِمة بين علماء الفيزياء كجدلية الدجاجة والبيضة ، وفيما أن الإنسان قد تمكن من التحكم المحدود في استخراج الطاقة من المادة ، فإنه لازال (وغالباً سيظل) عاجزاً عن تكثيف الطاقة إلى كتلة .. ولمن شاء أن يتأمل الفرق في ذلك فليُعِد الإدِّكار عميقاً في الجهل الإبليسي في إدراك بديع صنع الله الذي أخرج المادة من الطاقة وخلق منها بشراً ذو كتلةٍ تستخرج الطاقة من المادة ، وله وعيٌ يستعلي المادة والطاقة كليهما *{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ}.

{وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا}

⚛الموجات الضوئية أو الكهروميغناطيسية أو المايكرويف على سبيل المثال تتكون من الجرافيتون والذي هو جُسيمٌ افتراضيٌّ لا نعلم عنه الكثير سوى بعض الخصائص مثل أن بإمكانه الانتقال الفوري الكمِّي من أقصى الكون إلى أقصاه دون أن يعيقه أي عائق وبسرعة الضوء ، والإلكترون يمكنه أن يتواجد في أكثر من مكان في ذات الوقت ، وهو ما يُسمى بالتراكب الكمِّي Quantum Superposition ، وهذا ما يميز الحالة الموجية عن الحالة الجسيمية ، وهذا ما تفعله البوزونات بشكلٍ مستمر ، والفكرة في دماغ الإنسان هي في حقيقتها عبارة عن موجات كهروميغناطيسية ، وهذه الموجات لا يقتصر امتدادها داخل جسم الإنسان .. بل تتعداه إلى أقاصي الكون ، وستتشابك موجة الفكرة كميَّاً Quantum Entanglment مع غيرها من الموجات الأخرى مُحدِثةً أثراً في الكون يزيد أو ينقص بقدر قوة الفكرة ، وبسبب هذا التأثير فالإنسان مأمورٌ في القرآن بالتفكير الإيجابي وتجنب المشاعر السلبية ، وهو محاسب على ما يدور في الأفئدة سواءٌ أبداه أم لم يُبديه لأنه سيؤثر في الكون ، ومن ذلك .. أن العلماء اليوم عاكفون على البحث في إمكانية التخاطر بين البشر Telepathy (المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر أو حتى بين الإنسان والكائنات الأخرى) ، وقد قطعت الأبحاث شوطاً بعيداً يؤكد إمكانية التخاطر بين البشر ، وكذلك إمكانية الانتقال الفوري الكمِّي Quantum Teleportation باستخدام التشابك الكمِّي Quantum Intanglment وهو ما جرى اختباره بنجاح على مستوى الفوتونات (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ، وهذا ما قد يتيح للإنسان مستقبلاً إمكانية الانتقال بين المجرات .. وحتى بين الأكوان المتوازية وتأملوا بعمقٍ شديدٍ الآية الكريمة التالية (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ).

⚛الإنسان عبارة عن كتلة من الذرات (عشرة كرليار ذرَّة ، الكرليار واحد وأمامه ٢٧ صفر) وكل ذرةٍ فيه مُكوَّنة من الجسيمات سالفة الذكر ، ومن الناحية الفيزيائية العلمية فإن الانسان يمكنه أن يكون ذو طبيعة جسيمية ، ويمكنه أن يكون ذو طبيعة موجية!! ، والفرق بين الحالتين كالفرق بين الحي والميِّت (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ولا سبيل إلى تطويع الإنسان لحالته الموجية إلا باقتباس القدر الكافي من نور المعرفة وتحرير النفس عن المادة ، ونقلها من حضيض الملموس بالأبدان إلى فضاء المحسوس بالوجدان.

(لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا)

⚛أبعاد الكون التقليدية كانت حتى مطلع القرن العشرين هي الطول والعرض والارتفاع ، ولكن آلبرت آينشتاين أضاف عاملاً رابعاً هو الزمن الذي لا ينفصل عن الأبعاد الثلاثة الأخرى والتي تُكوِّن المكان ، واجترح آينشتاين لذلك تعبير الزمكان Space Time ، وهذه الأبعاد الأربعة حتى منتصف القرن العشرين كانت تمثل كلما نعرفه عن الأبعاد الفيزيائية للكون .. ولكن بزيادة المعرفة والتبصُّر ، ولاسيما فيزياء الكم والحواسيب الخارقة .. فقد ذهب العلماء اليوم إلى أن أبعاد الكون ٢٦ بُعداً .. فالرؤى المنامية وتجارب الاقتراب من الموت Near Death Experiments ما هي إلا عملية دخول للبُعد الحادي عشر ، حيث يرى الإنسان بدون عين ويسمع بدون أذُن ويتكلم بغير لسان و…الخ ، وبحسب قوانين التوازن الكوني ، وقوانين الحركة لإسحاق نيوتن ، وفيزياء الثقوب السوداء ، ونظرية الأوتار الفائقة ، وفيزياء الكم والنسبية وغيرها ، فإن مسائل الشعائر والتشريع والإيمان والبعث والحساب والجزاء والإسراء والمعراج هي قضايا عِلمية صِرفة ، ويسندها المنطق والعقل ومعرفتنا الضئيلة بالكون .. وليست هي حالات استشياخٍ ودروشةٍ ونقلٍ عن الأثبات وروحانياتٍ متدفقة .. ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بالقراءة قبل أن يأمره بالإيمان أو العبادة خلافاً لمبدأ رسالات الأمم السالفة ، فلا يمكن تحصيل العلم بلا قراءة ، ولا يمكن تحصيل الإيمان واليقين دون عِلم ، وإذا كان البشر حتى اليوم عاجزون عن تحصيل ٥% من معرفة الكون ، فما بالك بعِلم الخالق الذي أوجد الوجود ، وكوَّن الكون؟! ، ويتفرَّد المؤمنون دون غيرهم في يقينهم بالغيب الذي جاء في القرآن المسطور الهادي إلى دقائق المعرفة بالكون والذي هو القرآن المنشور.

{وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ}
{إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ}

⚛القرآن ليس دعوةً شعوبيةً مرتبطةٌ بهذه الإثنية أو تلك ، وهو ليس ثقافةً قوميةً تنحصر في جغرافيا مكانية أو حضارة زمانية ، وإنما هو رسالة الله سبحانه وتعالى للعالمين في الكون (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، ولذلك فقد يسَّر الله كتابه لكل مُدَّكِر ، فخاطبهم بالعلم ، وأقام عليهم الحُجج بالأرقام التي لا تقبل المجاملة أو المجادلة ، ولم يأمرهم بزيادة مُلك الله أو مجده في الدنيا فأنَّى لهم ، وما يستطيعون ، وإنما هداهم إلى طيب الحياة في الدنيا ، وسعادة الأبد في الآخرة .. فهو رحمة الله المُهداة ، ونعمته المُسداة للعالمين ، وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام هم العالمين ، وكلمة عالم جمعُها عوالم ، وكلمة العالمين هي جمع المذكر السالم لكلمة عوالم ، فالعالمين هي جمع الجمع ، ومن خصائص جمع المذكر السالم أنه يشمل العقلاء حصراً ، فالكائنات غير العاقلة لا يشملها جمع المذكر السالم ، ومن هنا .. فإن القرآن الكريم كتابٌ عِلميٌّ رقميٌّ {مَرْقُوُمٌ} بلسانٍ عربيٍّ لرحمة العالمين ، وكل حرفٍ في القرآن المسطور (المصحف) له قيمته الرقمية ، وله تموضعه الرقمي ، وشبكة ترابطاته الكمومية ، وكذلك هي كل كلمةٍ وكل آيةٍ وكل سورةٍ في القرآن المسطور ، وينسجم كل ذلك اتساقاً مع آيات الله في القرآن المنشور (الكون) ، وهو ما يتطلب ادِّكاراً وتدبُّراً في المسطور والمنشور ، وترتيلاً بنشاطٍ فِكريٍّّ شاقٍّ يفضي إلى ثمرةٍ مُقتَنصةٍ عن الفكرة في مستوى السعي إلى عُمق مكنونات الذِّكر الحكيم ، والقرآن في ذلك كلِّه يُؤتي أُكُلَهُ كل حينٍ بإذن ربه ليبلغ بالعالمين أرحب فضاءات الرحمة … وإذ يبقى ما استطال به المقال مجرد غيضٍ من فيض القرآن ، وفيما ينكبُّ الأعاجم من أهل الكتاب هذه الأيام على القرآن ترجمةً وترتيلاً وتدبُّراً وادِّكاراً .. فكل الخشية أن يسقط نصلُ النَّصِّ على مَدَقِّ العجزِ في هِمَّتِنا عن الوفاء بمُقتضى الذِّكرِ والسؤال في قوله تعالى:-

{وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ}

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى