مقالات الرأي
أخر الأخبار

ضل التاية … دعاوى العلمانية و فصل الدين عن الدولة في حفل تنصيب دونالد ترامب .. بقلم/ بروفيسور إبراهيم محمد آدم(1-5)

يعتبر الرئيس الامريكي دونالد ترامب أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل قبل و بعد انتخابه في فترته الأولى، و كذلك الثانية، ففي فترته الأولى قام بالكثير من الإجراءات غير المسبوقة، و لكنه خسر انتخابات التجديد لفترة ثانية حين فاز عليه الجمهوريون بقيادة جو بايدن و بفارق ضئيل جدًا، فسعى للعودة إلى الحكم بكل السبل و رفض حتى التسليم السلس للرئاسة، و حرض أنصاره على اقتحام البيت الأبيض، و قد حوكموا بالسجن و أمضوا بضع سنوات فيه حتى أطلق سراحهم عند فوزه بفترته الثانية الحالية غير المتصلة و حوربت رغبته في العودة للحكم بكل الوسائل و من بينها المحاكم التي بلغت عدد تسعين اتهاماً في أربع قضايا كبرى.
كثر الجدل حول ترامب في فترته الأولى، فهو رئيس إستثنائي يتحلى بالكثير من الصفات المتصلة بالفضائل، إذ يقول ترامب إنهُ لم يشرب الكحول أبدًا، و لم يدخن السجائر، و لم يتعاطى المُخدرات و لعل هذا يعكس التزاما دينياً صارماً، فالتعاليم المسيحية تمنع أيضاً مخالطة الزاني و السكير و الملحد، و لعل التزامه هذا لا يوجد حتى عند الكثير من السياسيين المسلمين، و قد جرت مراسم تنصيبه في أول الأمر داخل كنيسة (سانت جون) في واشنطن، و حمل ذلك العديد من الدلالات الدينية، و من بينها قوله أنه لا يعرف سوى رجل أو امرأة و لا يعرف فئة ثالثة، تلك التصريحات جعلت الكثير من الأمريكيين يحسون بالعودة إلى الفطرة السليمة بعد أن أصبحت مسألة الانحلال الأخلاقي مفروضة على المجتمع، بل حتى على أطفال المدارس في مسعى لإيجاد مسخ مشوه من الأجيال تحت دعاوى الحريات الشخصية، حيث أقسم ترامب كما في القسم في الشريعة الاسلامية برفع يده اليمنى على نسخة من الكتاب المقدس ورثها من والدته و ذلك خلال تنصيبه لمنصب الرئيس السابع و الأربعين للولايات المتحدة.
و حتى لا يقول البعض أن هذا تجاوز للأعراف الامريكية أو تقليداً جديداً، فقد بدأ العمل رسمياً بتقليد حضور رجال الدين في مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي، منذ حفل تنصيب الرئيس فرانكلين روزفلت في عام 1933 عندما تمت دعوة أول رجل دين لإلقاء صلاة خلال المراسم.
و قبل ذلك، لم يكن هناك التزام واضح بدعوة رجال الدين إلى المراسم، لكن الرؤساء كانوا يلتزمون بأداء القسم على الكتاب المقدس، و هو تقليد بدأه الرئيس جورج واشنطن و لكن ترامب هنا زاد الجرعة بدعوة أربعة رجال يمثلون الديانات و هي الإسلام و المسيحية و اليهودية.
و يبدو أن النفوذ اليهودي داخل بيت ترامب قد تزايد، فابنته ايفانكا متزوجة من مستشاره اليهودي (جاريد كوشنر)، وهناك أقوال عن أن إيفانكا نفسها قد تحولت إلى اليهودية، فقد كان أول هؤلاء الحاخام بيرمان رئيس جامعة (يشيفا) و هي جامعة يهودية مقرها نيويورك، و يلاحظ أنه ركز في كلمته أثناء الحفل على تطبيق اتفاق الهدنة بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في قطاع غزة و سلطات الاحتلال الاسرائيلي، و قد شهد ذلك اليوم عودة ثلاث رهينات إسرائيليات كنّ محتجزات لدى حركة حماس.
وقد أشاد بيرمان، الذي ارتدى قبعة يهودية وشريطاً أصفراً لإظهار دعمه للرهائن، بترامب في مساعدته على التوصل إلى ذلك الاتفاق الذي سوف يتمخض عن اطلاق سراح العديد من الأسرى الاسرائليين في مرحلته الاولى. و لم ينس بيرمان الذي لم يتحدث علناً عن دعم ترامب خلال الانتخابات القول إنه يتطلع أن يجلب الرئيس الأمريكي الجديد السلام بين إسرائيل و مزيد من الدول العربية في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية.
فخلال ولاية ترامب الأولى، وقعت اتفاقات “أبراهام” التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية وهي الإمارات، و البحرين، و المغرب و السودان، و رغم الدلالات الدينية لهذه الاتفاقيات حتى من اسمها لكنها لم تجد انتقاداً ابداً من دعاة العلمانية في العالم الاسلامي طالما صدرت من سيد عالم اليوم أمريكا.
و مع تمتع ذلك اليهودي بحضور حفل التنصيب، فإن فرصة العالم الإسلامي شيعته وسنته قد ضيعت، فعلى الرغم من ورود اسمه في قائمة المدعوين و كان مخططاً أن يلقي كلمة خلال مراسم التنصيب، تم تغييب الإمام الشيعي هشام الحسيني، و هو مدير مركز كربلاء للتعليم الإسلامي في مدينة (ديربورن) في ولاية ميشغان، عن حفل تنصيب ترامب.
و لم يوضح البيت الأبيض سبب غيابه، إلاّ إن ناشطين على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) قالوا إن إلغاء حضور الحسيني بسبب رفضه وصف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية في عام 2007 ، و قد استمعت شخصياً الى ذات الأسباب في برنامج تلفزيوني على قناة الحرة الأمريكية الناطقة باللغة العربية، مما يدل على أن حرب اسرائيل مع قطاع غزة و لبنان و إيران قد ألقت بظلالها على تلك الدعوة، و قد ذكرت مصادر أخرى أن مستشاري ترامب نصحوه بإلغاء دعوة هشام الحسيني لأنه يمثل الشيعة في غياب أي تمثيل للمسلمين السنة.
المدعو الآخر من الديانة المسيحية كان القس (لورينزو سويل) من كنيسة 180 ديترويت، و قد كان هذا أحد الركائز الأساسية في حملة ترامب الانتخابية خلال عام 2024م. إذ تحدث سويل في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو 2024م، وحضر العديد من الاجتماعات خلال الحملة مع زعماء الأديان و تجمعات مسيحية محافظة مؤيدة لترامب. و بحسب تصريحات سويل، فإن ترامب طلب شخصياً من هذا القس في مناسبة سابقة أن يكون حاضراً خلال حفل التنصيب فتم له ذلك.
و لا يتردد سويل الذي يبدي التزاماً بعقيدة مسيحية محافظة، في تناول السياسة ضمن خدمته الدينية، إذ يعتبر أن رسالة الإنجيل هي رسالة سياسية، و الكتاب المقدس هو كتاب سياسي، و هذا أيضا تطور مهم عند الغرب بصفة عامة منذ قضية الصراع بين الكنيسة و الدولة و الذي سوف نتطرق اغيه في المقال القادم باذن الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى