قطاع التعدين و أمل المستقبل .. بقلم/ د.سيف الدين مكي الطاهر .. خبير الثروات المعدنية

يلهث العالم بأجمعه و خاصة الدول ذات السطوة و الهيمنة و بشغف شديد في ظل التطور و التسابق و الهيمنة الاقتصادية و الاحتكار العالمي لإيجاد موارد بديلة للطاقة في ظل نضوب وشح الموارد المتاحة، لا سيما الموارد المعدنية التي تعد بارود البنادق للصراع العالمي المستقبلي للسيطرة و الاستخواذ عليها بأي شكل، سواء كانت بطرق مباشرة أو غبر مباشرة عبر أذرع و خلايا تعمل بالوكالة لها لتنتشر في كل موقع بالكرة الأرضية غني بهذه الموارد و الثروات. و تعتبر أفريقيا هي القارة البكر الغنية بالموارد و الثروات و خاصة الموارد المعدنية المتنوعة التي يعتمد عليها العالم مستقبلًا.
و السودان حباه الله بموقع جغرافي مميز علي الخارطة الجغرافية و تكوين جيولوجي متنوع و متباين علي الأحزمة الجيولوجية الغنية بالثروات المعدنية من المعادن الثقيلة و النفيسة، و المعادن الصناعية، و المعادن الزراعية، و المعادن النادرة، و الأحجار الكريمة، و أحجار الزينة والتكوينات الجيولوجية الأثرية و النيازك و غيرها من التشكيلات الجيولوجية و المعدنية ذات القيمة الاقتصادية العالية مما جعل السودان هدفًا إسترايتجيًا و قبلة و مقصد و ملتجأ لكل الدول ذات السطوة و الهيمنة و الطامعة في ثرواته باعتباره مخزنًا للثروات المعدنية، و مستودعًا لبدائل الطاقة و مكمنًا للأحفوريات مما جعله منطقة و بؤرة تتصارع عليه هذه الدول لمصالحها، و تتجاذبه بمخالبها و لا تتركه لحاله بل تجعله يتنازع و يتصارع حتي لا يلتفت لنفسه و يتحكم في موراده و ثروته و يديرها بإرادته وإدارته الخاصة ليعلو شأنه و مكانه، لانه إذا ما تحقق له ذلك و شب عن طوقه و وقف علي رجليه و برز شامخًا قويًا عاتيًا سصبح رقمًا يصعب تجاوزه علي الخارطة الاقتصادية و السياسية العالمية.
لذلك أُستُهدف السودان منذ أمد بعيد، و أصبح وِجهة للغزاة و الطامعين للنيل منه و استغلال خيراته و ثرواته و خاصة ثروات باطن الأرض، بما في ذلك الثروات المعدنية و البترول و الغاز و المياه الجوفية. فكان الغزو التركي بقصد المال و الرجال، و من بعده الاستعمار الانجليزي و الذي كان معظم ضباطه و جنرالاته من الجيولوجيين (حسب ما جاء في مذكراتهم)، و كانت أطماع الفرنسيين في غرب السودان، و الإيطاليين في شرقه في حقبة السطوة و الاستعمار الأوروبي للقارة السمراء البكر بالهيمنة عليها و توزيعها بثرواتها و مواردها عليهم. و فيما بعد كانت هنالك أطماع كثيرة من بعض الدول ذات النفوذ و السيطرة العالمية علي السودان متدثرة عبر المشروعات الجيولوجية المشتركة مع هيئة الأبحاث الجيولوجية السودانية منها المشروع الألماني – السوداني، و المشروع الروسي – السوداني، و المشروع الفرنسي – السوداني، و منها جاءت شركة (أرياب) الفرنسية للتعدين في شرق السودان، و جاءت شركة (شيفرون) الأمريكية للبترول في غرب السودان و غيرها من البعثات الجيولوجية للاستكشاف المعدني، مما وفر في يد هذه الدول كثير جدًا من المعلومات الجيولوجية الهامة و الهامة جدًا عن الثروات المعدنية و توزيعاتها كمًّا و نوعًا، و كذا حقول البترول و الغاز، و توزيع أحواضها و احتياطاتها ، و أحواض المياه الجوفية، و المناطق الأثرية، و كذلك التراكيب الجيولوجية و امتدادتها التي تساعد في إنشاء مشاريع النهضة المستقبلية من حيث البناء و التشييد و إنشاء السدود و الخزانات و الطرق و المطارات و الأنفاق و الحفريات، و أيضًا الفوالق و الانكسارات و الانزلاقات الأرضية، و رصد حركة الزلال و الاهتزازات الأرضية، بالإضافة لاستخدام هذه الدول للتكنلوجيا المتطورة للاستكشاف الجيولوجي الذي وفر لها إضافة معلومات و تفاصيل أكثر. و قد توفر للهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية جزء كبير و لكن ليس الأهم من هذه المعلومات، و لكنها ضاعت و راحت و خربته و أحرقته المليشيا في حربها علي السودان و بغرض ممنهج لتفقد البلاد أحد أهم مراكز المعلومات الجيولوجية.
من هذا المشهد و المنظور يعتبر السودان أحد أهم الدول في العالم التي تمتلك مخزون ضخم و إستراتيجي من الثروات المعدنية التي ستدير دفة الحركة الاقتصادية العالمية و تتحكم فيها مستقبلًا، لذلك لابد من استرجاع المعلومات الجيولوجية المفقودة، و هنا يجب أن تضع إدارة الهيئة العامة للابحاث الجيولوجية خطة عمل واضحة لإعادتها و استرجاعها و تطوير وسائل التقنية و التكنولوجيا المتاحة و وضع خطط تواكب المرحلة الآنية و القادمة للمضي قُدمًا بالجوانب الفنية لوزارة المعادن. أما وزارة المعادن فيقع عليها عبء كبير لإدارة الثروات المعدنية لا سيما و أنها قد أدارت خلال فترة الحرب قطاع التعدين بشكل جيد و محترم يُحسب لها ،و خاصة معدن الذهب، علي الرغم من أن هناك بعض النواقص و الضعف في بعض الحلقات و الكمال لله وحده.
و لكي تتم الاستفادة من كل هذه الثروات المعدنية لا بد من إحكام الحلقات، و إدارة قطاع التعدين باحترافية و مهنية عالية وفق تشريعات و قوانين قوية، و بتناغم سلسلة مع الجهات ذات الصلة و الشأن، و تطوير الأذرع الفنية و الإدارية و الرقابية و النظامية.
كذلك التنوع في الاستثمار المعدني و عدم الاعتماد علي معدن واحد مثل الذهب، و الأهم في الموضوع عدم تصدير الخامات المعدنية علي أصلها، فلا بد من توطين للصناعات المعدنية و رفع تركيزها و زيادة قيمتها المضافة، و لينعم السودان بخيراته و موارده و ثرواته لا سيما الثروات المعدنية لا بد من إدارة قوية و متفهمة و ذات دراية و خبرة عميقة للاستفادة من قطاع التعدين و تطويره، و جعله الركيزة الأساسية الداعمة للاقتصاد الوطني، و الساندة لعجلته و الرافد لحزينته و الضامن لحقوق الأجيال و لمستقبل السودان.