
تحليل أخباري: مركز الخبراء
المكالمة الهاتفية التي استقبلها هاتف السفير السوداني بالقاهرة (جمال عدوي) سبقها حراك سياسي و دبلوماسي مكثف عندما تفاجأت الحكومة الكولومبية بتقارير إعلامية ضجت بها وسائط التواصل الاجتماعي تتحدث عن مقطع فيديو لعناصر تتبع للقوة المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضد الدعم السريع، و هم يستعرضون وثائق و أوراق ثبوتية قالوا أنها تخص مرتزقة كولومبيين قادمين من ليبيا للقتال في صفوف قوات الدعم السريع.
و لم تكتف التقارير الاعلامية بمقاطع الفيديو فقط، بل نشرت معلومات أكدتها الوقائع الميدانية لمسارح العمليات قطعت بموت عدد منهم فيما أشارت بعض التقارير إلى أن مشاركة الجنود الكولومبيين في المعارك قُدر عددُها بما يقارب (300) جندي.
و قالت وكالة السودان للأنباء أن سفيرة كولومبيا في مصر ،آن ميلينيا، التقت بسفير السودان في القاهرة ،عماد الدين مصطفى عدوي، و قدمت اعتذاراً رسمياً عن مشاركة مواطنين كولومبيين كمرتزقة في صفوف قوات الدعم السريع. و أوضحت (ميلينيا) أن الحكومة و الشعب الكولومبيين فوجئوا جداً عند تلقيهم أخبار تورط مواطنين من بلادهم في الصراع السوداني، و وصفوا هذا السلوك بأنه “غير مسؤول” و أنه لا يمثل سياسة الحكومة الكولومبية أو الشعب الكولومبي.
و أكدت (ميلينيا) أن كولومبيا تحترم سيادة السودان و رفضت أي تدخل في شؤونه الداخلية، مشددة على أن حكومتها ستبذل جهدها لتحديد المسؤولين المعنيين و محاسبتهم إذا لزم الأمر.
و يبدو أن الرأي العام الكولومبي قد بدأ في تصعيد الأمر الذي وضح جلياً أن السلطات بكولومبيا كانت آخر من يعلم به، خاصة عندما أصبحت القضية حديثاً للمجالس، حيث أكدت عائلة أحد الجنود الكولومبيين القتلى هذه المعلومات في حديثها مع إحدى الصحف، و أضافت أنه قُتل مع عدد آخر من زملائه، كما سقط العديد من الجرحى في صفوفهم بعد أن سقطت قذيفة في منطقتهم في 30 أكتوبر 2024.
و أفادت متابعات “مركز الخبراء العرب” من خلال لقاء السفير السوداني بالقاهرة و سفيرة كولمبيا أن الحكومة السودانية حرصت على إيصال رسالة محددة الأهداف للأسرة الدولية، مفادُها أن الواقعة تسلط الضوء على التدخلات الأجنبية في النزاع السوداني و هو ما يستدعي من الدول المعنية التعاون لإيجاد آلية فعالة لمنع تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل.
و لعل أبرز ما نشرته وسائط التواصل الاجتماعي من خلفيات و خفايا تفاجأ بها المجتمع الكولمبي قبل حكومته يتمثل في تداول الرواية شبه المؤكدة التي تشير إلى أن الأفراد العسكريين المتقاعدين الموجودين في حدود السودان و ليبيا قد عُيّنوا من قبل الشركة الكولومبية المسماة وكالة الخدمات الدولية (A4SI.) و كان عرض العمل الذي قُدم لهم هو توفير الخدمات الأمنية للبنى التحتية النفطية في الإمارات العربية المتحدة كما تقول تقارير اعلامية يتم تداولها على نطاق واسع.
و أنتج السودانيون في ظروف مابعد الحرب مقاربات حملت الكثير من الرؤى المتخيلة بعضها يكمن بإشارات عديدة استصحبت مناخ التغيير الذي أفرزته ثورة ديسمبر في ملامحه العامة، فقد رأى كثيرون أن اسم “كولومبيا” على وجه التحديد و الدقة ظل مرتبطاً بصورة أو بأخرى بصراع من شأنه أن ينشب بين قوات الدعم السريع و الجيش السوداني، حيث كان للاسم دلالات بعينها، فهو يمثل موقعاً و مكاناً أصيلاً بقلب العاصمة السودانية الخرطوم، سيما في أدبيات الثورة، و قد ارتبط اسم “منطقة كولومبيا”بصورة لصيقة بجريمة فض الاعتصام التي ما تزال خباياها بأضابير تحقيقات لم ترَ النور لاحقاق العدالة و محاسبة المتورطين في الجريمة.
فعلى مرمى حجر من القصر الجمهوري عند أسفل كوبري النيل الأزرق بالخرطوم، تقبع مساحة صغيرة من الأرض خارج دائرة القانون، يطلق عليها السودانيون اسم “كولومبيا” نظراً لاحتشادها بلفيف من المتفلتين و مروجي الممنوعات (المخدرات و الخمور). و يعلم الكثير من السودانيين أن “كولومبيا” كانت مكان معروف للحكومة بصفته سوقا للممنوعات، لكنها كانت تغض الطرف عنه، و بعد نجاح الثورة تتعمد قوى الثورة المضادة إلصاق ظواهر الانفلات في المكان بالثوار. حتي توقع أحدهم أن يدوي صوت الرصاص في “كولومبيا” في أية لحظة، فغير بعيد من المكان تصطف سيارات للجيش و الدعم السريع مدججة بالسلاح عليها جنود على أهبة الاستعداد.
و تمضي تطورات المشهد السوداني الكولومبي الى ردة فعل كانت متوقعة في مثل هذه المواقف و القضايا من قوات الدعم السريع المتمردة على الدولة السودانية حسبما أكد “راديو دبنقا” ، الذي أشار إلى أنه لم يستطع الحصول على تعليق من قوات الدعم السريع رداً على هذه القضية و تلك الوقائع التى أشارت بعض تفاصيلها إلى معلومات وردت على لسان الجنود الكولومبيين، قال أحدهم فيها بتسجيل صوتي :”أن التعاقد معهم كان لغرض آخر غير الذي اكتشفوه عند وصولهم إلى الجهة التي يقصدونها و أن بعض زملائي أعربوا عن مخاوفهم أن يُقتلوا في حال رفضوا المشاركة في الحرب بجانب قوات الدعم السريع”.
و تشير متابعات “مركز الخبراء العرب” إلى أن اللقاء الذي جمع بين سفراء السودان و كولمبيا بالعاصمة المصرية القاهرة قد مهّد لاتصال هاتفي مباشر بين وزيري الخارجية السوداني و الكولومبي (لويس جلبيرتو موريللو) الذي قدم خلال المحادثة اعتذار بلاده عن اشتراك بعض مواطنى بلاده في الحرب إلى جانب مليشيا الـدعـم السـريع، معلناً إدانته لهذا التصرف غير السليم من مواطنيه و أشار الى أهمية التعاون بين الجانبين لضمان عودتهم إلى بلادهم.
من جانبه عبر وزير الخارجية السوداني (علي يوسف) لنظيره الكولومبي عن استغرابه و حزنه لاشتراك كولومبيين في الـحرب ضد الشعب السوداني، و قبل طلب الخارجية الكولومبية و أكد له استعداد السودان للنظر في إمكانية التعاون مع الجانب الكولومبى لبحث كيفية معالجة الأمر بما يضمن منع تكراره في المستقبل.