
امتداد الأفق المشحون بالابتلاء و المحن و المصائب بأقدار الله، ما بين ذلك و الآن كان الجيش و الشعب السوداني يفرون من قدر الله إلي قدره ثقة منهم فى الله ثم جيشهم، ثقة منهم فى اى فرد من أفراد المنظومة العسكرية ، حمل السلاح علي كتفة إيمانًا بأمانة التكليف التى صعب الجبال حملها و لكن هى أقدار الرجال أن يركبوا على ظهور المحن.
ما بين ١٥ أبريل شمس سطعت مع رائحة الخيانة النتنة، و قدر الأوطان ما بين حائط غرف الفنادق و قهقهة البحوح المشؤوم و دخان سجائرهم العفن تتقاطع هناك أسراب الفرسان أن يا خيل الله إركبي، و ما بين صهول الخيل تتساقط أقنعة العملاء خوفا من نداء يا سارية الجبل هناك تفترش الأرض أقدام الفرسان دكا دكا وصهيل جيش خالد والقعقاع وابوعبيدة إنى لأجد ريح الجنة دون أحد تتزين الجنات بوفد الأعراس من شهداء السودان فعند اللقاء حمزة وجعفر الطيار هناك حيث البشري والفرح فما بين سماء الخرطوم أبواب تفتح للاستقبال وسيق الذين اتقوا ربهم إلي الجنة زمرا اتقو ببيع أنفسهم فى مزاد الرحمن والرحمن قد اشتري خمس وثلاثون من خير الفرسان يزفون و دمائهم وقعت فى جوف الطير الخضر عند عرش الرحمن قبل أن تقع فى ساحة القيادة العامة وما بين البرهان وكباشي وياسر عطا رايات ترفف فى سماء الخرطوم تعلوها إبتسامة عثمان مكاوى إلى لدن وليد جنا والنيمه وايوب وعمر وطه عبدالله عمر وغيرهم من شرفاء ونبلاء السودان فى قصور الجنة .
مابين ١٥ أبريل و ١٥ يناير تتسع المحن و الجراح، تخلو البيوت و يبقي الصراخ، آلاف العيون تبكي، و النحيب و رائحة الموت على جنبات الطريق، تُهجَر المدن و القرى و يبقي الظلام، تخلو الطراقات من المارة و الأنيس و صوت الأطفال و المدارس و يسكنها نبيح الكلاب، و رياض الأطفال يرجع صداها من ظلام دامس، تغلق أبواب الجامعات و تسكنها الذئاب خراب فى خراب.ً
مابين ١٥ أبريل ١٥ يناير يخرجون بدون وداع و متاع إلى أرض لم يعرفونها و لم تعرفهم، تعبت أقدامهم من المسير، ذهبت خطاهم مثقلة تجرها الأحزان من خلفهم، تركوا أرواحهم بين جدران لم تعرف السكون يومًا و لا تعرف الظلام ليلًا، نوافذ تشهد على صفير الرياح و صوت و صراخ الأطفال و إطلالة الجيران …نوافذ شهدت دخول أشعة الشمس تلامس أسطح البيوت عند الصباح و الفرش و الأمتعة و الأواني أبواب تلامس أجسامهم و احتضانهم فى الخروج و الدخول فرحًا بعودتهم.
تركوا شتات الروح هناك و صرخاتهم بين جدران يتردد صداها بين الغرف التي تشكو ألم الفراق، و دموع حزنٍ طال ليلها بمر العذاب. تركوا تفاصيل الحياة ممزوجة بين الأمل و الألم، و الفرح و الحزن، بيوت شهدت بناء، شهدت موت العزيز فيها، شهدت مولود جديد، شهدت عُرس، شهدت سهر مريض أيامًا و ليالي و أنفاس تركوها بين الجدران.
ما بين رمضان ١٤٤٥ ورمضان ١٤٤٦
عام من الحزن يتجدد عند مدنى يعتصر فيها القلب ألم ليالي ليلها طويل التقاط الأنفس عند كبرى حنتوب من لدن الشهيد (محسن) و ما بين مدني (ود النورة) تتساقط الأنفس على أرض الخير و النبل، و يمتد ظلام الحزن جنوبًا من لدن (الخور) و (الحاج عبدالله) و (ود الحداد)، أسماءُ و أسماء، و شهداء روت دماؤهم الطاهرة أرض المحنة لتنبت مليون شهيد.
ما بين (مناوي) و (مصطفي تمبور) شموخ العز في فاشر السلطان الصامدة كالجبال، تكسرت عندها جيوش التتار و المغول، و عند (دار المساليت) و (جنينة) الحب و الحنان ما بين ذلك كله يفوح عطر الفرح من مدني الحبيبة و صباحات و إشراقات، تزينت عروس الكرامة لتعود مآذنها بالتكبير و صلاة التراويح، لتعود أفراح السودان بعناق الأبطال فى ليلة العرس الكبير عند مقرن النيلين و من (الأسكلا و حلا) إلى ربوع هند و الشلال فى أسواق سنجة النضار و الخضار.