
إفريقيا ، تلك القارة السمراء الفتية ، رزحت لقرون تحت استعمار أقعد بها عن التنمية، و أفقر إنسانها رغم غناها، ذلك الاستعمار الذي منذ أن أُخرج من القارة على دماء أبنائها و نضالاتهم لم يتركها تنعم باستقلالها، كيف و هي أرض الموارد و النعيم فجعلها “إرثاً” لأبنائهم و مخزوناً للمستقبل و امتداداً للسيطرة على ممرات التجارة و النفوذ الاستراتيجي.
الغرب الإفريقي ما أدراك ما هو! كأن من تحته بركان؛ فمنطقة الساحل الممتدة في غرب أفريقيا شهدت من عدم الاستقرار و الانقلابات العسكرية في الفترة الأخيرة بسبب تدخل المستعمر الفرنسي الذي دعم عملائه تثبيتاً لوصايته و لعباً بالمكونات القبلية لكن ليس بعد اليوم؛ فقد قوبلت كتير من هذه التدخلات برفض شعبي و من معارضين، فيبدو أن الوعي بضرورة السيادة و الانتفاع من ثرواتهم قد تشكل في الأجيال الجديدة، و ما حدث في النيجر ليس ببعيد، و من قبلها مالي و بوركينا فاسو.
المتابع لما يحدث في القارة و ما تشهده من شد بين أطراف ودول منها من كان له جرم سابق بحق بلدانها لأخذ مواردهم و السيطرة على المواقع الجيوسياسية، و لاعبين جدد تمددوا فيها لذات السبب- لكن دون إذلال و تقتيل للشعوب- يرى تحركات بخطوات متسارعة من كل المعسكرات الشرقية منها و الغربية نحو إفريقيا.
من المعلوم تطلع الصين للاستثمار في إفريقيا، بل و تعتبر الشريك الاقتصادي الأكبر للقارة خاصة و أنها تطمح في زيادة الوارد لها من إفريقيا لمقابلة مواد الإنتاج و الطاقة كما تُعد القارة من أكبر أسواقها، و التقارب الروسي الصيني يجعلهما لاعبين متناغمين، لكن المعروف عن نهج الصين هو النعومة و الاكتفاء بالتبادل الاقتصادي و التجاري، كما تساهم الصين في البنى التحتية لشركائها، مع محاولة نشر اللغة الصينية لتسود العالم -يوماً ما- ، و طريق الحرير الذي تحلم الصين منذ قرون بأن يصل بينها و بين بلدان العالم ،و مبادرة الحزام والطريق ما هي إلا تجسيد لهذا الحلم، و هي الآن في النيجر تنتهج نفس نهجها المعهود.
بعكس الصين؛ فروسيا تعمل على حماية مصالحها في القارة بنفسها سواء كان في شكل قواعد عسكرية، أو مجموعات على الأرض ” كما رأينا قائد مجموعة فاغفنر قبل وفاته بأيام في إحدى دول القارة” إضافة لتقديم التدريب للقوات المحلية.
المسرح يتشكل، و المشاركون كثر ، فها هي تركيا تبحث عن موطئ قدم في الغرب الافريقي و قد وجدته، كما وجدت قبله موطئاً لها في شرق القارة في الصومال.
تقول التقارير أن شركة تدعى (سادات) و هي شركة أمنية تركية افتتحت فرعاً بالنيجر لحماية مصالحها هناك.
و إيران كذلك، تسلك طريق حليفاتها؛ تركيا ، الصين ،و روسيا.
و هي التي نشطت دبلوماسياً في شرق افريقيا و اقتصادياً في كينيا و يوغندا و غيرها من دول القارة.
السودان اتجه شرقاً بعد أن تخاذل الغرب بل و تآمر ضده، و سبقته النيجر و مالي و بوركينا فاسو، فالكل أصبح يرفض الإملاء الخارجي و الاستهتار بالسيادة الوطنية، و الكل له الحق في اختيار تحالفاته التي تخدم مصالحه، فهو الآن سيمنح لروسيا نقطة تزود على البحر الأحمر و ربما قاعدة عسكرية.
السؤال الذي يُطرح بقوة ما هو شكل الرد و كيفيته من قوى الاستعمار و أمريكا ،خاصة بعد نيتها سحب قواتها من النيجر، مقابل تمدد غرمائهم الباحثين عن الذهب و عن الكعكة الصفراء ،اليورانيوم، و النفوذ الاستراتيجي في أفريقيا؟؟
هل سنشهد ضغوطاً على هذه الدول و حصاراً و عصا العقوبات؟؟
أم هل ستكون أفريقيا أرض المعركة القادمة؟؟