مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … الاتحاد الأفريقي: قيادة جديدة قد تطوي صفحة الخذلان .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

شكلت نتائج الانتخابات الأخيرة لمفوضية الاتحاد الإفريقي علامة فارقة في مستقبل المنظمة و دورها في القارة. فقد انتُخب وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف رئيسًا للمفوضية، و فازت الجزائرية (سلمى مليكة حدادي) بمنصب نائب الرئيس، في دورة توحي بتحولات سياسية جوهرية تعكس توازنات جديدة داخل القارة. تأتي هذه التغيرات في ظل انقسام إقليمي واضح و تجاذبات حول قضايا السيادة، و الأمن و الديمقراطية و السلام.

اختيار محمود علي يوسف، الذي يشغل منصب وزير خارجية جيبوتي منذ عام 2005، لرئاسة المفوضية يُعد تطورًا لافتًا يحمل دلالات سياسية تتجاوز حدود القارة الإفريقية. انتخابه بأغلبية الثلثين يعكس توافقًا واسعًا بين الدول الأعضاء على الحاجة إلى قيادة جديدة تعزز الأمن و السلام في أفريقيا. يوسف، المعروف بخبرته الدبلوماسية و رؤيته لتعزيز الحكم الرشيد والتكامل الاقتصادي، يُمثل توجهًا نحو إصلاح سياسات المنظمة، بعيدًا عن المحاباة أو التبعية التي وصمت حقبة القيادة السابقة.

الانتخابات شهدت تنافسًا حادًا بين يوسف و الكيني “رايلا أودينغا”، الذي يُعتبر رمزًا للسياسات المناوئة لمصالح السودان. خسارة أودينغا تمثل ضربة ليس فقط لكينيا، ولكن أيضًا للأطراف التي حاولت استغلال الاتحاد الإفريقي لتحقيق أجندات ضيقة، مثل دعم مليشيا الدعم السريع. و قد لعبت دول مثل الجزائر وجيبوتي دورًا محوريًا في إحباط هذه المحاولات، مما يعكس بروز تيار أفريقي يرفض الابتزاز السياسي و فرض الأجندات المنحازة.

بالنسبة للسودان، تحمل هذه النتائج رمزية خاصة. إذ ينظر السودانيون إلى انتخاب جيبوتي والجزائر كتعبير عن الأمل في استعادة مكانتهم داخل الاتحاد وطي مرحلة الخذلان التي شهدتها مواقف المنظمة تجاه السودان، خصوصًا بعد تعليق عضويته وعدم إدانة الأطراف الإقليمية التي أسهمت في إشعال الحرب المدمرة التي أوشكت على إتمام عامها الثاني. هذه المواقف ارتبطت بإدارة (موسى فكي)، الذي اتسمت ولايته بقرارات مثيرة للجدل، مثل منح إسرائيل صفة المراقب و دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لمخاطبة القمة. و سعيه الدائم لنصرة مليشيا الدعم السريع و داعميها المحلين و الإقليميين.

رئيس المفوضية الجديد، المعروف بنهجه الدبلوماسي المتزن، يحمل آمالًا للسودان في استعادة عضويته و إدانة المليشيات المتمردة و داعميها الإقليميين. زيارته لبورتسودان في أكتوبر 2024 و لقاؤه بالفريق أول عبد الفتاح البرهان عكسا دعمه الواضح للسيادة السودانية، حيث وصف الحرب بأنها “مفروضة على السودان”. هذه التصريحات، إلى جانب التوجهات الجديدة للمفوضية، تُعطي السودان أملاً في استعادة مكانته الإقليمية و إدانة المتمردين بشكل رسمي.

أما الجزائر، التي فازت بمنصب نائب الرئيس، فقد ظلت من أبرز الدول الرافضة للتدخلات الخارجية في الشؤون الإفريقية. دورها في التصدي مع جنوب أفريقيا لمنح إسرائيل صفة المراقب يمثل موقفًا مبدئيًا يعكس نهجًا إفريقيًا جديدًا في تعزيز استقلالية الاتحاد. انتخاب الجزائر و جيبوتي يعزز تحالفًا يُرجى منه إعادة التوازن داخل المنظمة و تقليص النفوذ الخارجي الذي يسعى إلى توظيف الاتحاد لأغراض سياسية محدودة.

هذه التغيرات تعكس رغبة القارة في تحرير قراراتها من الهيمنة الخارجية، مع التركيز على القضايا الأمنية و التنموية. و يظل الأمل معقودًا على أن تسهم القيادة الجديدة في تعزيز الديمقراطية، الحكم الرشيد، و دعم الدول التي تواجه أزمات اقتصادية و أمنية.

لعب السودان دورًا بارزًا في الانتخابات الأخيرة وترتيب المشهد عبر تحركات دبلوماسية قادها مجلس السيادة السوداني ، بحانب وزارة الخارجية، و الأجهزة الأمنية. هذه الجهود نجحت في تحييد العديد من الدول التي كانت تميل إلى مواقف مناوئة ما يعكس قدرة السودان على استثمار نفوذه الإقليمي و علاقاته الإفريقية رغم التحديات.

أعلن محمود علي يوسف بحسب “العربي الجديد” عن عزمه تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة. هذا التوجه يفتح المجال لدعم السودان في إعادة بناء بنيته التحتية المدمرة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. كما يمكن للاتحاد تحت قيادته أن يعيد تنشيط الوساطات الإقليمية لحل النزاعات المسلحة بأساليب إفريقية بعيدا عن التأثيرات الاقليمية و الدولية.

في السياق تعتبر خارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للإعداد لمرحلة ما بعد الحرب والتي تضمنت خطوات ملموسة مثل إطلاق حوار وطني شامل يضم كافة القوى السياسية باستثناء المتمردين و داعميهم. و دعت أيضًا إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لإدارة الفترة الانتقالية، و إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية، مع اشتراط إخلاء المتمردين للمرافق المدنية و رفع الحصار عن المدن المحاصرة مثل الفاشر.

حظيت هذه الخارطة بدعم من دول إفريقية عديدة، مثل مصر، الجزائر، جنوب إفريقيا، و السنغال، التي أبدت تأييدها لجهود السودان في استعادة الأمن و الاستقرار. هذا الدعم يعكس إدراكًا متزايدًا لخطورة المليشيات المتمردة وتأثيرها السلبي على الاستقرار الإقليمي. كما ينتظر بحسب مراقبين أن تجد هذه الخارطة الدعم الكامل من القيادة الجديدة للاتحاد الأفريقي.

إعادة عضوية السودان إلى الاتحاد الإفريقي ليست مطلبًا سياديًا فقط، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين السودان ودول القارة. في ظل القيادة الجديدة، تتجدد الآمال بأن يكون الاتحاد شريكًا حقيقيًا للسودان في مواجهة أزماته.

هذا و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن السودانيون، الذين أظهروا دعمًا واسعًا لخارطة الطريق، يأملون أن تجد هذه الخطوات صدى إيجابيًا في الاتحاد الإفريقي، وأن تسهم القيادة الجديدة في طي صفحة الخذلان و إعادة بناء الثقة بين السودان و المنظمة، بما يعكس تطلعات الشعوب الإفريقية قاطبة نحو أمن مستدام و مستقبل مشترك بعيدًا عن صراع النفوذ الإقليمي و الدولي علي موارد القارة.

دمتم بخير و عافية.
الأحد 16 فبراير 2025م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى