وجه الحقيقة … الحكومة تكشف عن تحولات في استراتجيتها لمجابهة التحديات … بقلم/ إبراهيم شقلاوي

المتابع للأحداث في السودان يمكنه أن يرى بوضوح أن البلاد تدخل مرحلة جديدة من التحولات الاستراتيجية في الجوانب السياسية والعسكرية بعد سلسلة من الانتصارات في مناطق حاكمة و حيوية في محور الخرطوم، و بحري، و سنار، و الجزيرة و دارفور من خلال قطع نسبة كبيرة من الإمداد القادم لمليشيا الدعم السريع عبر الصحراء.
هذه التحولات لا تقتصر فقط على الانتصار العسكري، بل هناك تحول في البنية السياسية و الاستراتيجية للدولة. و هي ربما تهدف إلى إعادة رسم الأولويات على الصعيدين العسكري و السياسي، حيث يعد ذلك فاصلاً بين مرحلة الحرب و مرحلة السلام و ذلك بفصل الخطاب العسكري عن الخطاب السياسي للحكومة بما يعكس إلتزام الحكومة بتأكيد سيادتها و إعادة بناء الدولة السودانية مع التركيز على دورها كسلطة شرعية قادرة على إدارة مستقبل البلاد على مختلف الأصعدة.
للمؤتمر الصحفي الذي عقدته الحكومة السودانية بالأمس في بورتسودان في هذا التوقيت أهمية بالغة، حيث جاء معبراً عن هذه التحولات. لذلك بحسب مراقبين لم يكن مجرد تنوير إعلامي حول سير المعارك و تطور الأحداث، بل مكن الحكومة من إعادة تقديم نفسها في المرحلة القادمة في مواجهتها للتدخلات الإقليمية التي تغذي المليشيا بالإمداد. لذلك يمثل هذا المؤتمر الصحفي خطوة استراتيجية نحو تعزيز دور الحكومة كسلطة حاكمة قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي بجانب تشكيل ملامح المرحلة المقبلة.
كذلك الملاحظ من خلال المؤتمر عملت الحكومة على إبراز هيبتها و قوتها علي المستوى الداخلي عبر التأكيد على الانتصارات العسكرية و المهددات الأمنية، كما أنها استعرضت دورها الإقليمي و الدولي في مواجهة التدخلات الخارجية و رفضها لأي تهديد لسيادتها. لذلك يمكننا القول أن توقيت المؤتمر كان مدروساً ليواكب التحول من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام، حيث أصبح واضحاً أنها تسعى إلى استعادة مكانتها ليس فقط على الساحة الداخلية و لكن أيضاً على الصعيدين الإقليمي و الدولي.
كذلك كان ظهور وزير الدفاع السوداني ،الفريق الركن يس إبراهيم، في هذا المؤتمر بمثابة خطوة استراتيجية تبرز التغيير في نهج الحكومة السودانية لأول مرة منذ اندلاع الحرب، منح هذا الظهور وزارة الدفاع فرصة للحديث مباشرةً الي الشعب السوداني و المجتمع الدولي. تطرّق الوزير إلى الانتصارات العسكرية في مناطق استراتيجية و فضح الدعم الإقليمي للمليشيا المسلحة، و في هذا السياق كان قد كشف عن تورط الإمارات و تشاد في تزويد المليشيا بالطائرات المسيرة، هذه الإدانة المعلنة و التي تمتلك الحكومة أدلة ظاهرة عليها كما أوضح الوزير يراها المراقبون أنها ربما بمثابة إعلان رسمي للبحث عن تسويات سياسية و دبلوماسية مع الأطراف الإقليمية.
و هو تأكيد على أن الحكومة السودانية لم تكتفِ بالنجاح العسكري على الأرض فحسب بل تسعى لتصعيد موقفها الإقليمي و الدولي. إن هذا التحول في خطاب الحكومة ربما رسم ملامح استراتيجية سياسية جديدة تهدف إلى إظهار حجم التحديات التي يواجهها السودان، مع التأكيد على حقه في الدفاع عن سيادته، هذا ما أكده أيضا حديث وزير الخارجية (علي يوسف الشريف) الذي تناول التصعيد العسكري للمليشيات المدعومة إقليمياً و أكد على أن هذه الأفعال تعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي. الوزير سلط الضوء على الأدلة التي يمتلكها السودان لفضح تورط هذه الدول في دعم المليشيا. هذا التصعيد الدبلوماسي يشير إلى تكثيف الجهود القانونية و الدبلوماسية في المرحلة المقبلة لفضح تدخلات الدول الإقليمية و هو ما يعكس نضوجاً في سياسة السودان التي تضع التحديات العسكرية، إلى جانب المواجهة السياسية كأدوات استراتيجية في سياق الأزمة.
أيضاً جاءت تصريحات وزير الإعلام و الناطق الرسمي باسم الحكومة (خالد الإعيسر) الذي أضاف بعداً آخر في سياق تعزيز قدرة الحكومة على فرض خطابات موحدة على الساحة الإعلامية. حيث ركزت على ضرورة حياد الإعلام و التزامه بالمهنية، كانت هذه الإشارة بحسب متابعاتنا من الأهمية بمكان في هذا التوقيت الذي ضعف فيه الأداء الإعلامي الرسمي للدولة مما خلق فراغاً في التعاطي مع الانتهاكات الوحشية التي ظلت تقوم بها المليشيا في قرى الجزيرة، و دارفور و ولاية الخرطوم.
لذلك من المهم إجراء محاولات إسعافيه لمخاطبة المجتمع الدولي عبر خطاب يعتمد تعريف الحرب في السودان وفقاً لرؤية الحكومة المسنودة بشرعية قانون القوات المسلحة السودانية و القانون الدولي و الإنساني، لذلك جاء تحذير (الإعيسر) إلى جميع الوسائل الإعلامية الخارجة عن الخط الوطني، و هذا فيه إشارة واضحة لضبط فوضي الإعلام التي اظهرتها بعض المنصات الإلكترونية و القنوات الفضائية، و قد أشار إلى أنه لن يكون لها مكان في السودان إذا لم تلتزم المهنية و هذا فيه رؤية واضحة لاستراتيجية الحكومة في تأكيد سلطتها في الفضاء الإعلامي، بما يخدم مصالحها الوطنية و يعزز استقرار البلاد.
عليه و كما نرى من وجه الحقيقة أن التنسيق بين الخطاب العسكري و الخطاب السياسي يعكس تحولاً جذرياً في استراتيجية الحكومة السودانية للمرحلة القادمة. هذه الاستراتيجية لا تقتصر على مواصلة الحرب ضد المليشيات فحسب، بل تشمل أيضاً تحولاً في آليات التفاعل مع المجتمع الدولي و الإقليمي. كما أن تصريحات الوزراء الذين اجتمعوا في منصة المؤتمر الصحفي كفريق عمل متجانس تؤكد القدرة على الفصل بين مرحلتي الحرب و السلام مع العمل على تحقيق توازن بين القوة العسكرية و الشرعية السياسية. هذا التنسيق يعزز موقف السودان في مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية و يضعه في موقع القوة لتحديد مستقبل البلاد في اليوم التالي من الحرب.
دمتم بخير و عافية.
الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com