
تشير مصادر متعددة إلى أن هناك جهودًا جارية لاختيار رئيس مجلس الوزراء لقيادة المرحلة الانتقالية في السودان عقب انتهاء الحرب. و يتوقع أن يحمل هذا الاختيار مفاجآت تتجاوز الأسماء المطروحة سابقًا، إذ بات الواقع السياسي و الاجتماعي أكثر تعقيدًا مما يستدعي رؤية جديدة تأخذ في الاعتبار تحديات المرحلة الراهنة. حيث يعد اختيار رئيس مجلس الوزراء قرارًا جوهريًا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، إذ تواجه الحكومة المرتقبة تحديات داخلية معقدة، و ضغوطًا إقليمية و دولية تفرض نفسها على المشهد السياسي.
و من ثم، فإن المعايير التي يتم وفقها اختيار هذه الشخصية يجب أن تراعي هذه التعقيدات لضمان قيادة قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق التطلعات الوطنية. في هذا المقال نحاول مناقشة هذه التحديات و بعض الشخصيات المطروحة بجانب فرص الاختيار المتاحة أمام القيادة السودانية التي تعمل على استقرار البلاد.
لعلنا جميعًا متفقون على أن السودان يحتاج في هذه المرحلة إلى رئيس وزراء شاب، يمتلك قاعدة علمية و خبرة اقتصادية تؤهله لفهم المتغيرات الإقليمية و الدولية، و يتمتع برؤية واضحة و حاسمة في مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية. يأتي ذلك في وقت يعتزم فيه رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان تسمية رئيس وزراء خلال الفترة القريبة المقبلة، وفق التعديلات الدستورية التي منحته صلاحية الاختيار.
كشفت تقارير “الكرامة” عن قائمة من الأسماء المرشحة، من بينهم وزير الخارجية (د.علي يوسف)، و (د.كامل إدريس)، و البروف (محمد الأمين) بجانب البروف (هنود أبيا كدوف). ظني أن هذه الأسماء جميعها لا تتجاوز مزاج أو أشواق بعض النخب و الأكاديميين و ربما بعض قيادات الرأي، على اعتبار أنها جميعًا تتفق في استقلاليتها عن الأحزاب السياسية السودانية بجانب كونها شخصيات مهنية في مجالات أعمالها.
لكن في تقديري، هذا ليس كافيًا حتى نقدم أحدًا منهم لقيادة الحكومة في هذه الظروف المعقدة. فنحن بحاجة إلى شخصية مختلفة تمامًا في تجربتها الحياتية، إذ أن امتلاك الرؤية و التأثير و الكاريزما يجب أن يوضع على رأس الأولويات، بالإضافة إلى البراغماتية السياسية و القدرة على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع دون تعقيدات، هذا بالإضافة إلى مواكبة التطورات الإدارية و التكنولوجيا الحديثة، والقدرة على اتخاذ القرار، والتمتع بالمصداقية. بالتأكيد شخص بمثل هذه المواصفات سيكون أقرب لتطلعات الشعب السوداني في هذه المرحلة، الذي يجب أن يكون شريكًا في هذا الاختيار من خلال أرضاء تطلعاته وفقًا لهذه المعايير.
كما أن هناك مطالبات واسعة بضرورة أن يكون رئيس الوزراء القادم من الشخصيات ذات الكفاءة العالية و غير الحزبية لضمان الاستقرار السياسي و الاقتصادي. لذلك تعيين رئيس وزراء بكامل الصلاحيات أمر ضروري لمواجهة التحديات الأمنية و إعادة بناء المؤسسات، خاصة مع استمرار المعارك و تأثير الحرب على الوضع الاقتصادي و المعيشي. كذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن فترة حكومته مفترض أن تكون أربعة أعوام على الأقل، بحسب الوثيقة الدستورية المعدلة للعام 2025. هذه الفترة ليست سهلة، لذلك يجب أن يكون الاختيار دقيقًا و فاحصًا، مخافة أن تسقط حكومته قبل إكمال شوطها المقرر.
الواضح ان تعيين رئيس وزراء مناسب سيحدد ملامح المرحلة المقبلة، فإما أن يكون عامل استقرار ونهوض، أو أن يؤدي الاختيار الخاطئ إلى استمرار الأزمات. السودان بحاجة إلى قيادة تنفيذية واعية، تمتلك رؤية واضحة، و تضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات بعيدًا عن الحسابات الضيقة و التأثيرات الخارجية.
إن اختيار رئيس الوزراء بعد الحرب يواجه عدة عقبات، أبرزها الانقسامات السياسية بين مختلف الأطراف، لا سيما بين القوى المدنية والعسكرية. فالسودان يعاني من إرث طويل من الصراعات، حيث يسعى كل طرف لضمان مصالحه في التشكيل الحكومي المقبل. في ظل هذه التحديات، فإن رئيس الوزراء الجديد، ولضمان نجاح مهمته، يجب أن يعمل على بناء توافق وطني، بجانب التمتع بدعم داخلي واسع من مختلف القوى السياسية والمدنية، إضافة إلى امتلاك رؤية اقتصادية واضحة لإخراج البلاد من الأزمة . كما يجب أن يكون لديه مهارات دبلوماسية تمكنه من التعامل مع الضغوط الخارجية و الإقليمية بحكمة.
في جانب التأثيرات الإقليمية و الدولية، يلعب العامل الإقليمي دورًا مهمًا في تحديد ملامح الحكومة السودانية القادمة. فالسودان، الذي يقع في منطقة ذات أهمية استراتيجية، يتأثر بالتوازنات الإقليمية بين دول الجوار، التي قد تسعى للتأثير على عملية اختيار رئيس الوزراء لضمان مصالحها. كما أن المجتمع الدولي، خاصة القوى الكبرى والمؤسسات المالية، يراقب هذه العملية عن كثب، حيث يكون مدى قبول المرشح إقليميًا ودوليًا عاملًا مؤثرًا في تحديد الأسماء المطروحة. لذلك يجب على المؤسسات الوطنية، وعلى رأسها الجيش مسنودا بالشعب السوداني، العمل على توفير الضمانات اللازمة لدعمه، لتجنيبه التأثيرات والضغوط المحتملة.
في ظل هذه التحديات، فإن اختيار رئيس مجلس الوزراء في السودان يجب أن يستند إلى معايير واضحة تشمل الكاريزما و الكفاءة، والقدرة على إدارة الأزمات، و حساسية التعامل مع الملفات الإقليمية و الدولية. فالسودانيون يتطلعون إلى قيادة تنقل البلاد من حالة الاضطراب إلى مرحلة جديدة من الاستقرار و البناء، مما يستوجب رؤية استراتيجية و شخصية قيادية جامعة يفخر بها السودانيون قاطبة، و يتطلعون عبرها إلى استعادة أمنهم و حياتهم الطبيعية و استقرار مجتمعاتهم و نهضتها أسوة بدول المنطقة.
بناءً على ما سبق، ترجح المصادر أن القادم هو أحد الشباب، قادمًا من خارج السودان، سبق أن ختم دراسته العليا بجامعة الخرطوم، ثم انتقل إلى إحدى الدول الأوروبية، و منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعيش الآن. و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، فإن نجاح السودان في تجاوز هذه المرحلة يتطلب توافقًا سياسيًا حقيقيًا بين الأطراف المختلفة، بما يضمن الاستقرار السياسي، و يؤسس لمرحلة جديدة من الحكم الرشيد والتنمية المستدامة. التوقعات تشير إلى أن هذا الشخص، إذا ما تم اختياره، سيقدم تجربة تاريخية جديرة بالاحترام و التقدير.
دمتم بخير و عافية.
الإثنين 24 فبراير 2025 م.
Shglawi55@gmail.com