وجه الحقيقة … السودان و الإمارات: صراع السيادة و النفوذ ؟! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في سياق متشابك من التحركات السياسية أصدرت الخارجية الإماراتية بياناً أول أمس تعبيراً عن موقفها تجاه الوساطة التركية الساعية للجمع بينها و بين الحكومة السودانية. هذا البيان يتزامن مع مرحلة حساسة من الحرب في السودان، التي تنشط فيها التدخلات الإقليمية و الدولية، ما يعكس تعقيداً في مسار الحلول. في هذا المقال نسعى لتحليل أبعاد الموقف الإماراتي مقروناً بأبعاد السيادة الوطنية السودانية ،كما نستعرض تداعيات هذه التحركات على المسار السياسي المستقبلي للسودان هذا بالنظر الي تحركات الجيش الفاعلة على الأرض في عدد من محاور القتال و استرداده لمناطق استراتيجية.
تعتبر الوساطة التركية خطوة محورية في جهود البحث عن حل سياسي للحرب. تلك الوساطة تحظى بترحيب الحكومة السودانية، كما أنها تأتي في وقت يتزايد فيه دور تركيا في المنطقة خصوصاً بعد مشاركتها الفاعلة في تسوية الأزمات في سوريا و القرن الأفريقي، و لكن يظل السؤال المطروح: كيف يلتقي هذا الموقف مع سياسة الإمارات؟ حيث يظهر البيان الإماراتي بمثابة دعم للمبادرة التركية، و لكن في جوهره يبدو أن الإمارات تسعى لاستغلال هذه المبادرة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في السودان و المنطقة حيث يظهر قبولها بالمساعي التركية كمحاولة لتأكيد هذه المصالح.
هذا الترحيب يثير تساؤلات خاصة في ظل دعمها المعلن لمليشيا “الدعم السريع” التي حاولت الانقلاب على السلطة في منتصف أبريل من العام الماضي بدعم إقليمي وسند من بعض القوى السياسية السودانية، لذلك العلاقة التاريخية بين الإمارات و مليشيا الدعم السريع تضفي على الموقف الإماراتي طابعاً معقداً مما يجعل من الصعب على الحكومة السودانية تصديق نوايا الإمارات في وقف الحرب. من جهة أخرى نجد أن الموقف السوداني واضح في رد الخارجية السودانية بالأمس على البيان الإماراتي، حيث تمسّك السودان فيه بسيادته الوطنية، مع رفض أي تدخلات إقليمية قد تضر بمصالحه أو تعزز النفوذ الخارجي في الشؤون الداخلية، و أدان التورط الإماراتي في دعم مليشيا الدعم السريع التي يعتبرها الشعب السوداني و حكومته تشكل تهديداً للأمن القومي و السيادة الوطنية بالرغم من ذلك خلا البيان من مطلوبات التفاوض المحتمل الذي تقوده تركيا.
لذلك بحسب مراقبين يظهر الموقف السوداني على أنه دفاعي أكثر من كونه دبلوماسي في التعامل مع الوساطة. الواضح أن السودان يرى أن التدخلات الإقليمية قد تؤدي إلى تعميق الأزمة بدلاً من حلها بالنظر إلى الدعم الإماراتي للمليشيات المسلحة الذي يتناقض مع الدعوات التي تطلقها للسلام. الحكومة السودانية ترى أن مثل هذه التدخلات تشكل تهديداً حقيقياً لأمن البلاد بل قد تعيق التوصل إلى حلولٍ سلمية مستدامة بالرغم من ذلك رحب بيان الخارجية بالدور التركي.
في ظل هذه التطورات لا بد من الأخذ في الاعتبار رؤية المجتمع الدولي والإقليمي لتحقيق تسوية ما في السودان بحسب رؤية إطفاء الحروب التي بدأت تنشط فيها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وفقا لما أعلنه ” ترامب” مؤخراً.
يأتي البيان السوداني ليكون رداً قوياً على التدخلات الإماراتية، و التي قد تُفهم على أنها محاولة لفرض حل سياسي يخدم مصالح دولية أو إقليمية على حساب الاستقلال السياسي للبلاد. النقطة الأكثر حساسية تكمن في دعم الإمارات المباشر لقوات “الدعم السريع”، حيث يعتبر السودان أن هذا الدعم ليس مجرد دعم عسكري بل يشمل أيضاً الدعم السياسي و الدبلوماسي. يرى عددٌ من المراقبين أن الوساطة التركية تُعد جيدة للسودان من أجل تجاوز الحرب نظراً إلى أن تركيا تتمتع بعلاقات قوية مع السودان بما يمكنها من توجيه الأطراف السودانية نحو حل يعيد السلام و الأمن للسودانيين.
و مع ذلك يجب أن تكون هذه الوساطة مدعومة بتوافق داخلي في السودان، بحيث يشمل جميع الأطراف السياسية، هذا بالنظر إلى تقدم القوات السودانية في جبهات القتال، فإن الحلول العسكرية قد تحسن موقف أو تعجل بحسم المليشيا لكن لا تكفي لضمان الاستقرار السياسي المستدام. في هذا السياق يُنتظر من الوساطة التركية أن تساهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المختلفة، مع تأكيد الدور الإقليمي و الدولي في دعم هذه المبادرة بالنظر إلى التحركات الدبلوماسية الأخيرة، مثل زيارة وزير الخارجية التركي إلى أبوظبي، و زيارة وزير الخارجية السوداني إلى القاهرة، و زيارة نظيره المصري إلى تشاد، و زيارة نائب وزير الخارجية السعودي إلى بورتسودان، و الحديث عن مساعي مصرية لاستضافة مؤتمر للحوار السوداني خلال فبراير القادم أو ربما قبل ذلك لكن تظل هناك تحديات كبيرة أمام التنسيق الفعّال بين الأطراف الإقليمية و الدولية.
لذلك من المهم أن تسعى القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي، بالكف عن ضغط الحكومة السودانية و تقديم دعم ملموس للمبادرة التركية باعتباره مدخلاً مناسباً للحل بجانب الضغط على المليشيا و داعميها لضمان نجاح الوساطة حتي يكون بالإمكان ترتيب اليوم التالي من الحرب في حال نجحت تركيا في هذه الوساطة. قد يكون السودان على موعد مع تحولات سياسية حقيقية تقوده إلى الاستقرار ، و لكن إذا استمرت التدخلات الإقليمية و الدولية في التصعيد فإن الصراع قد يستمر و يزداد تعقيداً.
عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة يبقى تأكيد السيادة الوطنية السودانية هو العنصر الأبرز في أي تسوية سياسية محتملة، كما تظل أهمية التوافق بين الأطراف السودانية الداخلية و التنسيق بين القوى الإقليمية و الدولية مُهمّاً باعتباره مدخلاً لوقف الحرب و استعادة الأمن و السلام، بينما استمرار التدخلات الإقليمية قد يؤدي إلى اطالة أمد الحرب التي ليس للسودانيين فيها خيار غير الصمود و دعم الجيش.
دمتم بخير و عافية.
الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com