وجه الحقيقة … الشهادة السودانية : الكرامة مركز إمتحان؟!..بقلم/ إبراهيم شقلاوي

منذ منتصف أبريل 2023 يخوض الشعب السوداني معركة مصيرية ضد مليشيا الدعم السريع و داعميها المحليين و الإقليميين، معركة لا تقتصر فقط على ساحات القتال بل تتعدد وجوهها و مظاهرها في مختلف مناحي الحياة اليومية. و من أبرز هذه التمظهرات التي نعيش هي امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة. ففي الوقت الذي يتوجه فيه أبناء و بنات السودان اليوم إلى مراكز امتحاناتهم لا يمكن تجاهل أن هذه الامتحانات تشكل علامة فارقة في معركة الصمود و الكرامة التي ظل يخوضها هذا الشعب النبيل.
إن امتحانات الشهادة السودانية لهذا العام التي كانت قد تأجلت بسبب ظروف الحرب، تمثل تحدياً كبيراً يتطلب تكاتف الجهود على كافة الأصعدة، فإلى جانب الدعم الذي يجب أن يقدمه المواطنون للطلاب في جميع النواحي و المجالات، نرى في هذه اللحظة من الأهمية أن نجعل هذا التحدي بمثابة اختبار جماعي لقدرة الشعب السوداني على الصمود و وحدة الصف و تجاوز الخلافات و الصراعات السياسية الصفرية البائسة التي أورثتنا الحرب و الخراب.
كما نتابع مع تزايد هذه التحديات، قامت الحكومة السودانية باتخاذ إجراءات استثنائية لضمان سير الامتحانات بشكل آمن وفعّال . في حديثه لوكالة السودان للأنباء “سونا” ، أكد وزير التربية والتعليم الاتحادي، د. أحمد خليفة عمر ، على أن الوزارة قد أكملت الترتيبات التنظيمية اللازمة لقيام امتحانات الشهادة السودانية في 28 ديسمبر 2024 التي ستُجرى في “2300” مركز امتحاني عبر البلاد ، بمشاركة “343644” طالبًا وطالبة. كما أوضح الوزير أن عملية طباعة الامتحانات تمت داخل السودان ، في مدينة عطبرة ، باستخدام أحدث الأجهزة ، في خطوة تعكس قدرة البلاد على تجاوز التحديات اللوجستية .
وأشار الوزير في رسالة للداخل والخارج إلى أن الحكومة قد ضمنت تأمين المراكز بشكل كامل من خلال التنسيق مع القوات الأمنية، و خاصة الشرطة التي تتمتع بخبرة تراكمية في تأمين مثل هذه العمليات الحساسة. كما قدم الدكتور (أحمد خليفة) شكره لمجلس السيادة، و ولاة الولايات، و للمعلمين، و الطلاب و أسرهم، و أجهزة الإعلام و كافة الشعب السوداني. كذلك لا يمكن إغفال دور الجيش السوداني في تأمين العملية التعليمية و حماية مراكز الامتحانات.
فقد ساهم بشكل كبير في استقرار الأوضاع الأمنية في العديد من المناطق مما كان له الأثر البالغ في تمكين الطلاب من أداء الامتحانات في بيئة آمنة. كذلك دور المجتمعات المحلية في توفير الترحيل و الوجبة للممتحنين، إن هذا الدور يعكس تلاحم القوات المسلحة مع الشعب في مواجهة التحديات الأمنية التي فرضتها هذه الظروف الصعبة. كما بذلوا أولياء أمور الطلاب جهوداً كبيرة لضمان توفير الأجواء الملائمة لأبنائهم لمواصلة تعليمهم و قد أثبتوا أنهم شركاء أساسيون في معركة الصمود حيث كان دعمهم اللا محدود دافعاً قوياً للطلاب لخوض هذا التحدي.
كما أن هناك دعما مقدراً لهذه الامتحانات من المجتمع الدولي؛ فقد أبدت العديد من المنظمات الأممية مثل اليونيسف و المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين استعدادهما الكبير لدعم العملية التعليمية ، خاصة للطلاب الذين يواجهون صعوبات بسبب النزوح أو اللجوء. ذلك بحسب الوزير الذي أشاد بدور الدول الشقيقة والصديقة في تسهيل إجراء الامتحانات على أراضيها مثل المملكة العربية السعودية ومصر وسلطنة عمان وعدد من الدول التي يتواجد فيها الطلاب والطالبات، وأكد أن هذا الدعم يعكس روح التضامن العربي والإفريقي في أوقات الأزمات .
تُعد هذه اللحظة أيضاً فرصة لإرسال رسالة في بريد ألذين تآمروا على بلادنا لاستراتيجيات تخصهم أو أجندات إقليمية، على رأسهم دولة تشاد التي لم تُراعِ حقوق الجيرة بتدخلها السافر في الحرب على بلادنا و لم تُقدّر تضحيات السودانيين لأجل أمنها. فالتاريخ ذاكرته متقدة و كتابه حاضر، إن تشاد رفضت إقامة امتحانات الشهادة السودانية على أراضيها متعذرة بحجج واهية لا تنطلي على أحد، لكن عليهم أن يكتبوا هذا الخذلان على جدران مدارسهم و جامعاتهم ، و على تلك الحوائط المعلقة عليها الإجازات العلمية التي منحها السودان لطلابهم منذ الدراسة الابتدائية و إلى ما فوق الجامعة و ليعلموا أن السودان لن ينسي من كان سبباً في العبث بأمنه و نزوح مواطنيه.
لذلك و نحن في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها بلادنا، يبقى ضمان استقرار العملية التعليمية أحد أعظم أولويات الحكومة كما تبقى الشهادة السودانية قضية أمن قومي تحتاج إلى جهدنا جميعاً. إن امتحانات الشهادة السودانية لهذا العام بحسب ما نرى من وجه الحقيقة ليست مجرد اختباراً أكاديمياً، بل هي بمثابة معركة جديدة من معارك الكرامة والصمود قرر الشعب أن يخوضها بذات العزيمة و ذات الشموخ و الكبرياء ليثبت أنه قادر على الحفاظ على كرامته و تأكيد استقلاله و إرادته، كما يظل هذا الحدث الوطني مدعوماً بإصرار أولياء أمور الطلاب على دعم أبنائهم في هذه الظروف الصعبة بما يعكس قوة إرادة هذا الشعب. فكلما نجحنا في تجاوز هذه التحديات بعثنا رسالة قوية إلى العالم بأن الشعب السوداني قادر على النهوض دوماً، و أنه لن يتوقف عن السعي نحو بناء مستقبل أفضل يحكمه العدل و سيادة حكم القانون مهما كانت الظروف و التحديات.
دمتم بخير و عافية.
السبت 28 ديسمبر 2024 م Shglawi55@gmail.com