وجه الحقيقة … تصريحات صادمة تستوجب المساءلة القانونية .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في هذا المقال نتناول التطور المفاجئ الذي كشف من خلاله المقدم (عبد الله سليمان) عضو لجنة إزالة التمكين عن تفاصيل صادمة تداولتها وسائل الإعلام المحلية. في تسجيلات صوتية مثيرة تحدث سليمان عن علاقة مشبوهة بين تنسيقية القوى المدنية (تقدم)، و “مليشيا الدعم السريع”، متهماً شخصيات سياسية بارزة بالضلوع في تحالفات غير قانونية مع هذه المليشيا قبل اندلاع الحرب. التصريحات التي أدلى بها سليمان تشمل اتهامات خطيرة بالفساد المالي، و الابتزاز السياسي، و تحقيق أجندات مشبوهة و التورط في التخطيط لانقلاب.
هذه الاعترافات تأتي في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للسودان، حيث تثير تساؤلات جوهرية حول تورط هذه الشخصيات في إشعال الحرب الدائرة، كما تؤثر بشكل مباشر على المسار السياسي الذي يعاني من حالة من الفوضى و الصراع على السلطة. و كما أظهرت التصريحات، فإن المقدم (عبد الله سليمان) لم يقتصر على الحديث عن هذه التحالفات المشبوهة فقط، بل أشار إلى دفع الأموال من “مليشيا الدعم السريع” لقادة في قوى الحرية و التغيير، مثل (طه عثمان إسحق) و (ياسر عرمان) وآخرين قبل اندلاع الحرب. هذا يثير العديد من التساؤلات حول أموال غير الشرعية قد تكون قد سهّلت توسع نفوذ المليشيا في البلاد ما ساعد علي إذكاء التوترات السياسية و يزيد من تأجيج الحرب.
أحد أبرز النقاط التي طرحها المقدم عبد الله سليمان في تصريحاته هو اتهام (صلاح مناع) المستشار السياسي لقوات الدعم السريع بالابتزاز السياسي، حيث ذكر سليمان أن (مناع) قد مارس ضغوطاً هائلة على قادة قوى الحرية و التغيير لعدم فتح بلاغات ضد شخصيات معينة. هذا يطرح تساؤلات حول استقلالية الإجراءات القانونية و القرارات السياسية في تلك الفترة، و يعزز الشكوك بأن العديد من القرارات السياسية لم تكن تُتخذ بناءً على مصلحة الشعب السوداني بل وفقًا لمصالح شخصية أو حزبية ضيقة.
كما أشار سليمان إلى أن كوادر حزب البعث كانت تسيطر على مكتب لجنة إزالة التمكين بمطار الخرطوم، حيث كان يتم تنفيذ عمليات فساد مالي مثل مصادرة الذهب لصالح أفراد معينين. هذه الاتهامات تُضاف إلى السجل المتزايد من القضايا المرتبطة بالفساد السياسي و المالي في السودان خلال فترة “قحت” مما يستدعي تحقيقاً دقيقاً و مستقلاً بعيداً عن التأثيرات السياسية.
مفاجأة أخرى طرحها المقدم عبد الله سليمان كانت عن دور بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس)، التي لعبت دوراً في تدريب بعض أعضاء قوى الحرية و التغيير على تدريبات أمنية تضمنت استخدام لغة الإشارة و هو ما يثير تساؤلات حول أهداف الأمم المتحدة في دعم أطراف سياسية معينة في السودان أو خلق جواسيس. هذا التسريب يكشف عن تدخلات خارجية في البلاد التي سعت لاستغلال الوضع السياسي المعقد لصالح أجندات خاصة، مما يزيد تعقيد الموقف في وقت كان من المفترض أن تركز فيه الأمم المتحدة على جوانب الإصلاح السياسي و القانوني و تعزيز حقوق الإنسان.
تستمر تصريحات عبد الله سليمان في إثارة التساؤلات حول حجم تأثير القوى السياسية المحلية و الأجنبية على المشهد السوداني. فمن جهة كشفت التصريحات عن علاقة وثيقة بين قوى الحرية والتغيير و”مليشيا الدعم السريع” عبر (عبد الرحيم دقلو) ما يعزز الاتهامات التي سبق أن طالت هذه القوى حول تورطها في دعم انقلاب حميدتي في أبريل (2023م)، حيث تم تسليم مواقع حيوية إلى “الدعم السريع” مثل (قصر الصداقة) و (مدرسة المجلس الأفريقي) من قِبَل لجنة إزالة التمكين. هذا يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جديدة حول ما إذا كان هناك تعاون مسبق بين تنسيقية القوى المدنية و”الدعم السريع”، و هو ما يستدعي تحقيقاً قانونياً موسعاً في هذه العلاقة المشبوهة التي ربما تحدد مستقبل (تقدم) في العملية السياسية بعد الحرب.
و منذ سقوط نظام الرئيس (عمر البشير) كانت لجنة إزالة التمكين تهدف إلى إزالة التمكين السياسي و الاقتصادي الذي تمتع به أفراد النظام السابق. و لكن مع مرور الوقت تكشفت ممارسات اللجنة ، ما في ذلك إقصاء خصوم سياسيين، حيث أصبح واضحاً أن العديد من قرارات اللجنة كانت تهدف إلى إبعاد شخصيات سياسية تمثل حزب المؤتمر الوطني، بدلًا من تركيز الجهود على محاربة الفساد. تصريحات سليمان حول ابتزاز شخصيات مثل (الواثق البرير) و (عمر الدقير) تكشف عن مستوى عميق من الفساد داخل هذه اللجنة.
رغم خطورة الاعترافات التي قدمها المقدم سليمان، تبقى هذه التصريحات بحاجة إلى تدقيق قانوني شامل قبل البناء عليها. عليه لا بد من أن يقدم المقدم سليمان نفسه للإدلاء بشهادته بصورة قانونية، كما يجب على الأجهزة العدلية فتح تحقيق رسمي مستقل يشمل جميع الشخصيات المتورطة للتحقق من صحة هذه الاتهامات المتعلقة بالابتزاز و الفساد و التحالفات المشبوهة. يجب أن يتم التعامل مع هذه الإفادات كنقطة انطلاق للتحقيقات القانونية. كما أشار سليمان إلى تورط بعض الشخصيات في عمليات فساد مالي، مثل صرف الأموال الخاصة بالدولة في صفقات مشبوهة مما يستدعي تدخل الجهات القضائية بشكل عاجل للتحقيق في هذه الوقائع.
من هنا و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة إذا صحت هذه الاتهامات، فإنها تمثل خرقاً خطيراً للقانون و تهديداً للأمن القومي السوداني، ما يفتح المجال لملفات فساد يجب معالجتها عبر تطبيق القانون قبل التطرق للعملية السياسية المستقبلية. كما أنها تكشف عن تفاصيل مهمة قد تقودنا لفهم ديناميكيات الحرب في السودان و تداخلاتها السياسية، لذلك يجب على السلطات المختصة التحرك بسرعة لإجراء تحقيقات شاملة خاصة في ظل الوضع السياسي الراهن الذي يتطلع فيه السودانيون إلى استعادة الأمن و السلام و العدالة.
دمتم بخير و عافية.
الجمعة 20 ديسمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com