مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … جبل أولياء : بين الانتهاكات و تحديات المناخ .. بقلم/إبراهيم شقلاوي

يتعرض خزان (جبل أولياء) هذه الأيام لتهديدات متزايدة نتيجة لتعطيل مليشيا الدعم السريع صيانته مما يرفع من احتمالية انهياره كلياً أو جزئياً في ظل الموارد العالية للمياه من النيل الأبيض نتيجة استخدم قفل بوابات التصريف كسلاح للضغط علي الحكومة الذهاب إلى تفاوض مستغلة في ذلك تغيرات المناخ في الأحباس العليا التي جادت بتدفقات كبيرة من المياه نتيجة ارتفاع مناسيب بحيرة فكتوريا منذ أربع سنوات، و هي ظاهرة سبق أن حدثت في ستينات القرن الماضي و أثرت بشكل كبير على تدفق المياه في النيل الأبيض. ما يزيد من تعقيد الوضع هو تعطل العمل في إدارة جسور النيل الأبيض التابعة لوزارة الرأي التي كانت مسؤولة عن تقديم الدعم الفني اللوجستي للمواطنين على ضفتي النهر.

كما لا يمكن تجاهل الانتهاكات المتكررة للقوانين الدولية المتعلقة بحماية البنية التحتية من قبل مليشيا الدعم السريع، حيث يجري الآن تعطيل متعمد لصيانة الخزان و تشغيله باعتباره في أماكن سيطرتها، ذلك التعطيل يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان و القوانين الدولية التي تحظر استهداف أو استغلال المنشآت الحيوية في أوقات الحروب و النزاعات كسلاح. لذلك كان من المهم أن تظل أماكن السدود مناطق آمنة في الحرب حتى يتسنى تشغيلها و صيانتها بفرق طوارئ المتخصصة.

تشهد ولاية النيل الأبيض هذه الأيام واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي مر بها السودان في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع غير مسبوق لمنسوب مياه النيل الأبيض، و الذي كان نتيجة تزايد الفيضانات القادمة من بحيرة فيكتوريا والأمطار الغزيرة التي أغرقت الحوض، كان خزان جبل أولياء الذي يقع على بعد نحو (40) كم من الخرطوم هو العنصر المحوري الذي أدى إلى تفاقم الوضع، حيث ارتفعت المياه إلى مستويات غير مسبوقة بسبب تأخر أعمال الصيانة و عدم فتح بوابات الخزان. هذه الفيضانات تسببت في غمر مئات القرى و أتلفت المزارع و سببت نزوحاً جماعياً للسكان مما أدخل المنطقة في أزمة إنسانية خانقة.

كشفت هذه الازمة عن غياب للتنسيق الفعّال بين وزارة الري و الجهات المعنية بتفعيل نظام الإنذار المبكر الذي كان من المفترض أن يكون أحد الأدوات الرئيسية لمواجهة هذه الفيضانات بالتنسيق مع إدارة حوض النيل، الواضح لم تتم الاستفادة الكافية منه لتحذير المجتمعات المحلية و تفعيل خطط الطوارئ بشكل مبكر. كان ينبغي أن تتم دراسة الوضع في منابع النيل الأبيض من قبل فِرق مختصة قبل وقت كافي، و أن يتم التنسيق مع وزارة الري لتوجيه الفرق الفنية إلى الخزان و تنظيم عملية فتح البوابات في وقت مناسب بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية بتنسيق الأدوار، خاصة أن الخزان يمثل عنصراً حاسماً في احتواء هذه الكارثة. الملاحظ حتي الآن لم يصدر بيان من الوزارة للتوضيح كأنما الأمر لا يعنيها يبدو أن ذلك عملا بالقاعدة الفقهية (إن السكوت في معرض الحاجة بيان.)

لقد أضافت أزمة مليشيا الدعم السريع بُعداً إضافياً للأزمة الإنسانية في ولاية النيل الأبيض، حيث منعت فرق الصيانة و التشغيل من دخول الخزان، إذا كانت هذه الفرق قد تمكنت من أداء مهامها بفعالية لتم تقليل أثر الفيضانات بشكل ملحوظ مما كان سيساعد في احتواء الكارثة. إن عرقلة هذه الجهود من قبل المليشيا تمثل خرقاً للقوانين، حيث تعد الاتفاقيات الدولية ، مثل اتفاقية جنيف لعام (1949)، من الركائز الأساسية في حماية المنشآت الحيوية خلال الحروب و النزاعات. تحظر هذه الاتفاقيات إستخدام المنشآت المدنية التي تهدد حياة المدنيين في وقت النزاع بما في ذلك السدود و المرافق المائية كسلاح. إذا تم تطبيق هذه القوانين بصرامة كان من الممكن أن تحظى منشآت مثل خزان جبل أولياء بتنسيق الجهود الدولية لضمان صيانتها و الحفاظ على سلامتها.

أظهرت تجارب عدة في مناطق النزاع حول العالم دور المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة في ضمان حماية المنشآت الحيوية. ففي مناطق مثل العراق و سوريا والبوسنة لعبت المنظمات الدولية دوراً محورياً في التنسيق بين أطراف الحرب لضمان حماية البنى التحتية الحيوية ،بما في ذلك السدود، و تأمين وصول فرق الصيانة في الوقت المناسب حيث يتم إنشاء آليات خاصة لضمان ألزم الأطراف المتنازعة بالقوانين. في السودان كان من الممكن الاستفادة من هذه التجارب خاصة في الظروف الحالية التي تعيشها البلاد ، لتجنب الكوارث الإنسانية المحتملة.

خزان جبل أولياء، الذي تم إنشاؤه في عام (1938) تحت الإدارة المصرية يُعد أحد أقدم و أهم المنشآت المائية في السودان. يلعب الخزان دوراً حيوياً في تأمين المياه لري الأراضي الزراعية، و يُعتبر نقطة حيوية لضمان استمرارية الحياة في المنطقة، إلا أن فشل صيانته أو انهياره قد يتسبب في كارثة إنسانية كبيرة، حيث يمكن أن يفيض النيل الأبيض بكميات ضخمة من المياه لتغمر العديد من المناطق السكنية و الزراعية. هذا الانهيار المحتمل قد يؤدي إلى كارثة بيئية و اقتصادية تهدد استقرار المنطقة و تؤدي إلى نزوح جماعي للمواطنين.

عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن الأزمة التي تعرضت لها ولاية النيل الأبيض بسبب قفل بوابات خزان جبل أولياء تبرز بشكل حاد ضرورة تعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية المختصة و تطبيق المعايير الدولية لحماية المنشآت الحيوية خلال فترات الحروب و النزاعات. كما يجب عدم السماح للمليشيا بمحاولة ابتزاز الحكومة و استخدم قفل بوابات الخزان كورقة ضغط لإجبارها علي التفاوض و هو ما يتطلب استجابة فعالة و سريعة من جميع الأطراف المعنية. فإن سرعة استعادة الجيش السوداني للأمن في المنطقة و التنسيق مع المجتمع الدولي يعد خطوة مهمة نحو حماية السودان من هذه الكوارث و يعطي الأمل للمواطنين في استعادة الامن و السلام و الاستقرار في أقرب وقت ممكن.
دمتم بخير و عافية.
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى