مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … (حمدوك) يبيعنا خمراً ! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في خضم الصراع الذي يعيشه السودان منذ أبريل 2023، يطل رئيس الوزراء السابق د. (عبد الله حمدوك) بنداء جديد أول أمس تحت عنوان “نداء سلام السودان”، حاملاً معه خطابًا يبدو في مظهره دعوة لإنهاء الحرب، لكنه في جوهره يعيد إنتاج نفس الأطروحات التي أثبتت فشلها، متجاهلًا المتغيرات التي أفرزها الواقع السوداني بعد عامين من الحرب.

حمدوك يدعو لاجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي و مجلس السلم و الأمن الأفريقي بحضور قادة الأطراف المتحاربة، لكنه يتجاهل أن مثل هذه الدعوات سبق أن قُدمت مرارًا و لم تُفضِ إلى نتائج عملية، خاصة و أن السودان بات يُدرك جيدًا أن الحل لن يأتي عبر أجندات إقليمية أو دولية بل من خلال إرادة الشعب الذي يثخن علي الأرض. كما أن وضع الرئيس البرهان و قادة الجيش في مساواة مع حميدتي و قواته المتهمة بارتكاب جرائم حرب يعبّر عن رؤية قاصرة و مخزية لم تدرك كثير من التحولات.

يركز حمدوك على وقف إطلاق النار و فتح ممرات إنسانية و نشر بعثة دولية، لكنه لا يحدد آليات واضحة لضمان عدم استغلال هذه الهدنة من قبل مليشيا الدعم السريع لإعادة ترتيب صفوفها، كما حدث من قبل، مما يجعل من دعوته هذه فرصة لإنقاذ المليشيا من الهزيمة بدلًا من تحقيق سلام حقيقي.

من اللافت أن حمدوك، الذي لا يدين بشكل واضح جرائم مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين، يتحدث عن ضرورة فرض حظر توريد الأسلحة على كافة الأطراف، متجاهلًا أن الجيش السوداني يخوض حربًا وجودية لاستعادة الأمن و الاستقرار. هذا الطرح يعكس توافقًا مع الرؤية الغربية التي تحاول تصوير الصراع على أنه “نزاع بين طرفين”، بدلًا من كونه مواجهة بين الدولة السودانية و مليشيا متمردة.

في سياق التحليل السياسي، من المهم التساؤل: من يخاطب حمدوك ؟ الشعب السوداني الذي بات يرى في قواته المسلحة حاميًا للسيادة الوطنية، أم المجتمع الدولي الذي يسعى لإعادة تشكيل المشهد السوداني وفق مصالحه؟ من الواضح أن النداء يستهدف الخارج أكثر من الداخل، و هو ما يضعه في خانة التوظيف السياسي لصالح جهات تسعى لإعادة إنتاج واقع ما قبل الحرب حيث كانت المليشيا و داعميها جزء من العملية السياسية.

حمدوك، منذ سقوط حكومته في 2021، ظل يبحث عن نافذة جديدة تمكنه من العودة للمشهد السياسي. لكنه لم يجد موطئ قدم داخل المعادلة الداخلية، خصوصًا بعد أن أصبح واضحًا أن تجربته كرئيس وزراء كانت غير ناجحة، بل و مهّدت لما آلت إليه الأوضاع لاحقًا. لذا تأتي مبادرته كفرصة لإعادة تقديم نفسه كطرف قادر على قيادة عملية سياسية، مستندًا إلى دعم خارجي أكثر منه إلى تأييد داخلي.

مع الانتصارات المتلاحقة للقوات المسلحة، تتجه الحرب نحو حسم عسكري قد يغير جذريًا موازين القوى، وينهي حالة “التوازن غير المستقر” التي راهن عليها بعض الفاعلين الدوليين لإبقاء السودان في حالة “نزاع قابل للتفاوض”. حمدوك بهذا التوقيت يريد أن يطرح مبادرة تفتح الباب أمام حلول سياسية قبل أن ينفرد الجيش بوضع ترتيبات ما بعد الحرب وفق رؤيته.

من الواضح أن نداء حمدوك ينسجم مع الاطروحات الغربية التي لا ترغب في انتصار كاسح للجيش، خشية أن يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل المشهد السوداني وفق توجهات لا تخدم مصالحها. القوى الدولية التي لا تزال تراهن على حلول تضمن بقاء نفوذها، قد تكون دفعت بحمدوك ليطرح مبادرة تبدو “سودانية”، لكنها في جوهرها تتماشى مع الرؤية الغربية التي تسعى لإيقاف الحرب عند نقطة “تفاوضية”، بدلًا من انتصار حاسم.

رغم التراجع الكبير للمليشيا لا تزال بعض الأطراف الدولية تحاول إيجاد مخرج يضمن لها دورًا ما في المستقبل، ولو من خلال إعادة تدوير قيادات أو دمج عناصرها في ترتيبات أمنية جديدة. مبادرة حمدوك التي تتحدث عن وقف الحرب دون ضمانات حقيقية لنزع سلاح المليشيا أو محاسبة قادتها، قد تكون محاولة لإعادة تقديم الدعم السريع كـ”طرف سياسي” بدلاً من مليشيا مهزومة عسكريًا و ملاحقة بجرائم الحرب.

أحد الدوافع التي لا يمكن إغفالها هو أن نجاح الجيش في إنهاء الحرب سيفتح الباب لإعادة بناء الدولة الوطنية السودانية وفق أسس جديدة، بعيدًا عن المشاريع السياسية التي تحاول فرض تصوراتها على السودان من الخارج. حمدوك الذي جاء بدعم دولي في 2019، يبدو أنه يعيد إنتاج نفس الطرح الذي يفضل “الانتقال السياسي” وفق رؤية مستوردة، بدلاً من ترك السودانيين يقررون مستقبلهم وفق مشروعهم الوطني.

في النهاية، و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، يمكن قراءة مبادرة حمدوك على أنها محاولة لفرملة الانتصارات العسكرية و خلق مسار تفاوضي لا يخدم مصلحة السودان بقدر ما يحافظ على النفوذ الإقليمي و الدولي، و يمنح بقايا الدعم المليشيا فرصة للتموضع من جديد. غير أن الواقع العسكري و السياسي يجعل من هذه المحاولة مجرد خطوة رمزية لن تجد صدى حقيقياً لدي السودانيين. إن نداء حمدوك يعكس قراءة منفصلة عن الواقع، حيث لا يُقدم حلولًا تتماشى مع الإرادة الشعبية، بل يسعى لخلق مسارات تُبقي السودان رهينًا للضغوط الخارجية إذا الرجل “يبيعنا خمر السياسة المرتهن للخارج، و لا يدري أن الشعب حرّم التعاطي”. في ظل هذه المعطيات، فإن تجاهل المبادرة من قبل الفاعلين في المشهد السوداني ليس مجرد رفض سياسي، بل تعبير عن إدراك عميق لحقيقة الصراع و لأولويات المرحلة.
دمتم بخير و عافية.
الخميس 6 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى