مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … (حميدتي) نهاية فريق لم يحترم ” أم الكلالي” ! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

تأتي العقوبات الأمريكية المفروضة على محمد حمدان دقلو (حميدتي) في لحظة مفصلية من حرب السودان، لتطرح أبعادًا سياسية و أمنية جديدة تتجاوز حدود السودان لتطال التوازنات الإقليمية والدولية . هذه العقوبات التي وصفت المليشيا بأنها ارتكبت جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية و إبادة جماعية و تضمنت تجميد أصول سبع شركات مرتبطة بالمليشيا وفرض قيود على قيادتها تعكس تحولًا نوعيًا في الموقف الأمريكي تجاه الحرب. حيث تجعل المليشيا طرفًا لا يمكن الوثوق به بعد اليوم، و تكشف عن استراتيجية أوسع تستهدف إدارة الحرب وفق مبدأ “إعادة ضبط الوكلاء.

في هذا المقال نحاول تفكيك هذا المشهد من خلال البعدين الدولي و الإقليمي و تأثير ذلك على الواقع السوداني، بالنظر إلى أن هذه العقوبات تعمل على إعادة تعريف الأدوار داخل الحرب التي اندلعت في أبريل 2023م . قبل ذلك لابد لنا من شرح معنى “أم الكلالي” هذا التعبير يطلقه العسكريون لتعظيم الكلية الحربية السودانية التي أُسست في العام 1905م حيث عُرف خريجوها من الضباط بالكفاءة العالية و الخبرات المميزة.

في وقت وجيز تبدد طموح (حميدتي) من طامع في حكم السودان دون استحقاق إلى مُلاحق دوليًا. منذ أن ظهر الرجل في الحياة السياسية و العسكرية السودانية كان يسعى لترسيخ نفسه كفاعل سياسي رئيسي، مستغلًا النفوذ العسكري و الاقتصادي لقواته دون احترام للقدرات العسكرية السودانية. لكن توصيفه بالأمس بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يعيد تعريف موقع المليشيا في معادلة الصراع ، حيث بات واضحًا أن الدعم السريع الذي كان يُنظر إليه كطرف مؤثر يمكن التعويل عليه لاستلام السلطة أصبح عبئًا سياسيًا و أخلاقيًا على داعميه المحليين و الإقليميين.

تضيق العقوبات الخناق على الدعم السريع اقتصاديًا و عسكريًا ما يمنح الجيش السوداني مساحة أكبر للتحرك لتحرير المناطق التي تسيطر عليها المليشيا. هذا الوضع قد يُعجل بانهيار المليشيا في ظل العزلة الدولية التي ستواجهها من الداعمين الإقليميين خشية أن تطالهم عقوبات مشابهة.

هذا ما بدا واضحًا ، حيث تفضي المعطيات إلى تحول مهم في مواقف بعض القوى الإقليمية تجاه الدعم السريع، مثال ذلك الشركات المرتبطة بالمليشيا التي مقرها الإمارات، أصبحت هدفًا للعقوبات الأمريكية، ما يشير إلى بداية تراجع الدعم الإقليمي. لذلك يأتي الطلب الإماراتي من تركيا للتوسط في النزاع مع السودان ليعكس رغبة أبوظبي في التخلص من الإرث الثقيل الذي خلفته علاقتها بالدعم السريع، و ربما استباقًا لمتغيرات ميدانية محتملة بدأ في إحداثها الجيش السوداني لاستكمال استراتيجيته في استعادة الأراضي التي تسيطر عليها المليشيا.

المبادرة التركية المدعومة إماراتيًا و التي وافق عليها السودان تأتي في إطار محاولة إعادة صياغة المشهد السوداني و الإقليمي، كما انها من الواضح سوف تعمل علي طي صفحة المليشيا إلى للأبد. لكن هذا يعتمد على قدرة تركيا على تحقيق اختراق في ظل تعقيدات المشهد السوداني و تباين الأجندات الدولية و الإقليمية.

من ناحية أخرى لا بد من النظر إلى الموقف الأمريكي المتأرجح بين حقوق الإنسان و المصالح الاستراتيجية بصورة دقيقة، العقوبات الأمريكية تعكس ازدواجية المقاربة تجاه السودان؛ فمن جهة ، تُقدم واشنطن نفسها كمدافع عن حقوق الإنسان بإدانة جرائم الإبادة الجماعية و من جهة أخرى تسعى لإدارة الملف بما يضمن مصالحها في اليوم التالي للحرب.

كما نعلم، تأتي هذه العقوبات في لحظة حساسة للإدارة الأمريكية مع اقتراب نهاية ولاية بايدن. يُنظر إلى هذه الإجراءات كوسيلة لتبييض سجل الديمقراطيين بعد انتقادات طالتهم بسبب صمتهم في بداية الحرب و تبنيهم رواية تساوي بين طرفي الحرب و هي المساواة التي ظلت ترفضها الحكومة السودانية باعتبار أن الحرب تمرد قوات علي شرعية الدولة.

كذلك هناك جانب مهم يجب أن يُؤخذ في الاعتبار يتمثل في الآثار الأمنية والسياسية للعقوبا. حيث تُعد العقوبات وسيلة لتقويض قدرة المليشيا على استيراد الأسلحة ، ما يؤدي إلى تراجع قدرتها على الاستمرار في الحرب . كما أن انقسامات الدعم السريع الداخلية ومغادرة قياداتها المشهد السياسي والأمني يُسرع انهيارها تاركة فراغًا أمنيًا يحتاج إلى إدارة حذرة من الحكومة السودانية حتى لا تنشأ مجموعات أخرى تابعة لقيادات قبلية.

في الوقت نفسه تُرسل العقوبات رسالة مباشرة للقوى السياسية المتحالفة مع المليشيا ، وهنا أعني “تنسيقية القوى المدنية تقدم”، بضرورة أن تتدبر أمرها . فهي التي وقعت في فبراير 2023 وثيقة إعلان المبادئ في أديس أبابا . كما ترسل رسالة للشارع السوداني بأن المجتمع الدولي بدأ في اتخاذ خطوات حاسمة لمعاقبة المسؤولين عن الفظائع والانتهاكات المرتكبة بحق السودانيين ، ما يعزز الأمل في إنهاء الحرب .

من ناحية أخرى يرى عدد من المراقبين أن الأموال المجمدة المرتبطة بالدعم السريع تفتح آفاقًا سياسية و قانونية لتعويض الضحايا و دعم جهود الإغاثة و إعادة الإعمار. يُمكن أن تُخصص هذه الأموال لإنشاء صندوق وطني يعزز العدالة الانتقالية مع ضمان الشفافية في إدارتها لتجنب استغلالها سياسيًا.

عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن العقوبات الأمريكية تمثل تحولًا استراتيجيًا في تعاطي المجتمع الدولي مع الحرب في السودان، لكنها تكشف أيضًا عن تعقيد المشهد حيث تتداخل الأجندات المحلية و الإقليمية و الدولية. لكن يبقى السؤال الأهم : هل ستتمكن الحكومة السودانية من الاستفادة من هذا الزخم الدولي لإنهاء الحرب؟ أم ستظل رهينة للتدخلات الخارجية؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل السودان في الفترات المقبلة بين تحقيق السلام المستدام أو استمرار حلقة الصراع السياسي و الأمني إلى أبعاد جديدة.

دمتم بخير و عافية.
الخميس 9 يناير 2025م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى