
من المؤسف أن الكثير من المشروعات القومية في السودان التي تم إنجازها خلال فترة حكم الرئيس البشير تعرضت للتشويه و النقد الممنهج و التقزيم من قبل السياسيين و الإعلام المتحيز، بما في ذلك بعض وسائل الإعلام التي غاب عنها توجيه المعلومات للسودانيين بشكل صحيح. بل إن الصراعات السياسية سواء كانت عن وعي أو دون وعي تسببت في تشويه هذه الإنجازات الوطنية التي نملكها جميعاً و وضعت العراقيل أمام الاعتراف بها بل وصل الأمر إلى تجريم من قاموا بتنفيذها و تقليص أهميتها.
في هذا المقال سأعرض نماذج من تلك المشروعات التي واجهت معارضة شديدة عقب إنشاؤها من بعض السياسيين و الإعلاميين الذين خلطوا بين الصراع السياسي و العمل التنموي الاستراتيجي الذي يخدم مصالح الناس مما أثر سلباً على الفهم الصحيح لأهميتها. لكن اليوم بات من الواضح أن هذه الحرب الوجودية التي انتظمت حياتنا و هددت أمننا و كادت أن تعصف ببلادنا قد كشفت عن الأهمية الاستراتيجية لعدد من المشروعات التي تم إنجازها خلال الفترة الماضية، و منها مشروعات السدود السودانية التي مثلت حجر الزاوية في تأمين الطاقة الكهربائية خلال الحرب مثل سد مروي و سد (سيتيت) و تعلية سد (الروصيرص). هذه المشروعات وفرت نحو (2000) ميغاوات من الكهرباء التي غذّت الشبكة القومية طوال فترة الحرب ، مستفيدة من موقعها بعيداً عن مناطق النزاع و القصف مما أتاح للعمال التنقل بأمان و أدى إلى إدارة كفؤة لهذه المشاريع.
و من خلال هذه السدود تم تعويض الفاقد من التوليد الحراري الذي تضرر بسبب الحرب مثل محطات كهرباء (قرّي) و (أم دباكر) و (محمود شريف) التي توقفت بسبب صعوبة وصول العاملين لها أو نقص الوقود أو عدم القدرة على أعمال الصيانة. أما بالنسبة للمشروعات الأخرى مثل الطرق، فقد كان لها دور كبير في ربط شمال السودان بشرقه بوسطه، حيث شهدنا اختباراً عملياً لمشروعات مهمة مثل طريق عطبرة-مروي، و طريق مروي-كريمة، و طريق ناوا-دنقلا-حلفا. كذلك ثلاثة جسور استراتيجية ساهمت في تعزيز هذا الربط: جسر المتمة-شندي، جسر مروي-كريمة ، و جسر دنقلا-السليم و العكد أم الطيور. هذه المشروعات لم تساهم فقط في تسهيل الحركة داخل البلاد، بل كانت أيضاً عاملاً مهماً في ضمان الاستقرار في المناطق الحدودية و تعزيز بقاء الدولة.
كذلك في مجال الصحة، كان لمستشفى مروي دور محوري في توفير الرعاية الطبية للمواطنين؛ حيث أصبح مركزاً متقدماً لعلاج السرطان و جراحة الكلى و القلب. و يعتبر مركز مروي للأورام من أحدث المراكز الطبية في السودان و يعتمد على تقنيات متطورة في علاج المرضى. كما تم تطوير البنية التحتية للمستشفى بتركيب أحدث الأجهزة الطبية و وجود عقود صيانة و دعم فني من جهات متخصصة ظلت تعمل طوال فترة الحرب و ماتزال. كذلك لا يمكن تجاهل أهمية مطار مروي الذي ظل يلعب دور استراتيجي في تسهيل حركة الإمدادات و الموارد اللوجستية مما ساعد في تأمين احتياجات الولاية الشمالية و المناطق النائية و الحدودية.
في مجال الزراعة ساهمت المشاريع الزراعية التي تم إنشاؤها لإعادة توطين المتأثرين من قيام سد مروي في مناطق (الحامداب) الجديدة، و (أمري)، و (المناصير) و (كحيلة) في زيادة الرقعة الزراعية بعد استصلاح هذه الأراضي و توفير معينات الإنتاج لتواكب متطلبات الأمن الغذائي خلال فترة الحرب. هذه المشاريع كانت بمثابة طوق نجاة للموسم الزراعي الذي كان مُهدَّداً بالانهيار حيث كانت هناك خطة تجويع البلاد. تمت زراعة (120) ألف فدان بجانب ما تمت زراعته في الولايات الآمنة الذي تجاوز في مجمله (2) مليون فدان، مما ساعد في تعويض فاقد الزراعة في مشروع الجزيرة و سنار و أسهمت في تقويض محاولات الإعلام المضاد لدعم التمرد في الترويج لمجاعة محتملة.
لم تقتصر هذه المشاريع على تحسين البنية التحتية فحسب، بل كانت أيضاً بمثابة مركز لإيواء النازحين من مناطق النزاع في الخرطوم، حيث تم الاستفادة من المدن السكنية الجديدة في (المكابراب)، و (كحيلة)، (الحامداب) و (أمري). إن هذه المشروعات على الرغم من التشويش السياسي و الإعلامي، أثبتت قيمتها العملية و أظهرت أهمية دور التنمية في الحفاظ على استقرار البلاد. و في النهاية ، لا يمكننا إلا أن نؤكد أنه طالما ظلت الأحزاب السياسية تتناكف و تغرق في الصراعات الصفرية فلن ينصلح الحال، لعلنا نذكر تصريح والي نهر النيل السابق (آمنة المكي) “قحت” بأن سد مروي يجب أن يهدم لعدم الجدوى، لذلك ستظل مثل هذه التصرفات الحمقاء تفسد الفرح في قلوب السودانيين الذين لطالما علقوا آمالهم على هذه المشاريع التنموية. لذا ينبغي أن نعمل على إعادة تأهيل هذه الأحزاب أخلاقياً و سياسياً كي لا تظل السياسة تعرقل آمال الناس و طموحاتهم في التنمية المستدامة.
دمتم بخير و عافية.
الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com