مقالات الرأي

وجه الحقيقة … رهان الخذلان ؟! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

مع تقدم الجيش السوداني في مختلف المحاور العسكرية، تزايدت التحركات الإقليمية و الدولية بشكل ملحوظ بهدف وقف الحرب في السودان، و السيطرة على العملية السياسية التي ستحدد ملامح “اليوم التالي” للحرب. شهدت الأسابيع الماضية سباقاً محموماً بين القوى الإقليمية و الدولية لمحاولة التأثير في مسار الأحداث، و هو ما يعكس أن الوضع على الأرض بدأ يميل لصالح الجيش السوداني بينما بدأت المليشيات تفقد الدعم الدولي و الإقليمي.

في ظل هذه الانتصارات المتواصلة للجيش السوداني بدأت القوى الإقليمية و الدولية و حتي المحلية التي كانت تدعم المليشيا في إعادة حساباتها، لذلك تجري محاولات في نيروبي لتشكيل حكومة تحت لافتة (سحب الشرعية) بينما الأمر لامتلاك ورقة رابحة يمكن أن تستخدمها بعض الأطراف لتقوية مواقفها. خلال اجتماع مجلس الأمن الذي عُقد الخميس الماضي حيث بدا أن المجتمع الدولي بات يلتفت إلى ضرورة دعم السودان في تشكيل مرحلة جديدة بعيداً عن المليشيات التي كانت تحظى بدعم غير معلن من بعض الدول.

السفير السوداني في الأمم المتحدة (الحارث إدريس) أكّد أمام المجلس أن السودان سيخضع لعملية سياسية شاملة بعد توقف الحرب و أن المليشيا لا مكان لها في مستقبل البلاد. الحارث شدد أيضاً على ضرورة محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان و خاصة الجرائم التي ارتكبتها المليشيا المدعومة بالمرتزقة الأجانب. هذا الاجتماع كشف عن تحول مهم في المواقف الدولية، فقد أبدت بعض الدول الكبرى مثل روسيا كما العادة دعماً صريحاً للجيش السوداني و للمجلس السيادي السوداني باعتباره الجهة الشرعية في البلاد. روسيا التي كانت متهمة في وقت سابق بالتوازن في دعم الأطراف المتنازعة بعد استخدامها” للفيتو ” مؤخراً لصالح السودان أكدت موقفها المناهض لأي تدخلات خارجية أحادية تهدف إلى تقويض سيادة السودان.

في المقابل أعلن وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) الذي ترأس جلسة المجلس عن دعم بلاده للجهود الإنسانية في السودان، مع فرض مزيد من الضغوط على الدول التي تستمر في دعم المليشيا و استخدم عبارات مبطنة وصفها المراقبون بأنها كانت تعني دولة الإمارات الداعم الأول للمليشيا بحسب الحكومة السودانية. حيث وجه رسالة حادة إلى الدول التي تقدم الدعم العسكري للأطراف المتحاربة في السودان أو تستفيد من الصراع قائلاً “يكفي هذا”. و قال أمام مجلس الأمن “استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودانيين و ليس تعميقها. استخدموا نفوذكم لإنهاء الحرب و ليس إدامتها. لا تكتفوا بالزعم بأنكم مهتمون بمستقبل السودان بل أثبتوا ذلك”.

كذلك على المستوى الإقليمي كانت الجهود الإفريقية حاضرة بشكل ملحوظ؛ حيث شهدت نواكشوط في موريتانيا اجتماعات تشاورية رفيعة المستوى تم خلالها مناقشة تطورات الوضع في السودان بما في ذلك الحلول الممكنة على الصعيدين الإنساني و السياسي. وكان إجتماع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان العمامرة الثلاثاء مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الذي ترأس الاتحاد الإفريقي لهذه الدورة لبحث سبل تعزيز التعاون في إيجاد حلولا للأزمة السودانية حيث تم الاتفاق على أهمية التنسيق الإقليمي والدولي لإيجاد حل دائم . علاوة على ذلك من المنتظر أن يصل (العمامرة) إلى بورتسودان اليوم السبت في زيارة تهدف إلى استكمال المشاورات حول الوضع في السودان.

هذه التحركات تعكس اهتماماً متزايداً من قبل الاتحاد الإفريقي و الهيئات الإقليمية الأخرى في إشراك الأطراف السودانية في حوار شامل يُفضي إلى إنهاء الحرب بشكل نهائي. في نفس السياق كانت هناك تحركات على صعيد التعاون بين الدول المجاورة للسودان. حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة الدول الثماني النامية، حيث تم التأكيد على ضرورة تعزيز التنسيق بين البلدين في مواجهة الأزمة السودانية. و أضاف الرئيسان بحسب إعلام مصري ضرورة حماية سيادة السودان و سلامة أراضيه و إدانتهما للانتهاكات التي تمارسها المليشيا في مناطق مختلفة من البلاد. هذا بالنظر إلى أن تركيا كانت قد قدمت مبادرة منتصف الأسبوع الماضي تقوم علي فكرة الاجتماع بين السودان و الإمارات لمناقشة وقف دعم المليشيا و مدها بالسلاح و المقاتلين.

بالإضافة إلى هذه التحركات السياسية و الدبلوماسية تركزت الجهود الدولية أيضاً في تقديم المساعدات الإنسانية. فقد أعلنت الولايات المتحدة تخصيص (200) مليون دولار إضافية لدعم المساعدات الإنسانية في السودان، مما رفع إجمالي المساعدات الأميركية إلى (2.3) مليار دولار. واشنطن أكدت أنها ستواصل استخدام كل وسائل الضغط الممكنة على الأطراف المتحاربة، بما في ذلك فرض المزيد من العقوبات، لوقف الانتهاكات و معاقبة مرتكبيها. حيث قالت النائبة الأمريكية (سارة جاكوب) بحسب موقع (أخبار السودان): “أن دولة الإمارات العربية أبلغت حكومة الرئيس الامريكي جو بايدن أنها ستتوقف عن دعمها لمليشيا الدعم السريع” . يذكر أن سارة جاكوب كانت من ضمن النواب الذين طالبوا بايدن بضرورة الضغط على الامارات لتتوقف عن دعمها للمليشيا.

من جانب آخر شهدت جلسة مجلس الأمن الخميس إدانة غير مسبوقة من قبل ممثل فرنسا لهجمات المليشيا في شمال دارفور و الجزيرة و الخرطوم و هي المرة الأولى التي تدين فيها فرنسا انتهاكات الدعم السريع. هذه الإدانة تبرز تحولاً كبيراً في الموقف الفرنسي و المواقف الدولية تجاه المليشيا و تؤكد تراجع الدعم الدولي لها. تزامناً مع التطورات السياسية و الإنسانية خلال الجلسة ألقى سلطان دار مساليت (سعد بحر الدين الضو) بالأدلة على المجازر التي ارتكبت بحق قبيلته من قبل المليشيا مذكراً بمجزرة حرق الناس أحياءً و تمثيلهم بالجثث.

عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة و بناءً على التحركات الدولية و الإقليمية، يبدو أن السودان يدخل مرحلة جديدة من الضغوط المحتملة في محاولة لرسم ملامح اليوم التالي من الحرب، حيث تزداد فرص إتمام عملية السلام في السودان التي تتطلب اليقظة و الحذر من جانب الجيش و الحكومة السودانية و الأحزاب الوطنية حتي لا تفرض حلولاً تعيد إحياء الأطماع الدولية و الاستعمارية من جديد. لذلك تبقي أهمية النأي بالبلاد عن الأجندات الاستعمارية مع أهمية تنفيذ القرارات المتعلقة بالعدالة القانونية و المساعدات الإنسانية و إعادة بناء السودان بعد سنوات من رهان الخذلان.
دمتم بخير و عافية.
السبت 21 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى