وجه الحقيقة … سقوط الأسد يوجب المقاربة بين سوريا و السودان .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

لطالما شكّلت الأزمات السياسية في المنطقة العربية مرآة تعكس أحوال الشعوب و صراعها لاستعادة دولها من قبضة الطغاة. بين ما حدث في سوريا و ما يحدث الآن في السودان، تتجلى دروسٌ و عِبرٌ مهمة للباحثين عن العدل و السلام. لذلك المقاربة المهمة بين الذي حدث في سوريا و الذي يحدث في السودان هي استعادة الدولة المختطفة لصالح فكرة القيم و الأخلاق الكريمة التي يجب أن يمضي نحوها الأسوياء من الناس لأنهم مكلفون بأهمية بسط الأمن و تحقيق السلام. سوريا تمثل إسقاط دكتاتور طاغية ظل مختطفاً الدولة لصالح مشروع عروبي تناوشته السهام و انفض عنه الناس، مُنبت عن قيم الشعب الذي عرف بالصمود و كريم الخصال، و ما يحدث في السودان من حرب أيضا لأجل استعادة الدولة المختطفة لصالح المشروع الاستعماري الجديد الذي يمثل الأطماع الإقليمية و الدولية في موارد البلاد.
ما يجري في السودان هو لأجل استعادة الدولة الموحدة التي يعز فيها الشعب، و تُصان فيها الحرمات، و يبسط فيها الأمن و يتحقق السلام. ذلك أيضاً بإرادة الشعب الذي يسند جيشه الآن في معركة الكرامة و الانعتاق .سقطت حمص و حماة ودمشق بسوريا فلم يُقتل مدني، و لم ينهب بيت مواطن، و لم تنهب متاجر،و لم تحرق جامعة و لا مراكز أبحاث، و لم تدمر ممتلكات عامة، و لم تغتصب فتاة، و لم يجر شيخ من لحيته، ولم تنهب البنوك، أو يعتدى فيها على الممتلكات بل لم يقتل جندي من الجيش استسلم بعد اجتياح المدن، بدأت قيادات التغير بجمع الناس في المسجد ثم رفعت الآذان و خاطبتهم بضرورات المرحلة و وضعت خطوطها الحمراء و الخضراء. لم تخرب المؤسسات و لم تنهب الوثائق و الآثار التاريخية، بل تم تكليف رئيس الوزراء القائم بتسيير شان الدولة و الخدمات سقط الحاكم و الحزب و لم تسقط الدولة.
هذه هي المقاربة بين الجيوش المعارضة الوطنية التي تراعي حرمة الدماء و حرمة إنتهاك حريات الناس و بين ما جرى في السودان من مليشيا الدعم السريع و داعميها المحليين و الإقليميين. لذلك السودانيون الآن يستردون دولتهم لذات القيم التي تحفظ الدماء و تراعي الحرمات و تستعيد الأمن و تحقق السلام . فقد جاء البيان “رقم 1” للمعارضة السورية “المجلس الوطني الانتقالي” مطمئناً للشعب السوري و المحيط الإقليمي،و حمل عبارات واضحة تشبه انتقال الجندي من ساحة القتال إلى ساحة إدارة الحكم حيث قال بوضوح : “أيها الشعب بعد سنوات طويلة من الظلم و الاستبداد و القهر، و بعد تضحيات عظيمة قدمها أبناء و بنات هذا الوطن الغالي، نعلن اليوم للشعب السوري العظيم و للعالم أجمع أن نظام بشار الأسد قد سقط، وأنه قد فرّ هارباً إلى خارج البلاد تاركاً خلفه إرثاً من الدمار و المعاناة. إننا في هذا اليوم التاريخي نعلن أن قوى الثورة و المعارضة قد تولت زمام الأمور في سوريا الحبيبة، و نؤكد التزامنا ببناء دولة حرة و عادلة و ديمقراطية يتساوى فيها جميع المواطنين دون تمييز. و نتعهد أمام الله و أمام الشعب بما يلي: الحفاظ على وحدة الأراضي السورية و سيادتها، و حماية كافة المواطنين وممتلكاتهم بغض النظر عن انتماءاتهم. بجانب العمل على إعادة بناء الدولة و مؤسساتها على أسس من الحرية و العدالة. و السعي لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، و إعادة اللاجئين و المهجّرين إلى ديارهم بأمان و كرامة. كذلك محاسبة كل من أجرم بحق الشعب السوري وفقاً للقانون و العدالة”.
كذلك دعا جميع أبناء الشعب السوري إلى الوحدة و التكاتف في هذه المرحلة التاريخية. وأكد أن سوريا الجديدة لن تكون حكراً على أحد بل هي وطن للجميع . أحر التهاني للشعب السوري الشقيق على الانتصار علي أعتي ديكتاتورية بعثية طائفية حكمت سوريا أكثر من نصف قرن بالحديد و النار قتلت و شردت ملايين السوريين. انتصار الشعب السوري بداية لتغير جذري في المنطقة العربية. إنه إنذار لكل ديكتاتور عسكري أو حزب يريد أن يحكم دون تفويض أو يسعي للحكم عبر السلاح. كما أنه بداية النهاية لكل الحروب في كل المنطقة و على رأسها السودان.
زعيم تحالف فصائل المعارضة السورية “أبو محمد الجولاني” الذي أسقط بشار الأسد وسط قناعات إقليمية و دولية بمباركة تركيا و إيران و حتي الولايات المتحدة الأمريكية. الرجل ظل محل تقدير من جميع هذه الأطراف دون إملاء، أما بني جلدتنا في تنسيقية القوى المدنية” تقدم” يبدو أنهم لا يدركون معادلات السياسية و الحكم التي تفضل الأكثر نضجاً و الأقوى موقفاً و الأكثر حكمة، فور استلامهم للسلطة عقب سقوط حكم الرئيس عمر البشير في العام 2019م مارسوا أسوأ أنواع الدكتاتوريات علي خصومهم الإسلاميين ظناً منهم أن التقرب من الخارج يتم بمصادرة حرية خصومهم بتجاهلهم و تهميشهم و مناصبتهم العداء، ظنوا أن التضييق علي حرية الآخرين و الاعتداء على حقوقهم و تجاوز الخطوط الحمراء في حقهم سيجعلهم مقبولين لدى وكيلهم ، بل و الزج بهم في السجون دون محاكمات عادلة ، ظنوا أن هذا سوف يمهد الطريق إلى إنتصار الثورة التي أفرغوها من مضمونها ولم ينتصروا إلى شعاراتها ، إعلموا لا الخارج سيحميكم من ضعفكم ، ولا الداخل سيغفر لكم خيانتكم للمبادئ الوطنية .
لذلك حان الوقت لاستعادة الوعي و تجاوز الخلاف لأجل السودان، يجب عليكم الاعتراف بهذه الأخطاء و البداية من جديد حتي يقبلكم الآخرين، لا بد من صفحة جديدة مع الإسلاميين و غير الإسلاميين مع جميع أبناء الوطن بعيداً عن الصراعات الصفرية. المصالحة ليست ترفاً بل ضرورة لإنقاذ الوطن الذي يعاني التشرذم، لذلك يجب أن نتجاوز خلافات التكسب السياسي. لنعمل معاً بروح من التعاون، و نضع مصالح وطننا فوق كل اعتبار بعيداً عن الانقسامات و الاستقطاب .
هذا هو وجه الحقيقة و هذه هي قراءتنا الأولية للمقاربة بين الذي يجري في سوريا بعد سقوط الرئيس السابق بشار الاسد الذي أذاق شعبه صنوفاً من العذاب و الألم و الذي يجري في السودان من عزم للتحري . مؤكد ستكون تأثيرات ذلك علي السودان في مزيد من عطاء الشرفاء الذين يعملون على استعادة الأمن وإستعادة الدولة السودانية التي أوشكت أن تختطف لصالح الإتفاق الإطاري و دستور المحامين الذي يكرس لدكتاتورية المدنيين و يمكن للأطماع الإقليمية و الدولية.
دمتم بخير وعافية .
الإثنين 9 ديسمبر /2024 م. Shglawi55@gmail.com