وجه الحقيقة … مبادرة «مونترو» مقابل الفرص الوطنية لتحقيق السلام في السودان .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في هذا المقال نتحدث عن مقاربة وطنية محتملة بين الكتل السياسية السودانية تقوم على فرضية أن الجميع يمكنهم أن يُعلوا المصلحة الوطنية لأجل السودانيين، خلال هذه المقاربة نتحدث عن كتلتين سياسيتين، و أن ما تعلنه كل كتلة ماهو إلا سقوف تفاوضية لتحقيق مكاسب سياسية مستقبلاً على سبيل المثال، حين تؤكد كتلة “البرنامج الوطني” الداعمة للجيش استبعاد “تنسيقية القوى المدنية” من العملية السياسية و تعتبرها تشكل الحاضنة السياسية و الإعلامية لمليشيا الدعم السريع فإن هذا يعكس موقفاً تفاوضياً.
بالمقابل، حين تصر كتلة تنسيقية القوى المدنية “تقدم” على استبعاد المؤتمر الوطني و واجهاته، فإنها بالمقابل تتخذ موقفاً مشابهاً. هذه المواقف في تقديري تضر بالعملية السياسية و تكشف أن الشعب السوداني مغيَّب عن هذا الصراع السلطوي، بالرغم من أنه هو الجهة الوحيدة التي تملك تحديد من يظل داخل العملية السياسية و من يخرج منها عبر صناديق الانتخابات، لذلك ظل دائماً يدفع ثمن فشل الأحزاب السياسية في إدارة صراعها خاصةً مع تعاقب الانقلابات العسكرية.
كما نعلم فالحرب الحالية اشتعلت في منتصف أبريل من العام الماضي بسبب أطماع بعض القوى السياسية في السيطرة على الدولة دون تفويض انتخابي ،عبر مليشيا “الدعم السريع”، مما زاد من الأعباء على الشعب و أصبح ذلك تهديداً حقيقياً لكيان الدولة السودانية؛ حيث نشطت قبل ذلك و بعده التدخلات الإقليمية و الدولية و أصبح لها تأثيراً واضحاً في صناعة القرار السياسي لدى بعض الأحزاب السودانية، حيث أصبحت هذه الأطراف مدفوعة بأجندات تسعى للسيطرة على الموارد من خلال استغلال الموقع الجيواستراتيجي الذي يتمتع به السودان علي ساحل البحر الأحمر.
ذلك ما يجعل هذه القوى غير مهتمة بالديمقراطية بقدر اهتمامها بمصالحها الخاصة. في ظل هذه الأوضاع القاتمة، يصبح التوافق الوطني بين السودانين مهماً و ضرورياً لإدارة مرحلة ما بعد الحرب، و هو ما يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف لاستعادة الوطن من الارتهان لدى القوى الأجنبية هذه.
أول أمس شهدت سويسرا اجتماعات في مدينة «مونترو» ، برعاية وزارة الخارجية السويسرية و منظمة “بروميديشن” الفرنسية، بمشاركة “تنسيقية القوى المدنية تقدم” وبعض انشطارات من الحزب الاتحادي الديمقراطي و المؤتمر الشعبي و حزب الأمة.
رغم الهدف المعلن لهذه الاجتماعات، فإن اختيار المشاركين حسب مراقبين يثير تساؤلات حول حيادية المبادرة، حيث يعيد للأذهان تجارب مثل “دستور المحامين” و “الاتفاق الإطاري” التي عمّقت الانقسامات و كانت بمثابة الشرارة التي اندلع منها لهيب الحرب. كما أن هناك العديد من المؤشرات التي تدل على تبني أجندات منحازة لمليشيا “الدعم السريع” مثل التركيز على وقف العدائيات بالنظر لقيام السلطة المدنية في ولاية الجزيرة والخرطوم وبعض ولايات دارفور التي ربما تؤسس للأمر الواقع في أماكن سيطرة المليشيا هذا بحانب ضمانات مرور المساعدات الإنسانية دون إقرار آلية للمحاسبة على الجرائم المرتكبة في دارفور و شرق الجزيرة.
كذلك، الحديث عن إعادة هيكلة الجيش، والدعوات لتفكيك “دولة الحزب في إشارة للمؤتمر الوطني و التي تخدم أجندات خارجية تعمل علي إقصاء الإسلامين بعيداً عن العملية السياسية. هذه التدخلات الإقليمية الواضحة في الشأن السوداني تشكل دعماً للمليشيا يعمّق الأزمة، كما أن هذا الدعم يتجاهل معاناة الشعب السوداني ما يجعل استمرار الصراع أداة لتحقيق مصالح خاصة بهذه القوي الإقليمية. لذا، يرى التيار الوطني من الأحزاب السودانية بحسب مراقبين ضرورة رفض مثل هذه الملتقيات، و دعم القوات المسلحة في معركتها للحفاظ على وحدة البلاد حتي تتمكن من استعادة الأمن والاستقرار و هذا هو أعظم التحديات في الوقت الراهن.
بموجب ذلك يحتاج السودان إلى مقاربة شاملة تضم جميع الأطراف السياسية و المدنية و الجيش. تستند على عملية سياسية جادة أساسها الحوار الوطني السوداني سوداني غير المشروط. لذلك يجب تعزيز آليات المصالحة المحلية مع تمثيل المرأة و الشباب بفاعلية. كذلك لا بد من العدالة الانتقالية لأجل تحقيق التوازن بين المحاسبة و تعويض ضحايا الحرب و كافة المتضررين من الانتهاكات هذا ما يعزز فرص المصالحة الوطنية.
كذلك من المهم النظر إلى التحديات الاقتصادية التي يتطلب معالجتها الاستقرار السياسي من خلال تبني استراتيجيات لإعادة بناء البنية التحتية، و تعزيز دور القطاعات الحيوية كالتعليم و الصحة و خلق فرص عمل. أما في جانب إصلاح المؤسسات الأمنية فهذا الشأن يجب أن يترك أمر معالجته للعسكريين لأن إصلاح القطاع العسكري و الأمني هو مفتاح بناء الدولة الحديثة بعيداً عن التدخلات الحزبية.
إلى جانب ذلك يجب تعزيز حماية السيادة الوطنية و العمل على تنفيذ اتفاقية جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية الموقع في (11) مايو من العام الماضي لضمان إخراج المليشيا من المشهد تماماً، ذلك ما يمكّن من وقف إطلاق النار الذي يجب الحديث عنه بعد تحقيق الجيش تقدماً واضحاً على الأرض . عليه فإن بناء جبهة وطنية موحدة لا تستثني أحد هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام و الاستقرار عبر تبنى حوار داخلي شامل بعيداً عن التدخلات الخارجية مع التركيز على تعزيز دور المؤسسات الوطنية.
بهذه الرؤية و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإنه يمكن للسودان التغلب على تحدياته و تحقيق استقراره المستدام عبر جهود وطنية خالصة و دعم دولي هادف إلى استعادة الأمن و تحقيق السلام للسودانيين.
دمتم بخير و عافية.
الأحد 1 ديسمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com