مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … ولاية الخرطوم :إستراتيجية استعادة الحياة المدنية و الخدمية .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

مع اقتراب الحرب في السودان من نهايتها بانتصار القوات المسلحة على مليشيا الدعم السريع، تظهر تحديات كبرى أمام الدولة السودانية لإعادة بناء مؤسساتها و إحياء الحياة المدنية و  الخدمية في ظل عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى العاصمة الخرطوم و المدن المتأثرة بالحرب. هذا الواقع يفرض وضع خطة وطنية متكاملة لتحريك دولاب العمل في الدولة بمشاركة جميع الوزارات و المؤسسات العامة مع مراعاة التخصصات و الموارد المتاحة لكل جهة. في هذا المقال نحاول مناقشة أهمية الانتقال من مرحلة الحرب إلى إعادة الإعمار وعودة الحياة المدنية و التي أعلن و إلى الخرطوم أنها مهمة صعبة تشوبها تعقيدات.

الإسناد المدني والخدمي إحدى الخطوات المهمة لتحقيق هدف إعادة الإعمار و النجاح في رهان التحدي الذي تخوضه الولايات السودانية قاطبة المتأثرة بالحرب و ولاية الخرطوم على وجه الخصوص حيث الثقل السكاني و الخدمي و مقر الحكم وسلطة الدولة لا بد لها من إستراتيجية واضحة لاستعادة الحياة المدنية و الخدمية.

لذلك لا بد من تشكيل لجان خدمية متخصصة للإسناد المدني، تقوم على رؤية وطنية شاملة، هذه اللجان ستكون بمثابة أداة مركزية لتنسيق الجهود بين الوزارات المختلفة ، بهدف إستعادة الخدمات الأساسية وإعادة تأهيل المرافق الحيوية التي دمرتها الحرب . النموذج الذي نقترحه يقوم على فكرة “النفير” السوداني التقليدي ، حيث تتكاتف الموارد والجهود الجماعية لتحقيق الأهداف المشتركة . في السياق نفسه ، يمكن إعتماد المفهوم الأمني “إعداد مسرح الدولة للحرب و ما بعدها” من خلال استراتيجيات تهدف إلى تعزيز الاستقرار و ضمان استدامة الخدمات في مقابل العودة المتسارعة التي بدأت تنتظم مدينة أم درمان الكبرى و بحري و التي سوف تلحق بهما شرق النيل و الخرطوم في القريب العاجل.

لذلك لا بد من الإنتباه لتأسيس هذه المرحلة بصورة فاعلة و قادرة علي استيعاب تدفقات المواطنين و عودة الحياة العامة كذلك برز مقترح تشكيل لجنة مركزية للإسناد المجتمعي لإدارة شؤون الدولة خلال مرحلة إعادة البناء. تتولى هذه اللجنة مسؤوليات واسعة تشمل الصحة و التعليم و الاقتصاد والزراعة و المرافق الحيوية بجانب إعادة تشغيل البنية التحتية والقطاعات الحيوية التي تمثل أولوية قصوى. فإعادة تأهيل قطاع الطاقة و الكهرباء على سبيل المثال، يعد أساسيًا لدعم عجلة الإنتاج وتحفيز الاستثمارات، إضافة إلى دوره الحيوي في توفير الكهرباء للمنازل و المؤسسات التعليمية و الصحية. كما أن قطاع المياه يحتل أهمية كبيرة في تحسين حياة المواطنين خاصة و أننا مقبلون علي الصيف و هناك مناطق تعاني من ندرة المياه ما يساهم في تعزيز الأمن المائي و تقليل المخاطر الصحية.

كذلك قطاع الصحة و المستشفيات والمراكز الصحية يحتاج إلى إعادة تأهيل عاجل لضمان توفر الأدوية و الخدمات الطبية يمثلان ضرورة لإنقاذ حياة المواطنين و تخفيف معاناتهم. التركيز على هذه القطاعات الحيوية يعكس التزام الدولة باستعادة الأمن و يعزز ثقة المواطن في قدرة الحكومة و الفاعلين على تجاوز آثار الحرب واستعادة الاستقرار.

بإضافة إلى ذلك تأتي أهمية الإغاثة و إعادة تأهيل المرافق. لضمان فعالية أي برنامج تنموي لذلك يجب تشكيل لجنة وطنية عليا بمرسوم من رئيس مجلس السيادة، على أن تعمل وفق الأنظمة و القوانين السودانية مع ضمان التنسيق الكامل بين الحكومة و اللجنة لتوحيد الجهود و تحقيق الأهداف المشتركة.

هناك عدد من العاملين في الدولة خارج منظومة الأداء بحكم واقع الحرب آن الأوان لعودتهم للمساهمة العاجلة في عودة الحياة للمؤسسات الخدمية ومؤسسات العمل العام من خلال انتظامهم في فرق عمل مع نظرائهم في المؤسسات الخاصة و الحكومية، فلا بد من العمل غير التقليدي في هذه المرحلة لمجابهة تحديات البناء و لضمان التفاعل و الاستجابة السريعة.

رغم أهمية تشكيل لجان الإسناد المجتمعي، إلا أن هناك تحديات كبيرة قد تعيق تنفيذ هذا المقترح أبرزها التبعات المالية و الإدارية. إعادة الإعمار تتطلب استثمارات ضخمة لا يمكن توفيرها إلا من خلال تخطيط اقتصادي استراتيجي يعتمد على تعبئة الموارد الوطنية من خلال الاشراك المباشر للقطاع الخاص و جذب الدعم الدولي. إلى جانب ذلك، فإن إدارة اللجان وتنسيق العمل بين الجهات المختلفة يتطلب تعاون بين كافة الجهات ذات الصلة. أما العاملون في الحكومة، فيمكنهم تقديم خبراتهم لإعادة تشغيل الوزارات و وضع خطط طوارئ. هذه الجهود المشتركة بين مختلف الأطراف تمثل خطوة أساسية نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة و ترسيخ الاستقرار و التنمية في أسرع وقت ممكن.

كذلك هناك أدوار مهمة ابتدرها شباب كتائب البراء للإسناد المدني متعلقة بدور الشباب والمنظمات الطوعية والعاملين في الدولة في إعادة البناء بعد عامين من الحرب ، حيث يمكن أن تكون البداية بإعادة تأهيل الوزارات والمرافق الخدمية التي توقفت أنشطتها بسبب الحرب. يمكن للشباب، باعتبارهم القوة المحركة للتغيير ، المساهمة من خلال المبادرات التطوعية ، والتدريب المهني ، وحملات نشر الوعي لدعم السلم الاجتماعي و المصالحات . كذلك لابد من دور للمنظمات الطوعية في ترميم البنية التحتية، و تقديم الدعم النفسي و الاجتماعي و بناء القدرات.

وفقا لما تقدم وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن إعادة بناء بلادنا ليست مجرد مهمة سياسية أو إدارية فحسب، بل هي مشروع وطني يتطلب مشاركة مجتمعية واسعة وتكاتفًا بين الحكومة و الشعب. نجاح هذه العملية يعتمد على صياغة رؤية استراتيجية طويلة المدى، تُترجم إلى خطط تنفيذية مرنة تلبي الاحتياجات العاجلة، و تضع أسسًا لنهضة مستدامة. في النهاية تكمن قوة السودان في قدرته على تحويل محنة الحرب إلى فرصة لإعادة البناء و ترسيخ السلام و التنمية. و لتكن البداية النموذجية ولاية الخرطوم التي بدأت اعداد كبيرة من المواطنين في العودة إليها، فلا بد من بذل الجهود لجعل هذه العودة جاذبة لتؤكد على أن السودانيين قادرين على إستعادة الأمن و استعادة الدولة و الحياة المدنية.
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 29 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى