أسباب (فيتو) روسيا عقب تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن حماية المدنيين في السودان
🔴 توضيح أسباب (فيتو) روسيا الذي ألقاه نائب المندوب الدائم (دميتري بوليانسكي) عقب تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن حماية المدنيين في السودان
ترجمة: واصل علي
السيد الرئيس،
أولاً، أود أن أشكرك على هذا العرض الممتاز للاستعمار البريطاني الجديد و الغطرسة التي تجلت بوضوح في بيانك اليوم. كل من استمع إلى خطابك -المثير للشفقة و المليء بالعقد- يمكنه الآن أن يفهم لماذا تفقد بلادك نفوذها و احترامها في العالم بسرعة.
الزملاء الكرام،
صوتت روسيا الاتحادية ضد مشروع القرار بشأن السودان الذي تقدمت به الوفود البريطانية و السيراليونية.
إننا نتفق مع زملائنا في مجلس الأمن على أن الصراع في السودان يتطلب حلاً سريعاً و عاجلاً. و من الواضح أيضاً أن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو أن تتوصل الأطراف المتحاربة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. و نحن نعتقد أن دور مجلس الأمن هنا هو مساعدتهم في هذا المسعى.
و مع ذلك، ينبغي أن يتم ذلك بطريقة متسقة و منفتحة، بدلاً من فرض آراء بعض الأعضاء [في مجلس الأمن] على السودانيين من خلال قرارات المجلس، مع إضافة أفكارهم التي تعود إلى فترة ما بعد الاستعمار فيما يتصل بمستقبل البلاد. و لا ينبغي للمجلس أن يلعب في أيدي القوة الاستعمارية السابقة الراغبة في “تسجيل نقاط” مع الجالية السودانية في المملكة المتحدة.
زملائي الكرام،
إن المشكلة الرئيسية في المسودة البريطانية هي أنها تستند إلى فهم خاطئ فيما يتصل بمن يتحمل المسؤولية عن حماية المدنيين في السودان و ضمان السيطرة على حدود البلاد و أمنها. و هناك أيضاً تصور خاطئ فيما يتصل بمن يحق له اتخاذ القرارات بشأن دعوة القوات الأجنبية إلى السودان، و في نهاية المطاف فيما يتصل بمن ينبغي لمسؤولي الأمم المتحدة أن يتفاعلوا معه من أجل معالجة المشاكل القائمة و ترتيب المساعدات. و لا شك لدينا في أن حكومة السودان وحدها هي التي ينبغي لها أن تلعب هذا الدور.و لكن من الواضح أن حاملي القلم البريطانيين يحاولون حرمان السودان من هذا الحق. و خلال عملية صياغة المسودة بأكملها، لم يدخروا أي جهد لحذف أي ذكر للسلطات الشرعية في السودان من الأحكام الرئيسية في المسودة.
إن موقفهم سخيف و غير مقبول، خاصة في ضوء حقيقة أن حكومة السودان تمثل بلادها في المنظمات الدولية، و تنسق العمليات الرئيسية في الدولة، و تشارك في توزيع المساعدات الإنسانية و في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة يبحث السودانيون أنفسهم عن اللجوء والحماية.
إننا لا بد و أن نعتبر مثل هذا الموقف الذي تبناه زملاؤنا مجرد محاولة لإعطاء أنفسهم الفرصة للتدخل في شؤون السودان و تسهيل مشاركتهم في المزيد من الهندسة السياسية و الاجتماعية في البلاد. و هذا هو الحال على وجه التحديد في ربيع عام (2023) عندما أدت محاولات فرض قرارات لم تحظ بدعم سكان البلاد إلى إرساء الأساس للمأساة التي وقعت في السودان.
إن الدوافع الحقيقية وراء مشروع القرار تتضح أيضاً من خلال حقيقة مفادها أن الدعوات السابقة التي وجهها مجلس الأمن لقوات التدخل السريع لإنهاء حصار الفاشر و غيرها من المدن قد استبدلت في نص مشروع القرار بلغة مشوهة جديدة توحي بأن المقاتلين يجب أن يوقفوا هجماتهم ضد المدنيين فقط. و على هذا فإن القرار يدعونا في الأساس إلى تشجيع استمرار الأعمال العدائية.
و أود أن أؤكد لكم أن بلدي لن تتردد في مواصلة استخدام حق النقض لمنع مثل هذه السيناريوهات التي قد تكون لها عواقب و خيمة على أشقائنا الأفارقة.
و علاوة على ذلك، فإننا نرفض رفضاً قاطعاً اقتراح مشروع القرار باستخدام آليات خارجية لضمان المساءلة عن أعمال العنف. فقد أثبتت هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية بالفعل عجزها التام فيما يتصل بالسودان و غيره من الأوضاع. و نحن على قناعة بأن إدارة العدالة ينبغي أن تظل من اختصاص الحكومة السودانية وحدها و لا تقبل التجزئة.
أيها الزملاء،
في المرة الأخيرة، طلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً يتضمن توصيات بشأن حماية المدنيين في السودان. و يشير التقرير بوضوح إلى أن الظروف ما زالت غير ناضجة لنشر قوات دولية في البلاد. و من جانبنا، نود أن نضيف أن هذا هو الحال بالفعل فلا يوجد اتفاق لوقف إطلاق النار، و لا تفاهم بشأن المكان المحدد الذي سيتم فيه نشر هذه القوات في البلاد و ما هي الأغراض التي قد تكون لها. و علاوة على ذلك، فإن طلب مثل هذا الوجود يجب أن ينبع فقط من القيادة السودانية الحالية. و على المدى البعيد، لا نستبعد أي شيء، لكننا مقتنعون بأننا إذا بدأنا هذا العمل الآن – متجاهلين رأي السلطات في السودان – فلن يؤدي إلى أي شيء جيد. إن جهود حفظ السلام السيئة التصميم خلال المرحلة النشطة من الصراع الداخلي، و التي هي كبيرة جداً من حيث الجغرافيا يمكن أن تؤدي إلى كارثة كاملة. و إذا تحقق هذا السيناريو، فإنه قد يؤدي إلى تقويض ثقة السودان في الأمم المتحدة إلى الأبد، والتي تضررت سمعتها بالفعل بشكل خطير بسبب الأنشطة غير المتسقة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (UNITAMS) و التي تم إنهاء عملها بالفعل.
كما أننا نختلف تماماً مع الرواية التي يروج لها القائمون على هذه الورقة حول الوضع الإنساني المزري و تجاهلهم المتعمد لآراء و بيانات الوكالات السودانية المعنية. إن وكالات الأمم المتحدة الإنسانية و شركائها الغربيين بحاجة إلى تجديد ذاكرتهم فيما يتعلق بالمبادئ الإنسانية التوجيهية للأمم المتحدة بما في ذلك الطبيعة غير المسيسة لأي مساعدة. و من غير المناسب المطالبة بأن يفتح السودان جميع حدوده أمام وصول المساعدات الإنسانية مع عدم استخدام المعابر الحدودية العديدة التي توفرها سلطات الدولة لتقديم المساعدات.
إن فرض بورتسودان للقيود ليس عبثاً؛ و لهذا السبب فقد كانت تلوح بخطر إرسال الأسلحة عبر الحدود لإطعام المتمردين. و لعل من الأفضل معالجة الأسباب الجذرية لمخاوف الشعب السوداني بدلاً من المطالبة بحدود شفافة. و نحن نعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يتم الاتفاق على أي خطوات في المجال الإنساني حصرياً مع السلطات السودانية المركزية. و الواقع أن واشنطن و لندن تواصلان استغلال الأمر لتحقيق أغراضهما الخاصة، و من خلال العقوبات الأحادية غير القانونية تعملان ببساطة على عرقلة جهود قيادة البلاد لتقديم المساعدة للشعب.
أيها الزملاء،
إننا نحثكم على إلقاء نظرة رصينة على الطريقة التي يتعامل بها مجلس الأمن مع المسألة السودانية. فبدون التفاعل البناء و الجاد بين كل أعضاء مجلس الأمن و الحكومة السودانية، و بدون الرغبة الصادقة في مساعدة السودانيين على التغلب على الصعوبات فإن أية قرارات يتخذها المجلس محكوم عليها بالفشل. و نحن نحثكم على تجنب أسلوب ممارسة الضغوط المتزايدة.
إن المبعوث الشخصي للأمين العام السيد (لعمامرة) يواصل جهوده، و يتعين علينا أن نمنحه الوقت و الفرصة السياسية للتحدث إلى كل أولئك الذين قد يكون لهم بعض النفوذ على التسوية سواء كانوا لاعبين داخليين أو خارجيين.
و أخيراً، من المهم أن نتخلص من المعايير المزدوجة و التي تبدو فادحة بشكل خاص في حالة السودان. فعندما يتعلق الأمر بالسودان، تنادي بعض البلدان بصوت عال بوقف إطلاق النار، و تطالب الجانبين بوقف العنف و حماية المدنيين، بينما في حالة غزة، تعطي هذه البلدان ذاتها “تفويضاً مطلقاً” لإسرائيل حتى تواصل التصعيد متجاهلة الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي من قبل الجيش الإسرائيلي. و على نحو مماثل، تعطي هذه البلدان الأولوية لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس و حماية مواطنيها، و لكن عندما يتعلق الأمر بالسودان فإنها تنكر بطريقة أو بأخرى نفس الحق لحكومتها و تتهم الجيش السوداني بكل الشرور.
أيها الزملاء،
نحن نحثكم جميعًا على التخلي نهائياً عن التفكير الاستعماري الجديد و التخلي عن كل محاولاتكم لخلق الفوضى بشكل مصطنع في البلدان التي تنتهج سياسات مستقلة من أجل “الاصطياد في مياهها العكرة”.
شكراً لكم على اهتمامكم.