مقالات الرأي

أصل القضية … إعادة صياغة المسؤولية في السودان “رؤية جديدة” .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في قلب أزماتنا السياسية والاجتماعية، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية و الأمنية مع بعض الآلام الداخلية و الخارجية، يظل سؤال المحاسبة والعدالة في الأداء الحكومي هو الأكثر حضورًا في ذهنية المواطن السوداني. لا يكاد يمر يوم إلا و يُثار هذا السؤال: “كيف نختار المسؤول؟ و كيف نقيّم أداءه في هذه المرحلة الحرجة؟”

واقع المسؤولية في السودان: تحديات في ظل فوضى سياسية

منذ الانتقال إلى المرحلة الحالية، ونحن نواجه تحديات كبيرة، ليس فقط على المستوى السياسي، بل في أدق التفاصيل اليومية المتعلقة بالحياة العامة، من الأمن إلى التنمية و العدالة الاجتماعية. و كل ذلك يُقابل بغياب المساءلة الحقيقية و الشفافية في إدارة شؤون الدولة.

في هذا السياق، يُطرح التساؤل الجوهري: “هل المسؤول في السودان يواجه اختبارًا حقيقيًا في قدراته، أم أن العواقب تُخفى تحت زخارف المصالح السياسية و التسويات؟”

> إن المشكلة ليست في عدم وجود الكفاءات، بل في كيفية اختيار و تقييم المسؤولين. لذا، تبرز استراتيجية الجسر و المورد كمخرج جديد، بفضل منهجها الذي ينطوي على التقييم الشامل و الموضوعي لأداء المسؤول، و ليس مجرد الاعتماد على الانتماءات السياسية أو الشعبية التي قد تضلل الواقع.

إستراتيجية الجسر و المورد: رؤية غير تقليدية لاختيار المسؤول:
تقوم إستراتيجية الجسر و المورد على فكرة أن المسؤولية لا تقاس بالكلمات الرنانة، و لا بالشعارات الفارغة، بل بما يقدمه المسؤول من حلول عملية قادرة على تغيير الواقع.

في هذا السياق، نقترح منهجية مبتكرة لاختيار المسؤول تقوم على الشفافية و المحاسبة على الأفعال لا على الأقوال. هذه المنهجية تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية:
١. قياس الفعالية في ظل الأزمة: في زمن الحروب و التمردات، حيث تتداعى كثير من مؤسسات الدولة، يجب أن يتم اختيار المسؤولين بناءً على قدرتهم على التعامل مع الأزمات بمرونة وابتكار. لا يكفي أن يكون المسؤول ذا خبرة إدارية، بل يجب أن يتحلى بقدرة استثنائية على اتخاذ القرارات تحت الضغط و تحقيق الإنجازات في أصعب الظروف. هذا يفتح المجال لاختيار قادة قادرين على بناء الجسور بين الأزمات و المستقبل.
٢. الشفافية في المساءلة الاجتماعية: لا تُقاس الفاعلية فقط بما يُنجز، بل أيضًا بما يتم إخفاقه فيه و كيفية التعامل مع هذا الإخفاق. من المهم أن يكون هناك آلية تواصل واضحة بين المسؤولين و الشعب، بحيث يُعرض تقدم الإنجاز بشكل علني و تُناقش الإخفاقات بنزاهة. إن المكاشفة الشعبية التي تتيح للمواطنين التفاعل مباشرة مع صناع القرار ستعمل على إعادة بناء الثقة بين الشعب و الدولة.
٣. التقييم الدوري المستقل: لا يمكن الحكم على المسؤول من خلال فترة واحدة فقط، بل يجب أن يكون هناك تقييم دوري مستقل للأداء الإداري و السياسي للمسؤولين، بما يتوافق مع المعايير الموضوعية مثل الاستجابة للأزمات، كفاءة تنفيذ المشاريع، و إدارة الموارد المحدودة. هذه المنهجية تتطلب لجنة محايدة تضم أفرادًا من قطاعات متنوعة: الخبراء المحليين، المجتمع المدني، و مؤسسات دولية يمكنها تقييم الأداء بشكل شامل.

كيف نخلق مسؤولًا يُحفز بالإخفاق؟

> من خلال تطبيق هذه المنهجية، يتغير تعريف المسؤولية نفسها في السودان. المسؤول لا يُقيّم على أساس الوعود السياسية أو الخطط المعلنة فقط، بل يُقيّم بناءً على قدرته على التفاعل مع مشكلات حقيقية والتكيف مع التحديات التي يُواجهها الشعب السوداني. إننا بحاجة إلى مسؤولين يتحملون المسؤولية عن الإخفاقات بنفس الدرجة التي يتحملون بها عن النجاحات.

> إن إعادة صياغة المسؤولية في هذا السياق ليس مجرد مسؤولية سياسية فحسب، بل هي مسؤولية اجتماعية أيضًا، حيث أن المسؤول لا يعمل فقط من أجل الحفاظ على استقرار الدولة، بل أيضًا من أجل إعادة بناء الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة. إذا لم ينجح في هذا، فإنه ليس مسؤولًا حقيقيًا، بل مجرد فرد في نظام يعاني من التكرار و المراوحة في المكان.

دور المسؤول التنفيذي في سياق الحرب و التمرد:
> في ظل الصراعات المستمرة والتحديات الأمنية التي يواجهها السودان، يصبح دور المسؤول التنفيذي أكثر تعقيدًا. من المهم أن يكون المسؤول قادرًا على التفكير خارج الصندوق و تطبيق حلول مبتكرة وسط الأزمات العسكرية والاقتصادية.

> التمرد في بعض المناطق والحروب الأهلية قد أضعفت كثيرًا من قدرة الدولة على فرض النظام، وتركزت الحلول السياسية في الكثير من الأحيان على المساومات التي لم تحقق تقدمًا حقيقيًا. هنا، تكمن أهمية الدور الحاسم للمسؤول التنفيذي في إعادة بناء الثقة على المستوى المحلي و الوطني. يمكن أن يكون التقييم الشامل للأداء في مثل هذه الظروف هو المعيار الحقيقي الذي يُقيّم فيه المسؤول، إذ يمكن أن تتراكم الإخفاقات بسهولة في ظل تصاعد التحديات، لكن كيفية التعامل مع هذه الإخفاقات هو ما يعكس القدرة الحقيقية للمسؤول.

أثر ذلك على الداخل و الخارج:
> في الداخل:
ستساهم هذه المنهجية في تحقيق إصلاح إداري حقيقي، حيث يُصبح المواطن السوداني أكثر قدرة على فهم مسؤولية حكومته، و يساهم بشكل فاعل في محاسبة المسؤولين. بهذا الشكل، تعود الثقة إلى مؤسسات الدولة، و يتحول الشعب إلى عنصر مؤثر في عملية الإصلاح.

> في الخارج:
تعكس استراتيجية الجسر و المورد صورة جديدة عن السودان في الخارج. حين ترى الدول الأخرى أن السودان لا يكتفي بالتصريحات العامة، بل يُحاسب مسؤوليه بناءً على الأفعال، سيُعاد بناء العلاقات الدولية الثقة، مما يعزز القدرة السودانية على كسب الدعم الدولي و الإقليمي في مرحلة حاسمة.

أصل القضية،،،
استراتيجية الجسر و المورد تمثل تغييرًا جوهريًا في مفاهيم المسؤولية الحكومية و تعكس فهمًا عميقًا لأهمية المحاسبة الذاتية. من خلال الابتكار في إدارة المسؤولية و التقييم، نستطيع أن نبني جسرًا بين الماضي المأزوم والمستقبل المشرق. و في ظل الحروب والتمردات، يصبح هذا النموذج هو السبيل إلى التطور والإصلاح الحقيقي، و الارتقاء بمستوى الأداء الحكومي بما يتناسب مع حجم التحديات التي يواجهها السودان اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى