أصل القضية … العطاءات في سودان الإعمار .. هل نزرع الثقة أم نحصد الشك؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء العرب

🟡 بداية الحكاية…
في قلب الخرطوم، تلك المدينة التي ما زالت تُضمِّد جراحها تحت أجنحة الدخان، تُعلن الجهات الرسمية من حين لآخر عن طرح عطاءات لإعادة البناء… جملة تبعث الأمل.
لكن، ما أن تكتمل القراءة حتى تصطدم عين القارئ بشرط صادم، مألوف، ومُربك:
> “المدير العام غير ملزم بقبول أقل أو أعلى عطاء.”
قد تبدو الجملة تقنية، بيروقراطية، بلا طنين…
لكنها في الحقيقة: قنبلة ناعمة تنسف جدار الشفافية وتُعيد تعريف اللعبة من “تنافس مفتوح” إلى “مفاضلة مغلقة” قد لا يعلم أحد كيف تُدار.
🟠 مفترق الطرق: من العطاء إلى الانتقاء
العطاء ليس مجرّد إعلان، بل مرآة تعكس روح الدولة:
هل تؤمن بالعدالة التنافسية؟
هل تحترم المؤسسات؟
هل تطمئن المستثمر الوطني قبل الأجنبي؟
حين يُقال: “لسنا ملزمين بقبولك مهما بلغت كفاءتك أو قلت كلفتك”، فإن ذلك ليس فقط قتلًا للمنافسة، بل اغتيالٌ لمفهوم الدولة الحديثة.
🔵 لغة العالم: كيف يقرأ الخارج هذه العبارة؟
لسنا وحدنا من يقرأ عطاءاتنا.
في مكاتب الأمم المتحدة، وفي وحدات تقييم المخاطر بالمؤسسات الدولية، تُقرأ هذه الشروط بحبرٍ آخر:
🟥 عبارة “غير ملزم” تُترجم دوليًا إلى: “غير واضح، غير مضمون، غير موثوق”.
🟥 هذه الصيغة تُخيف المانحين، وتُرعب المستثمرين، وتُحبط الشركاء.
🟥 إنها ببساطة: لغة الانغلاق في زمن الانفتاح.
حين يسعى السودان لمدّ يده إلى العالم، فلا بد أن يُحسن لغة اليد… و”عطاء بلا التزام” هي يدٌ مرتجفة، تُفلت الفرص بدل أن تُمسك بها.
🟣 الحوكمة ليست شعارًا.. بل تفاصيل يومية
نتحدث كثيرًا عن “التحول المؤسسي”، عن “الدولة الرشيدة”، عن “الشفافية والحوكمة”.
لكن الحقيقة الصادمة:
> الحوكمة لا تُقاس بالخُطب ولا بالمؤتمرات… بل بإعلان عطاء صغير على صفحة إلكترونية باهتة!
هناك، في بنود العطاء، تُصاغ نية الدولة.
إما أن نقول: “ها نحن ننافس بشفافية”،
أو نقول: “نُعلن لتبرئة الذمة… ونمنح بمنطق من نُريد”.
🟢 بين الجسر والمورد… أين المؤسسية؟
ضمن إطار استراتيجية الجسر والمورد، نسعى إلى جعل السودان نقطة التقاء لا مفترق خلاف…
لكن أي جسر نُشيّد إن كانت أعمدته رخوة، لا تستند إلى عدالة؟
وأي مورد نُقدمه للعالم إن كنا لا نحترم موردنا البشري ولا نُفعّل كفاءاته؟
> إن أعظم استثمار يمكن أن نعرضه للعالم، ليس الذهب ولا النيل، بل المؤسسات.
🔴 دولة تُبنى أو تُهدم من بند في عطاء
في زمن الإعمار، التفاصيل تُساوي المصير.
عطاء نزيه يُنعش الثقة… وعطاء غامض يُكرّس اليأس.
ولذا فإن عبارة “غير ملزم بقبول أي عطاء” ليست تقنية، بل موقف سياسي، وأخلاقي وإستراتيجي.
✴️ توصيات لرسم ملامح السودان الذي نريد:
١. إصدار مدونة سلوك وطنية للعطاءات، تُقدّم النزاهة على “الاستنساب”.
٢. إلزام الجهات بإرفاق معايير تقييم علنية، لا تُترك للمزاج الإداري.
٣. إخضاع كل عمليات التعاقد للرقابة القومية والمجتمعية.
٤. مؤسسة الشفافية كقيمة وطنية لا مجرد إجراء قانوني.
أصل القضية؛؛؛
🔻 في سودان الأمل، نُريد أن نُدهش العالم لا أن نُخيفه. نُريد أن نُبهر الشركاء بثقافة مؤسسية لا بثقافة “المُخول يختار”.
📌 والبداية؟ بند واحد… مكتوب بلغة جديدة… في عطاء واحد… يفتح بابًا لثقةٍ تستحق أن تُبنى عليها دولة.