مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … الملحق الدبلوماسي الذي لا يُرى… لكنه يُحس! .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر .. باحث بمركز الخبراء العرب

في لحظات إعادة التشكل الوطني، تتجاوز معارك الكرامة حدود الجبهات. فهنالك جبهة أخرى لا يقل ضجيجها صمتًا ولا أثرها عمقًا: الجبهة الدبلوماسية.

في عالم يتغير بمنطق التحالفات الذكية لا الصداقات التقليدية، تبرز وظيفة السفارة كمركز تشغيل للمصالح الوطنية، لا مجرد مكتب خدمات. وفي قلب هذا المشهد يقف رجل مهمته أن لا يُرى كثيرًا، لكن يُحَسّ دائمًا: المستشار المتخصص.

بين التخصص والدبلوماسية: هوية تُبنى لا تُعلن
ما دور الملحق الفني في السفارات؟
> هل هو ناطق باسم مؤسسة؟ أم ذراع سيادي غير مباشر؟
> هل يقف في واجهة الإعلام لشرح مزايا الخدمة؟ أم يشتبك بذكاء في خلفية العلاقات الثنائية لرسم خريطة تعاون؟
الفرق بين الاثنين، هو نفسه الفرق بين موظف تسويق ومهندس نفوذ.
الأول يُحسب بعدد مشاهداته، والثاني يُقاس بحجم ما بنى من مصالح بهدوء.

الدبلوماسية المتخصصة: رؤية استراتيجية مغفلة
في سياقنا الوطني، ومع تعاظم أهمية الدبلوماسية المتخصصة بمساراتها الطبية، الثقافية، الزراعية، والتجارية، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف أدوار المستشارين الفنيين داخل السفارات، ليس كممثلين لخدمات مؤسساتهم، بل كمهندسي مصالح وطنية صامتة.

> الملحق الطبي لا يُطلب منه أن يروّج للعلاج، بل أن يُنسّق للتوأمة مع وزارات الصحة، وأن يفتح أبواب البحث والدعم الفني واللوجستي.

> الملحق الثقافي لا يكفي أن يُنظّم فعالية، بل أن يُعيد تصدير صورة السودان الناعم والمتعدد، ويُفعّل الاتفاقات الأكاديمية والثقافية.

> الملحق الزراعي لا تُقاس مهمته بعدد الزيارات لمعارض البذور، بل بعدد الفرص الاستثمارية التي فتحها لمنتجي السودان عبر أدوات الدولة.

> والملحق التجاري ليس مجرّد مروّج لسلعة، بل مفاوض استراتيجي يبحث عن تموقع السودان في سلاسل القيمة لا في رفوف الترويج.

هؤلاء جميعًا، إن اجتمعوا على رؤية الدولة، لا على حدود اختصاصاتهم، تحوّلوا إلى سفارة متناغمة بصوت واحد، تعمل لصالح السودان، لا لصور الملفات.

في الجسر والمورد: المستشار ليس ظل المؤسسة… بل ظل الدولة
في استراتيجية الجسر والمورد، نعتبر أن كل مستشار متخصص هو ذراع دبلوماسي ناعم يعمل وفق ثلاثية:

١. التكامل مع السياسات العامة للدولة السودانية.

٢. التمركز في قلب المصالح لا حواف الخدمات.

٣ . التحرك بتواضع سيادي لا بجاذبية استعراضية.

ما ننتظره من المستشار لا يُرى في الصور، بل يُقرأ في الاتفاقات، ويُقاس بالأثر:
> أن يُحسن التموضع لا أن يُبالغ في الظهور.
> أن يُبادر إلى خلق الفرص لا أن يكتفي بتسيير الزيارات.
> أن يكتب أوراقًا مفاهيمية لا بيانات ترويجية.
> أن يصمت كثيرًا، لكن يتقن فن التمكين الاستراتيجي.

أصل القضية: الدولة لا تنتظر الموظفين… بل صُنّاع الأثر
السودان اليوم، وهو يعيد هندسة مكانته وسط مجتمع الدول، لا ينتظر من الملحق الدبلوماسي المتخصص أن يكونوا في صدارة الصور، بل في عمق النتائج.
لا ينتظرهم في المراسم، بل في بنود الاتفاقات.
لا يريدهم أن يُنبهروا بالوظيفة، بل أن يُشبهوا رسل الدولة في زمن لا مكان فيه للعابرين.

الملحق الذي نُراهن عليه، هو الذي لا يُرى كثيرًا… لكنه يُحس في كل خطوة إلى الأمام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى