أصل القضية … تقييم إستراتيجي لتحليل: “سلاح جديد يحفّز الخرطوم لتوجيه بوصلة الزلزال الصناعي نحو واشنطن” .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر – باحث في العلاقات الدولية ومؤسس رؤية (الجسر والمورد)

تقديم تمهيدي:
في إطار الجدل الدائر حول موقع الموارد الوطنية في صياغة القرار السياسي، ورد تحليل نشر بعدد من المواقع الإلكترونية بعنوان “سلاح جديد يحفز الخرطوم لتوجيه بوصلة الزلزال الصناعي نحو واشنطن”. التحليل كتب – بحماسة وطنية – يدعو إلى استخدام الصمغ العربي كسلاح إستراتيجي للضغط على الولايات المتحدة، في ظل الحرب السودانية الحالية و ضبط أسلحة أمريكية لدى المليشيا.
و رغم أن الفكرة تُعبّر عن غضب شعبي مشروع، و حنق سياسي مبرر تجاه تواطؤ دولي صارخ، إلا أنه – عند قراءته بعدسة إستراتيجية عميقة – يكشف عن استمرار التفكير بعقلية الدولة العقابية، لا الدولة التفاوضية، و بنهج الاقتصاد الانفعالي لا الاقتصاد الموجه بالرؤية.
و إذ نقيّم هذا التحليل في ضوء رؤية الجسر و المورد: طريق السودان إلى التكامل المستدام، فإننا نؤكد على أن الفرص تُصاغ بالتخطيط لا بالخصومة، و أن المورد لا يُسَلَّح ضد العالم، بل يُسَوَّق إليه بشروطنا.
و فيما يلي تفكيكٌ مهنيّ في ستة محاور:
🟠 أولًا: المنهج الإستراتيجي – هل هو ضغط مشروع أم انفعال بيروقراطي؟
🔹 التحليل يقترح إيقاف صادر الصمغ العربي كـ”رد فعل غاضب” على سياسات الولايات المتحدة دون طرح إستراتيجية بديلة للإنتاج أو التسويق.
🔹 نقد رؤية الجسر والمورد:
> المورد ليس أداة عقاب بل رافعة نفوذ. لا يصح أن نُهلك موردًا إستراتيجيًا بغرض معاقبة قوة كبرى، بل يجب أن نحسن استخدامه كورقة تفاوض، وشرط في العقود و جسر لتثبيت النّدِية.
🔹 إن المصلحة الوطنية لا تُبنى على ردود الفعل الغاضبة، بل على عقل بارد، و نفس طويل و ميزان مصالح لا مرارات.
🟠 ثانيًا: البعد التنموي – هل تمت مراعاة مصالح المنتجين؟
🔹 يُغفل التحليل مصالح المجتمعات الزراعية في كردفان ودارفور والجزيرة، التي ترتبط اقتصاديًا بالصمغ.
🔹 الدعوة إلى منع الصادر أو احتكار الدولة للمورد – دون نموذج تمويلي وتعويضي واضح – تعني فعليًا تجفيف دخل آلاف المنتجين الصغار الذين يعيشون عليه كمورد موسمي.
🔹 نقد رؤية الجسر والمورد:
> يجب أن نُفعّل سياسة “المورد في يد المنتج”، وأن تكون الدولة ممكنة لا مُحتكرة، وشريكة لا مُهيمنة.
🟠 ثالثًا: الرؤية الجيوسياسية – هل تُدار العلاقات الدولية بالعزل أم بالشراكات؟
🔹 اقتراح حظر الصمغ العربي عن أمريكا يعيدنا إلى مربع “اقتصاد المواجهة” و هو مربع أضرّ بالسودان لعقود.
🔹 منطق “نمنع عنهم” مقابل “هم يعاقبوننا” يعزز ذهنية الحصار المتبادل، و هو ما يخالف نهج الدبلوماسية الذكية التي تسعى إلى خلق موازين تبادلية عادلة.
🔹 نقد رؤية الجسر والمورد:
> العلاقات الدولية لا تُبنى على “كسر العظم”، بل على توظيف ما نملك مقابل ما نحتاج، ضمن اتفاقات تحقق السيادة لا العزلة.
🟠 رابعًا: المعرفة العلمية بالموارد – بين الأسطرة و الابتكار
🔹 التحليل يخلط بين “تفوق الصمغ العربي الطبيعي” و بين “أسطورته البيئية”، مما قد يدفع نحو المبالغة في التقديس العلمي دون تطوير المنتج.
🔹 بدلاً من الاكتفاء بعجز الغرب عن تصنيع بديل، لماذا لا نستثمر في معامل بحثية سودانية لتطوير الاستخدامات، أو إنتاج مكملات غذائية أو مستحضرات طبية مشتقة من الصمغ؟
🔹 نقد رؤية الجسر و المورد:
> المورد يُحمى بالعلم لا بالعاطفة… و التفوق الحقيقي أن نُصدّر ليس المادة الخام، بل القيمة المضافة.
🟠 خامسًا: النموذج الإداري المقترح – احتكار الدولة أو تمكين المنتج؟
🔹 التحليل يقترح إسناد الصمغ للدولة أو إنشاء شركة حكومية تتولى التنظيم و الاحتكار.
🔹 هذا النموذج يكرر كارثة “شركة الصمغ العربي السودانية” سابقًا، و التي أجهضت القطاع لعقود بسبب البيروقراطية، والفساد و العزلة السوقية.
🔹 نقد رؤية الجسر والمورد:
> لا بد من نموذج تشاركي (PPP أو BOT) يدمج المنتج والمصدر والمصنع والممول، وفق سلسلة قيمة لا مركزية، يضمن فيها المنتجون دورًا استراتيجيًا لا رمزيا.
🟠 سادسًا: المآلات السياسية والاقتصادية – هل نربح اللعبة أم نُقصي أنفسنا؟
🔹 لا يُوجد ما يؤكد أن حظر الصمغ سيهزّ أمريكا… لكنه بالتأكيد سيهز ميزان الصادرات السودانية.
🔹 إدخال سلعة حيوية مثل الصمغ العربي في صراعات جيوسياسية غير مدروسة، سيُهدّد تصنيف السودان كمورد موثوق.
🔹 نقد رؤية الجسر و المورد:
> التفاوض الذكي يصنع من المورد عنصرًا سياديًا، لا قنبلة موقوتة. نُحسن شروط البيع بدل وقف البيع و نفرض معايير الجودة بدل العقوبات.
📌 أصل القضية،،،
رغم وجاهة الدوافع الوطنية خلف التحليل، إلا أن طرحه يُعيد إنتاج منطق الدولة المتشنجة، و الاقتصاد المُحتكر و الدبلوماسية المُنفعلة. بينما السودان في حاجة إلى:
●منصة إنتاج لا منصة منع.
●شراكات عالمية لا قطيعة دولية.
●تمكين المنتج لا تسليح المورد.
وحدها رؤية الجسر والمورد تقدم الطريق الثالث:
> الربط الذكي بين المورد والدبلوماسية، و بين القيمة والكرامة و بين الداخل والخارج.
فهل آن أوان أن نتحول من “الدولة الغاضبة” إلى “الدولة المفاوضة”؟
من “الاحتكار” إلى “التمكين”؟
من “ردة الفعل” إلى “مبادرة الفعل”؟
السودان لا يحتاج إلى حرب جديدة… بل إلى صفقة ذكية تُدار بأدوات دولة حديثة.