أصل القضية … عضوية ألعاب القوى: تتويج للقوة الناعمة .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر .. باحث في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية

● في لحظة يختلط فيها عرق الرياضيين على المضمار بأدخنة المعارك في الميدان، ينتزع السودان مقعدًا مهمًا في المكتب التنفيذي لاتحاد ألعاب القوى العربي، في خطوة تُشبه إلى حد كبير رفع علم الوطن فوق منصات التتويج… و لكن هذه المرة، فوق منصة التأثير العربي.
● إنها ليست مجرد عضوية، بل هي لحظة تموضُع استراتيجي دقيق، تُعيد من خلالها الخرطوم رسم ملامح صورتها الناعمة وسط إقليم يمر بالتحولات، لتقول: “نحن هنا، لا فقط نقاتل لندفع الموت، بل نركض لنسابق الحياة”.
● ألعاب القوى كقوة ناعمة: كيف نقرأ الحدث؟
في أدبيات العلاقات الدولية، تُعد الرياضة من أبرز أدوات القوة الناعمة التي توظفها الدول لبناء الصورة الذهنية، و كسب الاحترام و توسيع النفوذ دون إطلاق رصاصة واحدة. و عضوية السودان في المكتب التنفيذي العربي لألعاب القوى تمنح الخرطوم منصة ذهبية لتفعيل هذا النوع من التأثير، في توقيت بالغ الحساسية، تتزامن فيه الانتصارات العسكرية على مليشيا الدعم السريع و مرتزقة الإمارات، مع نهوض دبلوماسي و إعلامي مدروس.
● في هذا السياق، لا بد أن نفهم هذه الخطوة كمؤشر على عودة الدولة السودانية إلى المشهدين العربي و الدولي بثقة، لا فقط كطرف ندّي، بل كقائد مستقبلي قادر على اقتراح، و صياغة، و قيادة المبادرات الرياضية و التنموية الشبابية على مستوى الإقليم.
■ ماذا يعني هذا الانتصار؟
– ترسيخ حضور السودان في المنظمات العربية النوعية، ما يعزز موقعه في شبكات صنع القرار الإقليمي.
– إعادة تشكيل صورة السودان بعيدًا عن رماد الحرب، لتبرز كدولة تنجب أبطالًا لا فقط في (الكاكي)، بل في الميدان الأولمبي.
– تعزيز الدبلوماسية الرياضية التي باتت اليوم أداة عالمية لصناعة النفوذ و التأثير و الاختراق الليّن للمجتمعات.
■ دور اتحاد ألعاب القوى السوداني: ما الذي يجب فعله؟
إذا كان الفوز بمقعد المكتب التنفيذي خطوة نحو الأمام، فإن ما سيُبنى عليه هو الرهان الحقيقي. لذا، على الاتحاد أن يتحول من مجرد هيئة تنظيمية إلى مؤسسة إستراتيجية تؤمن بأن كل سباق يُخاض خارج حدود السودان، هو معركة رمزية في قلب معادلة التنافس الدولي الناعم.
● و من أهم الأدوار:
١. بناء شراكات عربية و إفريقية مستدامة لإقامة معسكرات تدريبية، تبادل الخبرات و تنظيم البطولات المشتركة.
٢. استقطاب الدعم العربي و الدولي لتأهيل البنية التحتية الرياضية في السودان و ربطها بجهود الإعمار الوطني.
٣. إطلاق برنامج وطني لاكتشاف المواهب الرياضية في معسكرات النزوح، و تقديمهم كرموز للأمل، و كأنهم شعلة تنبُت من الرماد.
٤. إعداد دبلوماسيين رياضيين من الشباب لتمثيل السودان في المحافل الدولية، بأسلوب يجمع بين التفوق الرياضي و الخطاب الحضاري الراقي.
■ الأهداف الممكنة: ما الذي يجب أن نطمح إليه؟
– تنظيم البطولة العربية لألعاب القوى في السودان خلال الأعوام القادمة كرمز لانتصار الإرادة السودانية في وجه الحرب.
– إحراز ميداليات قارية و عالمية باسم السودان في ظل مشروع وطني لصناعة الأبطال.
– تصدر السودان لمشهد الرياضة العربية من بوابة ألعاب القوى، و هي أم الألعاب، كما يُقال، تمامًا كما أن الجيش هو “أب الدولة”.
● أصل القضية: السودان يركض نحو المستقبل
في لحظة تتشابك فيها الدماء بالأحلام، و البندقية بالشعلة، و الميدان بالحلبة… يركض السودان، لا ليفوز فقط بالسباق، بل ليصنع سباقًا جديدًا. عضويته في المكتب التنفيذي العربي ليست إلا إشارة انطلاق نحو مشروع نهضة متكامل، تقوده أرواح المقاتلين في الجبهة، و أقدام العدائين في المضمار و عقول المخططين في المكاتب.
● إنها لحظة يجب أن تُقرأ جيدًا، لا كحدث منفصل، بل كحلقة من حلقات استعادة الكرامة الوطنية الشاملة…
● و لأننا نؤمن أن “السباق لا يُحسم عند البداية، بل عند خط النهاية”، فإن السودان بدأ الآن يركض…